* قاعدتان نافعتان في دعوة المرتد:
المرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه، ويجب مراعاة ما يلي عند دعوته:
أولاً: لا يجوز الحكم على مسلم بالردة إلا من عالم بموجب الحكم عليه بأن يأتي بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل يوجب ردته بمقتضى الأدلة الشرعية، فإن تكفير المسلم من أعظم الكبائر وفي الحديث: [من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه] (متفق عليه)
وقد تقدم الكلام على المكفرات، وما يصير به المسلم مرتداً مستوفي فلينظر.
ثانياً: لا يحكم على معين وقع في مكفر أنه كافر إلا بعد إقامة الحجة الرسالية عليه، والتأكد من ارتفاع موانع الحكم عليه بالتكفير..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإنما المقصود هنا أن ما ثبت حكمه من البدع وغير البـدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص فقد يكون على وجه يعذر فيه إما لاجتهاد أو تقليد يعذر منه، وإما لعدم قدرته كما قد قررته في غير هذا الموضع، وقررته أيضاً في أصل (التكفير والتفسيق) المبني على أصل الوعيد.
فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حـق المعين إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع، هذا في عذاب الآخرة فإن المستحق للوعيد من عذاب الله ولعنته في الـدار الآخرة خالد في النار أو غير خالد، وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق يدخل في هذه القاعدة، سواء كان بسبب بدعة عقائدية أو عبادية، أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال" (مجموع الفتاوى 10/372)
وقال: "التكفير هو الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هـذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقـد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها، ولم تثبت عنده، أو عارضها معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً" (مجموع الفتاوى 3/231)
* أصول في دعوة المنافق:
المنافق: هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهذه بعض الأصول الشرعية في دعوته للإسلام:
1) لا يحكم على شخص أنه منافق نفاقاً اعتقادياً إلا ببرهان لا يقبل النقض أنه يبطن الكفر، ويظهر الإسلام كذباً..
2) المنافق يدعي إلى الإسلام، ويوعظ، ويذكر بالله، وتجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، ويغلظ عليه عند مخالفة الأمر الشرعي. قال تعالى: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً} (النساء:63) {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} (التوبة:73)
قال ابن كثير: "قال تعالى {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك فإنه لا تخفى عليه خافية فاكتف به يا محمــد فيهم فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم، ولهذا قال له {فأعرض عنهم} أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم {وعظهم} أي واتهمهم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر {وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً} أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم"
* الدعوة بين المسلمين:
يكون عمل الداعي إلى الله بين المسلمين في ميدانين:
1) التربية والتعليم.
2) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* قواعد نافعة في التربية والتعليم:
1) وضوح النموذج النهائي للمدعو الذي يهدف إليه المربي:
يجب أولاً أن يتضح أمام المربي والمعلم النموذج والمثال الذي يجب أن يربى عليه، وهذا النموذج قد جاء وصفه التفصيلي في آيات كثيرة من كتاب الله سبحانه وتعالى منها أول سورة المؤمنون قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون* والذين هم للزكاة فاعلـون* والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون* والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون* والذين هم على صلواتهم يحافظون} (المؤمنون:1-9)
وفي غيرها من سور القرآن كمطلع سورة البقرة، والآيات الأولى من سورة الأنفال، وسورة الحجرات بكمالها، والآيات من سـورة الإسراء من قوله تعالى: {لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً} (الإسراء:22) إلى قوله: {ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً} (الإسراء:39)
ولا شك أن القرآن قـد فصل صفات للمؤمن الصالح الذي يحبه الله ويرضاه.. وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل والنموذج والقدوة والأسوة الذي أمر المسلمون جميعاً بالتأسي به {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب:21) فهو النموذج الكامل للتأسي، وقد كان خلقه القرآن.
2) التعليم الدائم:
تجب العناية بالاستمرار في التربية والتعليم، وعدم الانقطاع من المهد إلى اللحد، والمسلم الحق هو من يزداد في دينه كل يوم علماً وعملاً وعبادة قال تعالى: {وقل رب زدني علماً} (طه:114) وعلـم الدين لا يحاط به، والقرآن لا يشبع منه العلماء، وفضل العلم خير من فضل العبادة.
3) أخذ العلم والعمل جميعاً:
يجب أخذ العلـم والعمل جميعاً، وعدم إفراد العلم عن العمل لأن هذا مدعاة لأن يقول المسلم ما لا يفعل، وأن يصبح العلـم حجة على صاحبه لا حجة له، وقد كان منهج الصحابة في التعلم أخذ العلم والعمل جميعاً فقد كان منهم من حفظ سورة البقرة في عدة أيام ليحفظ السورة ويتعلم العمل بها، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: [كنا لا نجاوز العشر آيات من القرآن حتى نتعلمها ونتعلم العمل بها] (تفسير ابن كثير)
فتأخذ العلم والعمل جميعاً، وهذا لمن جاوز مرحلة الصغر وسنوات الحفظ الذهبية.
والعلم علمان علم نافع يولد عملاً، وينفع صاحبه في الدنيا والآخرة، وعلم غير نافع لا ينفع صاحبه في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وغير نافع، والاستعاذة بالله من العلم غير النافع: [اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع] (رواه مسلم) .. وسؤال الله العلم النافع: {وقل رب زدني علماً} (طه:114)
وقال معروف الكرخي: "إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل" (رواه أبو نعيم في الحلية)
4) اغتنام سني الحفظ الذهبية عند الصغير:
تعليم الصغار يجب أن يكون بالحفظ أولاً اغتناماً لسنوات الحفظ الذهبية وهي من الثالثة إلى العشرين تقريباً... وقد كان منهج التابعين وتابعيهم تحفيظ الصغير القرآن الكريم أولاً ثم السنة، ثم متون العلـوم المختلفة (المتون هي كليات العلوم وقضاياها الأساسية وكثيراً ما تكون نظماً). ثم يعتني بعد ذلك بالفهم والتعلم والتفقه فيما يكون قد حفظه.
5) تعلم الحق قبل الباطل، والتحصن بجواب الشبهة قبل ورودها:
من قواعد التعليم تعلم الحق قبل تعليم الباطل، لأن السابق إلى الذهن يتمكن منه ويستقر فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه] (متفق عليه) والفطرة هي التوحيد. قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله..} (الروم:30)
والحق الذي جاء به الإسلام، ظاهر موافق للفطرة قريب من الفهم، إذا ألقي إلى الناس سهل عليهم تصوره، وفهمه، فيجب مراعاة ذلك عند دعوتهم..
قال شارح الطحاوية: "هو ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة رسله، وأصول هذا الدين وفروعه موروثة عن الرسل، وهو ظاهر غاية الظهور، يمكن كل مميز من صغير وكبير، وفصيح، وأعجمي، وذكي وبليد أن يدخل فيه بأقصر زمان، وأنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك من إنكار كلمة، أو تكذيب، أو معارضة، أو كذب على الله أو ارتياب في قول الله، أو رد لما نزل أو شك فيما نفى الله عنه الشك أو غير ذلك مما في معناه.
فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام، وسهولة تعلمه، وأنه يتعلمه الوافد، ثم يولي في وقته، واختلاف تعليم النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الألفاظ بحسب من يتعلم، فإن كان بعيد الوطن، كضمام بن ثعلبة النجدي، ووفد عبد القيس، علمهم ما لا يسعهم جهله، مع علمه أن دينه سينتشر في الآفاق، ويرسل إليهم من يفقههم في ما يحتاجون إليه، ومن كان قريب الوطن يمكنه الاتيان كل وقت بحيث يتعلـم على التدريج، أو كان قد علم فيه أنه قد عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته، على ما تدل عليه قرينة حال السائل، كقوله: [قل آمنت بالله ثم استقم] (رواه مسلم)
وكذلك يجب تعليم جواب الشبهة المتوقع ورودها على ذهن المتعلم قبل ورودها ليتحصن منها، ولئلا تستقر الشبهة في قلبه، ويصعب بعد ذلك إزالتها.
7) التربية بالأسوة:
يجب أن تكون الدعـوة إلى الله بالأسوة الصالحة، قبل أن تكون بالتعلم، والقدوة الحسنة أبلغ في الدعوة .. فالعالم العامل المربي يدعو بسيرته وأخلاقه وأعماله أكثر مما يدعو بأقواله.. والرسول المربي صلى الله عليه وسلم قد أثر في سلوك أصحابه بأخلاقه وشمائله أعظم من تأثيره بأقواله ومواعظه..
