عاصفة..!!
تنهب السيارة الصغيرة الطريق نهباً فقد تأخرت قائدتها (نور) عن المنزل و عيب ليل الشتاء أنه يأتى بسرعة ولا ينتهى بسهولة.... و خصوصاً فى تلك الليلة الباردة الممطرة وكأن صنابير السماء جميعها قد تلفت، وبين كل لحظة وأخرى تتألق الأرض بلونها الأزرق الكهربائى فيستحيل الليل نهاراً، ثم .....بروووم..... جلاميد الصخرتصطدم فى أجواز السماء...... يا لها من عاصفة وفجأة يتوقف محرك السيارة تحاول إدارته مرة أخرى ....كررررر...... لا إستجابة .......مرة ثانية طويلة مع دفع بعض البنزين فى المحرك بقدمها..... كرررررررررر..... أعلن المحرك عن كسله بمناسبة البرد على سبيل الإحتفال ،تترجل عن السيارة لتنهال عليها رصاصات المطر فتشهق ثم تحاول دفعها على جانب الطريق قليلاً وتتلفت حولها يخلو الطريق السريع من السيارات والمارة معاً ،هناك ضوء خافت منبعث من أسفل الجانب المقابل ربما هو كشك خفير ما أو عشة لأسرة متواضعة ،لابأس فلتذهب باحثة عن بعض المعونة ربما دفعة قوية تبث الدماء فى تلك اللعينة ،تأخذ معطفها و تلفه بإحكام حول جسدها و رقبتها وحقيبة يدها تحت إبطها و راحت تخطو بحذر فوق الأوحال التى تزداد سريعاً ، ياللأرض الزلقة ، تقترب من الضوء أكثر لايساعدها حذاؤها ذو الكعب العال على التحرك بسرعة فقد كانت لتوها بعرس إحدى صديقاتها و هو ما جعلها تتأخر فى العودة للمنزل لهذه الساعة و ترتدى ثوب سهرة أسود أنيق لا يقيها شر البرد حتى مع ذلك المعطف الشتوى الثقيل ..... هاهو مصدر الضوء ناراً صغيرة أوقدها شيخ عجوز هو صاحب هذا الصرح الصغير من القش ،جلس أمامها يستجديها بعض الدفء و هو يتسلى بإعداد الجوزة الصغيرة..... يدخن المعسل فى نهم، و ينفث الدخان الأسود عبر أسنانه النخرة - حتما ً- و ملامح وجهه المختبئة خلف شال قديم مهلهل لفه حول رأسه ،كان يرتدى معطفاً أصفر باهت و يضع بجانبه بندقية عتيقة صدأت خزانتها من قلة الإستخدام هو على الأغلب خفير المنطقة الهمام الذى يدنو منه الموت أكثر من أرنبة أنفه......... تتنحنح وهى تقترب منه متوجسة تهم بأن تتحدث إليه لتطلب المساعدة ... و هنا هوى لسان برق ليصدم شجرة سامقة على مقربة منها فإشتعلت بالنار و هوت و مدت (نور ) يدها لتجذب ذراع الشيخ قائلة شيئاً مثل " ابتعد يا والدى....." ولم تكمل العبارة لأن معصم الرجل هوى كجذع الشجرة على وجهها المبتل و وجددت نفسها تطير لتسقط وسط الأوحال نهضت تبصق ما إبتلعته من طين غير عارفة ما يحدث لها ........وهنا رأت رجلا ً يهرع إليها وسط السيول المنهمرة كان ضخم البنيان لا يوحى بالثقة يتدثر بثياب ثقيلة إنحنى فوقها يتفحصها، و ما إن مال عليها حتى إنطلقت من عيناه ومضة خاطفة كأضواء السيارات على الطرق السريعة ......بعدها تغيرت المعالم التى حولها وجدت نفسها وسط غرفة واسعة تجلس على كرسي فى منتصفها تماما ً......... و الغرفة تدور بها و تدور حولها آلاف النجمات الساطعة والكرسي مازال متشبثا ً بها و هى متعلقة فى ذيل نجمة تتأرجح بها الثريا الزجاجية المعلقة فى السقف.... ثم تسقط و تتحول إلى آلاف القطع الزجاجية المتناثرة تصرخ فى ذهول غير مصدقة ما يحدث لها و يهبط بها الكرسى لتجد الخفير واقفا ً عند باب الغرفة حاملا ً بيده الجوزة الصغيرة و يعطيها ظهره خارجا ً تهرع إليه فزعة متسائلة " أيها الشيخ ... ما الذى يحدث .... ما كل هذا الجنون ؟ " يرد عليها بصوتٍ أجش و وهو يلتفت لها ببطء و الجوزة تنفث الدخان من فمها ......" كح كح... إنكِ فى قلب العاصفة " حتى إن رأت وجهه بالكامل خالياً من الملامح .... يمد يده ليفتح الباب لتغمر السيول الغرفة ،و تغوص هى فى أعماق المياه الباردة تحاول الصعود إلى أعلى بكل جسدها يعوقها المعطف فتتخلص منه و هى تواصل الصعود فى جهد ، حتى تنجح فى الوصول إلى سطح الماء فتشهق لتعبأ رئتيها اللتان إفتقدتا الأوكسجين تضرب بيديها الماء فتصطدم بجدار زجاجى للكوب الذى تسبح فيه ... لا ليس مرة أخرى تحاول الصعود على حافة الكوب فتمسك بمقود سيارتها و تفتح عيناها فجأة ما زالت فى السيارة على قارعة الطريق تتشبث يدها بالمفتاح ثم كررررررررررر.....فووووووووووم... إستجاب المحرك أخيراً ..... و إنطلقت بسيارتها فى خوف تبتعد عن الطريق ...... تبتعد عن العاصفة ........
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ول
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة