بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
بدأت السورة بنداء الله تعالى عباده بلفظ عام يشمل مؤمنهم وكافرهم ( يأيها الناس ) وهي دعوة عالمية للجميع , يأمرهم الله تعالى بالتقوى ..
والتقوى كلمة شديدة الأهمية , وذلك لكثرة ورودها في القرآن , فهي تدل على الرقابة الإلهية , وهي ملاك الأمر فلا كمال ولا سعادة بدون الالتزام بها , وهي لها معانٍ عديدة نذكر منها : أن يجعلَ العبدُ بينه وبين ما يخافُهُ ويَحْذَرُهُ وقايةً تَقِيه منه. وتَقْوَى العبدِ لربه أن يجعلَ بينه وبين مايخشاه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تَقِيهِ من ذلك بفعل طاعتِه واجتنابِ معاصيه، فاللهُ سبحانه تارةً يأمر بتقواه، فهو أهلٌ أن يُخْشَى ويُهابَ ويُجَلَّ ويُعظَّمَ في صدور العباد حتى يعبدوه ويطيعوه، وتارةً يأمر سبحانه باتقاء النار كما في قوله تعالى: (فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 24].. وتارةً يأمر سبحانه باتقاءِ يومِ القيامةِ كما في قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[البقرة : 281]. وقولِه تعالى: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ) [البقرة : 48].
قال ابنُ عباسٍ : المتقون: الذين يحذرون من الله وعقوبته، وقال الحسنُ البصريُّ: المتقون: اتّقوْا ماحرَّم اللهُ عليهم، وأدّوْا ما افترض اللهُ عليهم. وقال عمرُ بنُ عبدِ العزيز: ليس تَقْوَى اللهِ بصيام النهار وقيام الليل مع التخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى اللهِ تركُ ما حرَّم اللهُ وأداءُ ما افترض اللهُ، فمن رُزق بعد ذلك خيراً فهو خير، وقال طَلْقُ بنُ حبيب: التقوى أن تعملَ بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تتركَ معصيةَ اللهِ على نور من الله تخاف عقابَ اللهِ، وقال ميمونُ بنُ مهران: التَّقِيُّ أشدُّ محاسبةً لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه، وقال ابنُ مسعودٍ في قوله تعالى: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) قال: أن يُطاعَ فلا يُعصَى، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى، وأن يُشكر فلا يُكفر. فالتقوى وصيةُ اللهِ لجميعِ خلقه ووصيةُ رسولِه صلى الله عليه وسلم لأمته، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، ولَمَّا خَطَبَ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداعِ يومَ النحرِ وصَّى الناسَ بتقوى الله، ولم يَزَلِ السلفُ الصالحُ يتواصَوْن بها.
وقيل عن التقوى : هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل .
ولو تدبرنا في الآية لوجدنا أن التقوى ذكرت مرتين في نفس الآية , للدلالة على عظم أمرها , والأمر بوجوبها , وأن الآيات القادمة كلها أحكام والمسلم لا يستطيع أن يطبق كل هذه الأحكام ما لم يكن عنده تقوى .
اتقوا ربكم : لماذا ذكر الله صفة الربوبية هنا ؟
لأنه الذي لا يعرف الله فإنه يعرف الرب , فإن الآية ابتدأت بالنداء للناس كافة , ومن الناس من لا يؤمن بالله كإله واحد , لكنه يؤمن بالله كرب , مثل النصارى وغيرهم .
يتبع أن شاء الله
المراجع : أيسر التفاسير = أبي بكر الجزائري
دائرة الشؤون الإسلامية= خطبة بعنوان : اتق الله حيثما كنت .
شرح الدكتورة = فاطمة نصيف
الروابط المفضلة