8) الحلم بالتحلم:
هناك فارق كبير بين التعلم والتربية، فالتعليم يكون بنقل العلم بأي وسيلة من وسائل النقل، ولكن اكتساب الأخلاق لا يكون بمجرد معرفتها وتعلمها بل بوجوب التعود عليها والتخلق بها كما قال صلى الله عليه وسلم: [إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم] (رواه الدارقطني في الإفراد وصححه الألباني في صحيح الجامع 2328)
فلا بـد للمربي أن يهيء من يربيهم على التعود على أخلاق الإسلام ولا يكتفي بتلقينها وتعليمها لهم.
9) التدرج في التعليم (تعليم صغار العلم قبل كباره):
من القواعد الهامة في التربية والتعليم أن يكون التعليم متدرجاً فيبدأ بصغار العلم قبل كباره، وبسهله قبل صعبه ومشكله، قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الناس وبما كنتم تدرسون} (آل عمران:79)
قال: مربين تعلمون الناس بصغار العلم قبل كباره..
قال الإمـام محمد بن عبدالوهاب النجدي رحمه الله: "وإذا أردت البحث عن هدى الله الذي جاء من عنده فإنك تبتدئ بالأسهل فالأسهل، وأسهل ما يكون وأهمه القصص التي قص علينا عن الأنبياء وأممهم" (الدرر السنية 1/98-99)
10) التقويم المستمر:
من قواعد التربية التعليم أن يكون التقويم مستمراً ولو كان في حال الكبر، فكل من وقع منه خطأ، أو ارتكب منكراً يجب تقويمه بالتقويم المناسب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد المعلمين والمربين لأبي ذر رضي الله عنه: [إنك امرؤ فيك جاهلية]!! لما رآه يعير رجلاً بأمه قائلاً له: [يا ابن السوداء]!! فقال: يا رسول الله على كبر سني!! فقال: [نعم] (متفق عليه)
ووعظ رسـول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل مع حبه له، موعظة غضب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً له: [يا معاذ أفتان أنت!!] (متفق عليه) وكذلك، وكل هذا يدل على أن الكبير في الفضل أو السن يجب تنبيهه إذا خالف شيئاً من الحق، وغضب صلى الله عليه وسلم على عمر عندما خاصم الصديق وقال: [أما أنتم بتاركي لي صاحبي] (رواه البخاري)
11) تعليم الناس ما ينفعهم ويحتاجون إليه:
قال العلامة عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: "وقد كان شيخنا المصنف رحمه الله -يعني الإمام محمد بن عبدالوهاب- لا يحب أن يقرأ على الناس إلا ما ينفعهم في أصل دينهم وعباداتهم، ومعاملاتهم مما لا غنى لهم عن معرفته" (فتح المجيد ص/414)
وإذا سأل العامي عن أمور لا يحتاج إليها فإنه ينبغي للمعلم أن يفتح له باباً إلى ما يهمه. قال الإمام محمد بن عبدالوهاب: "وينبغي للعالم إذا سأله العامي عما يحتاج إليه، أو سأله عما غيره أهـم منه، أن يفتح له باباً إلى المهم، ولا يحقر عن التعليم من يظنه أبعد الناس عنه، ولا يستبعد فضل الله عليه" (مؤلفات الشيخ/القسم الرابع-التفسير. سورة يوسف ص/147-148)
12) تعليم الناس على قدر أفهامهم:
وينبغي للعالم أن يخاطب الناس كلاً على قدر فهمه..
