السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبيباتى والآن مع الشبهة الثانية
وهى حول
فرية زواجه عليه الصلاة والسلام من أم المؤمنين
الحبيبة الغالية زينب بنت جحش
[ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ] (1)
لطالما قرأت هذه الآية الكريمة بسورة الأحزاب ... وكنت أقول فى نفسى ما هذا الذى كان الرسول يخفيه؟
ولم أكلف نفسى عناء البحث عن تفسير لهذه الآية وهذا من جهلى وتقاعسى عن معرفة دينى ولثقتى العمياء فى رسولى الكريم وأخلاقه العظيمة... ولكن إذا سألنى أحد فبماذا أرد؟!! سوف ينعقد لسانى كالعادة وأبحث فى عقلى عن إجابة ولن أجد...مرة أخرى سوف يتجلى شبح جهلى أمامى ليحرجنى
والآن إلى الشبهة
يزعم أعداء الدين من النصارى وغيرهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام إشتهى أم المؤمنين زينب بنت جحش وطلقها من زوجها زيد بن حارثة ليتزوجها هو؟!!
وفى البداية أحب أن أعرفكم من هو زيد ومن هى السيدة زينب؟
زيــــد
هو زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى، وكان طفلا حين سبي ووقع بيد حكيم بن حزام بن خويلد حين اشتراه من سوق عكاظ مع الرقيق، فأهداه الى عمته خديجة، فرآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندها فاستوهبه منها فوهبته له، فأعتقه وتبناه، وصار يعرف في مكة كلها (زيد بن محمد) وفقا لما تعود عليه العرب وقتها. وذلك كله كان قبل الوحي. أحبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حبا عظيما، حتى أسماه الصحابة (زيد الحب)
وقيل أن النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- حزن على زيد حتى بكاه وانتحب، فقال له سعـد بن عبادة: (ما هذا يا رسـول الله ؟!)... قال: (شوق الحبيب إلى حبيبه).
السيدة زينب بنت جحش
هى زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن مرة بن كثير بن غنم بن دوران بن أسد بن خزيمة" وهى من علية نساء قريش وهى ابنة عمة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وقيل أنها " ولدت قبل الهجرة بسبع عشرة سنة"وقد نشأت السيدة زينب بنت جحش في بيت شرف ونسب وحسب ، وهي متمسكة بنسبها ، ومعتزة بشرف أسرتها ، وكثيرا ما كانت تفتخر بأصلها
وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيد بن حارثة . فقالت : يا رسول الله لا أرضاه لنفسي وأنا أيم قريش قال : فإني قد رضيته لك . فتزوجها زيد بن حارثة ( 2 ) .
يتزوج زيد بزينب وَتَمُرُ فترة ليست بالطويلة من الزمن إلا أن زينب تشعر فى قرارة نفسها أنها أعلى منه نسباً وحسبا لكن كل ما يتم بتدبير العلى القدير. يذهب زيد إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مخبرا انه يريد فراق زوجته فيقول له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم
امسك عليك زوجك واتقى الله
وهنا تجدر الإشارة إلى تحقق كذب الروايات التى استدل بها المضللون على شبهتهم فلو كان صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم طامعا فى الزواج من زينب على افتراض صحة تلك الرواية لشجع زيداً وقتها على ما يريد من فراق لزوجته (3)
فما الغرض إذا من زواج زيد من السيدة زينب:
الغرض هوالمساواة بين العبيد وغيرهم
كان زيد فى الأصل عبداً مملوكا أعتقه النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وتبناه وأتى الإسلام ليساوى بين العبيد والأحرار وكان لا بد من تطبيق عملى لهذا المبدأ فزوج النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيداً الذى كان عبداً لزينب التى هى من أشرف شرفاء مكة
ليس هذا هو الميدان الوحيد الذى طبق فيه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المساواة بين العبيد والأحرار فقد أمَّر النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم زيداً على سرية كان فيها أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب
دليل الشبهة
إستدل هؤلاء المغرضون على هذه الشبهة بما جاء فى بعض التفاسير
وقبل أن أورد هذه التفاسير والنصوص والرد عليها أحب أن أشير إلى أمر هام وهو أن علماء التفسير رضى الله عنهم وأرضاهم حينما وضعوا كتب التفاسير كان عندهم من الأمانة العلمية ما يجعلهم يوردون ويوضحون كل الروايات التى تتعلق بتفسير الآية حتى يتعلم القارئ المسألة من كل ما يتعلق بها من جوانب ثم يقوم العالم بتوضيح التفسير الراجح أو الصحيح من بين تلك الآراء التى يسردها فى كتابه. ولنضرب مثلا مساويا لأصحاب العلوم الأخرى حينما يسردون بعضا من النظريات فى كتبهم فهو لا يوافق بالضرورة على كل تلك النظريات وإنما من الممكن أنه يسردها ليبين النظرية التى أخذ بها ويدحض النظريات الأخرى.
ومن تلك الروايات
الرواية الأولى:
ذكرها ابن جرير في تفسيره (22/13 ) قال : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش بنت عمته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يريده وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر فانكشفت و هي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وقع ذلك كرهت الآخر ، فجاء فقال : يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي ، قال : مالك ؟ أرابك منها شيء ؟ قال : لا ، والله ما رابني منها شيء يا رسول الله ، ولا رأيت إلا خيراً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك واتق الله ، فذلك قول الله تعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه } ، تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها .
ابن زيد هذا هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا ضعيف باتفاق المحدثين ، بل صرح بعضهم بأنه متروك الحديث ، قال البخاري وأبو حاتم : ضعفه علي بن المديني جداً ، وقال أبو حاتم : كان في الحديث واهياً ، و جاء عن الشافعي أنه قال : قيل لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن سفينة نوح طافت بالبيت و صلت خلف المقام ركعتين ؟ قال : نعم . و لهذا لما ذكر رجل لمالك حديثاً منقطعاً قال له : اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح . و أقوال الأئمة في تضعيفه كثيرة ، و هو رجل صالح في نفسه لكنه شغل بالعبادة والتقشف عن حفظ الحديث فضعف جداً . التهذيب (6/178) . و يروى عنه شيء كثير في التفسير ، فما كان من رأيه في فهم القرآن ، فهذا ينظر فيه ، وأما ما يرويه مسنداً فغير مقبول ، فكيف إذا أرسل الحديث ؟! .
قال ابن إسحاق : مرض زيد بن حارثة فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده و زينب ابنة جحش امرأته جالسة عن رأس زيد ، فقامت زينب لبعض شأنها ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طأطأ رأسه ، فقال : سبحان مقلب القلوب والأبصار ، فقال زيد : أطلقها لك يا رسول الله ، فقال : لا ، فأنزل الله عز وجل { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ...} إلى قوله {وكان أمر الله مفعولاً } . تعدد نساء الأنبياء و مكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام اللواء أحمد عبد الوهاب ( ص 68 ) .
وهناك العديد من الروايات الضعيفة وغير الموثوق بها تتضارب مع بعضها البعض فتارة يقولون أن الرسول عليه السلام قد إفتقد زيد ولم يجده فذهب إلى بيته... وتارة يكون زيد مريضا ويذهب الرسول لزيارته وفى روايات زيد موجود بالبيت وفى أخرى أنه غير موجود وفى والروايات التي ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار زيداً اختلفت في كيفية رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لزينب رضي الله عنها ، فرواية تقول بأنه كان واقفاً بالباب فخرجت إليه ، و رواية بأنه كان واقفاً بباب زيد فرفعت الريح ستر الشعر فرآها فأعجبته .
إذا كيف يكون الرد على هذه الشبهة:
أولا:
كل الروايات كما ذكرنا متضاربة وضعيفة
ثانيا:
شبت السيدة زينب أمام أعين الرسول عليه الصلاة والسلام حيث ولدت رضى الله عنها ورسول الله قد جاوز التانية عشر إذا فهذا شيئ عجيب ألم يلحظ الرسول عليه الصلاة والسلام مفاتنها إلا بعد أن زوجها زيدا!!! والحجاب لم ينزل بعد فقد نزل صبيجة عرسها فلو كان يهواها عليه الصلاة والسلام لكان تزوجها قبل زيد
ثالثا:
لو افترضنا جدلاً أن حبها وقع في قلبه صلى الله عليه وسلم متأخراً بعد رؤيته لها عند زيد بن حارثة ، فبأي شيء يمكن تفسير ما صدر منه صلى الله عليه وسلم و فهم منه زيد و زينب أنها وقعت في قلبه ، سواء كان ذلك تسبيحاً أو طأطأة للرأس ، أو غير ذلك ؟! كيف ذلك و هو الذي نهى عن أن يخبب الرجل امرأة غيره عليه ؟ أفيعمل ما قد نهى أمته عنه ؟! فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا ) أبو داود ( برقم 5170) بسند صحيح .
رابعا:
ما الذى أخفاه الرسول صلى الله عليه وسلم فى نفسه؟
أجمع المنصفون من أهل التفسير والحديث على أن الله تبارك وتعالى أخبر نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن زيداً سيطلق زينب وأن الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم سيتزوجها فخشى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أن يقول الناس إن محمداً تزوج من زوجة ابنه ([4])
ذلك لأن عادة العرب إذا تبنى شخص آخر أن يكون أبا له فلا يتزوج بزوجته وهذا ما خشيه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة وأن الأمر بتحريم التبنى لم ينزل بعد
وما الذى أبداه الله
الذى أبداه الله _قدره_ أن زيداً سيطلق زينب ثم يتزوجها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فما قدره الله فى محله فهو واقع لا محالة
والآن لماذا يتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب ؟:
كان هذا الزواج لعدة أغراض أهمها
إبطال عادة التبنى:
الله تبارك وتعالى حرم التبنى وكان العرب فى هذا الوقت بحاجة إلى تطبيق عملى ليتخلوا عن هذه العادة فتحتم أن يتزوج عليه الصلاة والسلام من زينب التى هى زوجة إبنه بالتبنى ويبدأ بنفسه ليعلم الناس أن التبنى لا أصل له فى الدين ولم يكن النبى عليه الصلاو والسلام له حاجة أو إختيار فى هذه الزيجة والدليل على ذلك قوله تعالى فى سورة الأحزاب 39
"فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ
"أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا"
لماذا أُلغى التبنى
لم يلغِ الإسلام نظام التبنى كاملا كما ظن البعض وإنما الذى ألغى فى التبنى جزء منه وهو أن ينسب الرجل إلى نفسه ولدا أو بنتا ليس من صلبه هذا فقط هو الذى ألغى من نظام التبنى ذلك لأن القول بنسب إنسان إلى غير أبيه يترتب عليه الكثير من المخالفات الشرعية منها:ـ
1ـ أن المتبنى هذا لا يجوز له أن يتزوج من نسل الشخص الذى تبناه مع أنه لا يوجد مانع شرعى يحول بينه وبين ذلك.
2ـ جلوس المتبنى مع أسرة الشخص يستتبع تكشف للعورات وهو لا يجوز من الناحية الشرعية لأنه ليس له من الصلاحيات من يبيح له ذلك
3ـ المنسوب إلى هذا المتبنى يرثه بعد وفاته وبذلك يكون قد أخذ ما ليس له فيه حق شرعا لأن التبنى ليس من أسباب الإرث
4ـ الأب الذى تبنى هذا الطفل مثلا لا يجوز له أن يتزوج بإحدى محارمه مع أنه فى الأصل يجوز له ذلك
وعليه فإن نسب شخص إلى آخر لا يخرج إلا عن تحريم لما
أحله الله أو إباحة ما حرمه الله وهكذا
لأجل ذلك ألغى الإسلام تلك الخصلة من خصال التبنى وأبقى على غيرها من رعاية ذوى الحاجات والقيام على شئونهم مع الوضع فى الاعتبار تلافى السلبيات التى كان عليها نظام التبنى قبل الإسلام
وعلى هذا فيستدل مما سبق على بطلان أكاذيب هؤلاء المدعين ويكفى أن ذلك يتنافى مع عصمة الأنبياء ومقام الرسل فكيف بحبيبنا خاتم الأنبياء وسيد المرسلين؟ ولهذا يجب صيانة النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الترهات التي نسبت إليه زوراً و بهتاناً
ولى تعليق آخر...يدعى هؤلاء أن القرآن العظيم إنما هو من تأليف سيدنا محمد وأنه ليس كلمة الله لو كان ذلك كذلك فكيف يكتب محمد شيئا يدين به نفسه!! أليس أولى به أن يذكر مكارم أخلاقه وحسن صفاته فكيف يقولون أن محمد كتب هذا القرآن وكيف فى ذات الوقت يكتب ما يعيب به نفسه!؟
والله أعلى وأعلم
والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة
(1) الأحزاب : 37
(2) الطبقات الكبرى للإمام أبى المواهب عبد الوهاب الشعرانى 101 / 7 .
(3) فتح البارى جـ 8 صـ 524 وما بعدها
(4) تفسير بن كثير
رد مع الاستدلال
كتبت بواسطة ايمان حماد
الروابط المفضلة