قال الإمـام محمد بن عبدالوهاب: "فينبغي للمعلم أن يعلم الإنسان على قدر فهمه، وإن كان ممن يقرأ القرآن، أو عرف أنه ذكي فيعلم أصل الدين وأدلته والشرك وأدلته، ويقرأ عليه القرآن ويجتهد أن يفهم القرآن فهم قلب، وإن كان رجلاً متوسطاً ذكر له بعض هذا، وإن كان مثل غالب الناس، ضعيف الفهم، فيصرح له بحق الله على العبيد، مثل ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من حـق الله على المسلم، وحق الأرحام، وحق الوالدين، وأعظم من ذلك حق النبي صلى الله عليه وسلم" (الدرر السنية 1/98-99)
13) عدم تضييع الزمان في إبطال الشبه الواضحة البطلان:
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب: "إن الشبهة إذا كانت واضحة البطلان لا عذر لصاحبها فإن الجـدال معه في إبطالها تضييع للزمان وإتعاب للحيوان مع أن ذلك لا يردعه عن بدعته، وكان السلف لا يخوضون مع أهـل الباطل في رد باطلهم عنهم" (مؤلفات الشيخ القسم الرابع-التفسير ص/92)
أما إذا كانت الشبهة قد أشكلت على المتعلم أو الناس واحتاجوا إلى إبطالها وجب حينئذ على أهل العلم ردهاوتفنيدها وإبطالها بالحجج الدامغة لئلا تستقر في صدورهم فتورث الشك والإضطراب أو الحيرة والارتياب.
ثانياً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الميدان الثاني من ميادين الدعوة إلى الله وهو من فروض الكفايات على الأمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية كما دل عليه القرآن"
ولكنه واجب عيني على أولى الأمر من المسلمين وهم الأمراء العلماء كما قال شيخ الإسلام أيضاً: "ويجب على كل أولي الأمر وهم علماء كل طائفة ومشايخها أن يقوموا على عامتهم، ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر" (رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص/40-41)
والمعروف: هو كل ما يحبه الله ويرضاه ويأمر به.
والمنكر: يعم كل ما كرهه الله ونهى عنه. وهذه أهم قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1) لا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر إلا بعد العلم بما تأمر به وتنهى عنه:
لا يجوز لمن يأمر بالمعروف أن يقدم على ذلك إلا إذا علم أن ما يأمر به هو من المعروف حقاً، ولا أنه ينهى عن منكر إلا إذا علم أن ما ينهى عنه هو من المنكر.
قـال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والأمر بالشيء مسبوق بمعرفته فمن لا يعلم المعروف لا يمكنه الأمر به.. والنهي عن المنكر مسبوق بمعرفته فمن لم يعلمه لا يمكنه النهي عنه" (التفسير الكبير 5/304)
وقال النووي رحمه الله: "ثم أنه إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا، والخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها.
وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال، ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء".
قال شيخ الإسلام: "فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه، ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه، وكما قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح" وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: [العلم إمام العمل، والعمل تابعه] وهذا ظاهر فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً واتباعاً للهوى كما تقدم، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام، فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود". (مجموع الفتاوى 28/34)
* الإنكار في مسائل الاجتهاد:
قال النووي رحمه الله: "ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن على أحد المذهبين: كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين أو أكثرهم.
وعلى المذهب الآخر: المصيب واحد، والمخطئ غير متعين لنا والإثم مرفوع عنه، لكن إن ندبه -على جهة النصيحة- إلى الخروج من الخلاف، فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفـق فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف، إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع في خلاف آخر.
وذكـر القاضي أبو الحسن الماوردي البصري الشافعي في كتابه (الأحكام السلطانية) خلافاً بين العلمـاء في أن من قلده السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد، أم لا يغير ما كان على مذهب غيره.. والأصح أنه لا يغير لما ذكرناه.
ولم يـزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين.. ولا ينكـر محتسب ولا غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً، أو إجماعاً أو قياساً جلياً. والله أعلم.
ومما سئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حكم إلزام ولي الأمر الناس بمذهبه في مسائل الاجتهاد التي اختلف فيها العلماء.
فأجاب:
"ليس له منع الناس من مثل ذلك، ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد وليس معه بالمنع نص من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا ما هو في معنى ذلك، لا سيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك، وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار.
وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل، ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في مثل هذه المسائل، ولهذا لما استشار الرشيد مالكاً في أن يحمل الناس على (موطئه) في مثل هذه المسائل منعه من ذلك.
قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم. وصنف رجل كتاباً في الاختلاف فقال: لا تسمه (كتاب الاختلاف)، ولكن سمه (كتاب السعة ).
ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، وكان عمر ابن عبدالعزيز يقول: ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا، ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة، وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه..
ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي رحمه الله وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه، ونظائر هذه المسائل كثيرة: مثل تنازع الناس في بيع الباقلا الأخضر في قشرية، وفي بيع المقاثي جملة واحدة، وبيع المعطاة والسلم الحال، واستعمال الماء الكثير بعد وقوع النجاسة فيه إذا لم تغيره، والتوضأ من ذلك، والقراءة بالبسملة سـراً أو جهراً، وترك ذلك وتنجيس بول ما يؤكل لحمه وروثه أو القول بطهارة ذلك، وبيع الأعيان الغائبة بالصفة وترك ذلك.." (مجموع الفتاوى 30/79-81)
2) اتخاذ إحدى مراتب الإنكار اتباعاً للحكمة والقدرة:
وذلك لقـوله صلى الله عليه وسلم: [من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان] (رواه مسلم)
فالإنكار باليد أعلى درجات الإنكار وهو للقادر على الإنكار باليد ما لم يؤدي إلى منكر أكبر منه فإن لم يستطع تحول إلى الإنكار باللسان ذماً للمنكر وأهله وبياناً لفساده وتحذيراً منه فإن لم يستطع تحول إلى الإنكـار بقلبه بغضاً للمنكر وأهله، ومفارقة لمجالسهم كما قال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} (الأنعام:68)
ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل هو ثابت لآحاد المسلمين وعليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم، وهذا إجماع من الأمة على ذلك وأدلة القرآن والسنة شاهدة بذلك.." أ. هـ
3) وجوب اتباع المصالح الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ومما يجب على الآمـر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعلم المصالح والمفاسد الشرعية التي تترتب على أمره ونهيه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد.
فإن الأمـر والنهي -وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون حراماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، ولن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالاتها على الأحكام.
ومن هذا الباب ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن أبي سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور، لما لهم من أعوان فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به، واعتذر عنه، وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه، حمي له سعد بن عبادة، مع حسن إيمانه وصدقه - وتعصب لكلٍ منهم قبيلته حتى كادت تكون فتنة" (قاعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص/47-48)
4) وجوب إخلاص النية والتجرد عن الهوى:
يجب على من يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون عمله لله خالصاً، وأن يكون صواباً، وألا يتبع هواه، ويأمر أو ينهى لحظ نفسه، وذلك أن الضلال في الدين عظيم، ومن فقـد الإخلاص، ولم يتحر الصواب أوقعه الشيطان في الهوى، ومن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: "واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات"
فإن أهل الكتاب اتبعوا أهواءهم فضلوا. قال تعالى عنهم {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (القصص:50)
ولذلك نهى نبينا أن يتبع أهواء أهل الكتاب، قال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة:120)
فاتباع الهوى هو الذي أفسد الديانات السابقة، وأوجد الفرقة بين أهل الدين الواحد، وهو الذي خرج به من خرج عن موجب الكتاب والسنة وسماهم علماء الإسلام أهل الأهواء..
فيجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون باعثه إخلاص النية، وليحذر أن يجعل أمره ونهيه تبعاً لحبه وبغضه اللذَيْنِ يتبع فيهما هواه لا الكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام: "فالواجب على العبد أن ينظر في نفس حبه وبغضه ومقدار حبه وبغضه: هل هو موافق لأمر الله ورسوله؟ وهو هدى الله الذي أنزله على رسوله، بحيث يكون مأموراً بذلك الحب والبغض، لا يكون متقدماً فيه بين يدي الله ورسوله، فإنه تعالى قد قال: [لا تقدموا بين يدي الله ورسوله] ومن أحب وأبغض قبل أن يأمره الله ورسوله ففيه نوع من التقدم بين يدي الله ورسـوله، ومجرد الحب والبغض هوى، لكن المحرم اتباع حبه وبغضه بغير هدى من الله، ولهذا قال: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد} (ص:26).. فأخبر أن من اتبع هـواه أضله ذلك عن سبيل الله، وهو هداه الله الذي بعث به رسوله، وهو السبيل إليه وتحقيق ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أوجب الأعمال، وأفضلها وأحسنها، وقد قال تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} (الملك:2) وهو كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله: أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: أن يكون لله، الصواب أن يكون على السنة، فالعمل الصالح لا بد أن يـراد به وجه الله تعالى، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه وحده، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريءٌ منه وهو كله للذي أشرك] (رواه مسلم)" (مجموع الفتاوى 28/132-134)
5) الرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر رفيقاً كما قال صلى الله عليه وسلم: [ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه] (رواه مسلم)
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: [إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف] (رواه أحمد والبيهقي)
ولهذا قيل: [ليكن أمرك بالمعروف معروفاً ونهيك عن المنكر غير منكر] (رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد)
وقال شيخ الإسلام: "ولا بد في ذلك من الرفق كما قال صلى الله عليه وسلم: [ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه] (رواه مسلم).. وقال: [إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف] (رواه أحمد والبيهقي)" (مجموع الفتاوى 28/135)
6) الصبر والحلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال شيخ الإسلام: ولا بد أيضاً أن يكون حليماً صبوراً على الأذى، فإنه لا بد أن يحصل له أذى، فإن لم يحلـم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح كما قال لقمان لابنه: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (لقمان:17)
ولهذا أمر الله رسوله بالصبر، كما قال تعالى: {يا أيها المدثر} (المدثر:1) إلى قوله تعالى: {ولربك فاصبر} فجعل الصبر من مقتضيات القيام بالدعوة إلى الله.. وقال تعالى: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم}..
والآيات الداعية بوجوب الصبر في الدعوة إلى الله كثيرة جداً.
7) استعمال الهجر في إنكار المنكر بضوابطه:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحـة بحيث يفضي إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر"..
وقال: "وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، وكل ذلك بحسب الأحوال والمصالح، وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل" (مجموع الفتاوى 28/206)
8) تنوع جهود القائمين على إنكار المنكرات:
وتنوع جهود القائمين على إنكار المنكرات بحسب علمهم وقدراتهم محمود.
وهو من قبيل تنوع عمل القائمين على فروض الكفايات في الأمة، فلو تفرغ بعض الدعاة لرد شبه أهل البدع والزيغ، وآخرون لدحض باطل الفكر العلماني اللاديني، وآخرون لرصد كيد اليهود والنصارى، وأعداء الأمة والملل الأخرى، وإبطال دسائسهم لدين الإسلام، وفضحهم وتبصير المسلمين بها، وآخرون لتتبع منكرات الأخلاق في المجتمع، وإنكاره بالوسائل المشروعة، لكان الجميع في ميـدان الجهاد في سبيل الله، وكل على ثغر من ثغور الإسلام، ولا يجوز أن ينكر بعضهم على بعض ما تصدى له من إنكار المنكر إذا لم يتجاوز حدود الشريعة.
* وسائل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى:
1) معنى الوسيلة:
الوسيلة في اللغة يدور معناها على ما يتوصل به إلى الغاية، وهي كذلك في العرف، والاستعمال الشائع.
والمقصود بوسائل الدعوة: كل طريق أو أسلوب أو آلة توصل إلى تحقيق أهداف الدعوة.
2) حكم الوسيلة في الدعوة إلى الله:
الوسائل تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1) وسيلة منصوص عليها؛ فهذه لا خلاف في مشروعية استعمالها لتحقيق هدف من أهداف الدعوة.
2) وسيلة منصوص على تحريمها فهذه لا خلاف في عدم مشروعية استعمالها لتحقيق هدف من أهداف الدعوة، وكل ما حرمه الله سبحانه وتعالى فلا يجوز استخدامه في الدعوة إلى الله، ولو أدى إلى نفع المسلمين، وذلك كالقصص المكذوب، والحكايات الملفقة والأحاديث الموضوعة للمبالغة في الترغيب والترهيب، فإن هذه الأساليب وإن كانت تفيد أحياناً في توبة بعض العصاة، وهداية بعض الناس إلا أن هذا من الكذب الذي حرم الله أصله، وكذلك العبادات المبتدعة كالسماع الصوفي، والمعازف ونحو ذلك مما حرمته الشريعة.
3) وسيلة دلت الشريعة على إباحتها بالنظر إلى ذاتها إما بنص أو باستصحاب البراءة الأصلية، فهذه يجوز استعمالها لتحقيق هدف من أهداف الدعوة.
قال شيخنا عبدالعزيز بن باز حفظه الله: "ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد، وإنكار رب العباد، وإنكار الرسالات، وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان، وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظراً إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء، وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسـلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة، والخطابة، والإذاعـة، وبكل وسيلة استطاعوا، وأن لا يتقاعسوا عن ذلك أو يتكلوا على زيد أو عمرو، فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلك لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصد عن سبيل الله عز وجل، فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط المضل، وهذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص/18)
ويقول شيخنا محمد الصالح العثيمين: " ليس للوسائل حد شرعي فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصـود، ما لم يكن منهياً عنه بعينه، فإن كان منهياً عنه بعينه فلا نقر به، فلو قال: أنا أريد أن أدعو شخصاً بالغناء والموسيقا لأنه يطرب لها ويستأنس بها وربما يكون هذا جذباً له فادعوه بالموسيقا والغناء هل نبيح له ذلك؟ لا لا يجوز أبداً، لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها فالوسائل غير المقاصد وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها، يقول هذه جائزة وهذه غير جائزة، لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حد لها، فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير" (لقاء الباب المفتوح 15/49-50)
(3) حكم الوسائل التي تختلط فيها المصالح والمفاسد:
الوسائل التي تختلط فيها المصالح والمفاسد. كتولي الولايات في ظل الحكومات المعاصرة، والدخول إلى المجالس النيابية في ظل الأنظمة المسماة بالديمقراطية، والدخول إلى الاتحادات والنقابات العمالية والمهنية، ينظر فيها فإن ترجحت مصلحتها فهي مشروعة، وإن ترجحت مفسدتها فهي غير مشروعة .
قـال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا تزاحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعـرفة الأشباه والنظائر، وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالاتها على الأحكام" (مجموع الفتاوى)
ولا يجوز تحريم وسيلة من الوسائل بدعوى أنها لم تكن موجودة في العصر الأول، فإن هذا ليس دليلاً على التحريم، فإن مجرد الترك لا يكون دليلاً على التحريم ما لم يكن مقصوداً من باب القربة مع قيام الداعي للفعل، ولا يخفى أن ترك السلف لهذه الوسائل الحادثة في هذا العصر سببه أنها لم تكن موجودة في زمانهم.
4) أعظم الوسائل في الدعوة إلى الله:
1) التعليم: قال تعالى: {ويعلمهم الكتاب والحكمة}، فأعظم ما يدخل في التعليم تعليم الكتاب والسنة..
أ ) حفظ القرآن الكريم، وتعلمه، وتعليمه:
أعظم وسيلة للدعوة إلى الله هي تعلم القرآن وتعليمه، ونشره، فهو الكتاب المعجز الذي لا يمحـوه الماء وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن البشـر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ]!! (متفق عليه)
فكثرة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما مرده إلى هذا القرآن الذي يقطع العذر، ويدمغ الباطل، ينفذ إلى القلوب ويدمع العين ويحيي موات القلوب، وينير البصائر.. قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله} (الشورى:52)
فالعناية بكتاب الله حفظاً وفقهاً وتعليماً، ونشراً وترجمة لمعانيه من أكبرأسباب الهداية ونشر الإسلام في العالمين..
وقد أمرنا الله أن نجاهد به الكفار فقال تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً* فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً} (الفرقان:51-52)
ب) إعلاء منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمة، ونشر كتب السنة:
الوسيلة الثانية من الوسائل العظمى في الدعوة إلى الله هي تعليم الأمة حق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإعـلاء منزلته في الأمة، ونشر كتب السنة، ورفعه ليكون هو الأسوة والقدوة لكل مسلم.
ولا يجوز أن يخلو بيت مسلم من أصل من الأصول الصحيحة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة صحيحي البخاري ومسلم اللذين هما أصح كتابين بعد كتاب الله سبحانه وتعالى..
فالعناية بنشر صحيح السنة وتعليهما، والتفقه فيها، وتدريس سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعله ماثلاً في العيان أمام كل مسلم ليأتسي به في حركاته وسكناته في إيمانه ويقينه وصبره، وجهاده، وعبادته، بل في سمته، وهديه، ومخرجه ومدخله..
هذه العناية بالسنة علماً ونشراً هي من أبلغ وسائل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى
ج) استغلال الولايات العامة وأعظمها:
الإمام الذي يتولى أمور المسلمين فإن الإمامة أعظم وسيلة يتحقق بها.. والدعوة.. والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أعظم الوسائل التي ينتشر بها الدين، ويتحقق بها أهداف الرسالة، كما قال عثمان بن عفان [: [إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن]..
ومن أجل ذلك جعل الله الخلافة في الأرض لمن يقوم بهذه المهمة فقال جل وعلا: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة،وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج:41)
د) تجنيد الأمة بطاقاتها للدعوة إلى الله كل فيما يناسبه:
قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110) وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون* وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهـداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} (الحج:77-78)
وقال صلى الله عليه وسلم: [بلغوا عني ولو آية] (رواه البخاري) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: [نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كمـا سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع] (رواه أحمد والترمذي وابن حبان وصححه الألباني في الجامع 6764)
فيجب أن تهب الأمة بكاملها كل على قدر طاقته لنشر الدين، وإبلاغ رسالة الله للعالمين، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
هـ) منصب الإمامة العلمية في الأمة وسيلة عظيمة: الوسيلة الرابعة العظيمة في الدعوة إلى الله هي إيجاد العلماء العاملين المربين إذ هم حياة الأمة، ونورها وقادتها وأولو الأمر فيها، فالعناية بوجود هؤلاء العلماء من أعظم ما ينفع أمة الإسلام.
والطريق إلى وجودهم يبدأ بتعليم النابهين والأذكياء من أطفال المسلمين بدءً بحفظ القرآن الكريم، ومتون علوم الإسلام ثم تهيئة الجو المناسب، لتفقههم، وزكاة نفوسهم، وتفرغهم لعمل الدعوة والتعليم، والتوجيه، وقد عز سلفنا الصالح رضوان الله عليهم عندما كان للعلماء فيهم مكانتهم فقد كانت الشعوب والعامة تسير في ركابهم، وتأتمر بأمرهم المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..
وترى أن سلطانهم أعـز من سلطان الملوك، وهذا عبدالله بن المبارك -رحمه الله- يدخل بغـداد فينجفل الناس إليه وتقول امرأة لهارون الرشيد وقد رأت خروج بغداد كلها لاستقباله: "ذا والله الملك لا ملك هارون" (البداية والنهاية 10/178)
و) إحياء مهمة المسجد: ومن الوسائل الناجحة في الدعوة إلى الله إحياء مهمة المسجد، وذلك بالحث على الجمع والجماعات، والجلوس لقـراءة القرآن ومدارسته، وتعلم العلم وذكر الله سبحانه، كما كان الشأن في مسجد رسـول الله صلى الله عليه وسلم ثم في المساجد التي أشرق فيها نور الإسلام، وأخرجت أجيالاً من العلماء والدعاة في العصور الزاهرة، كمساجد بغداد أيام العباسيين التي قيل فيها: "من أراد أن يرى عز الإسلام فليصل الجمعة ببغداد"!!
وقد حـزر من يصلون الجمعة فيها أيام المنصور فكانوا نحواً من خمسة آلاف ألف. أي خمسة ملايين..
إن مثل هذا المشهد وحده يملأ قلب المسلم عزاً بالإسلام، ويكسر قلوب أعداء الله كما قال الله في شأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار} (الفتح:21)...
وقد خرج الحرم المكي والمسجد النبوي، والأزهر، والزيتونة على الدوام آلاف الآلاف من حملة العلم الشرعي الذين كانوا نور الأمة وعزها، ومجدها.
ز) استعمال الخدمات الاجتماعية في المجتمع:
ومنها القيام على إخراج الزكاة، والصدقات، والاهتمام بأعمال البر، وعمل الخير إلى جانب كونها في ذاتها قربة عظيمة إلى الله، وأداءً للحق الواجب في مال الله فهي من أعظم أسباب نشر الإسلام، والدعوة إلى الله وتثبيت المسلمين، وتأليف القلوب على الإسلام..
ح) استغلال المواسم التي يكثر فيها الإقبال على الخير:
مثل شهر رمضان فإنه شهر مبارك، وإذا كان الله سبحانه قد أوجب فيه الصوم، فإن هذا الشهـر وما يكتنفه من أسباب الخير هو من أعظم شهور السنة بركة في الدعوة إلى الله وهداية العصاة، ففيه تصفد مردة الشياطين، وتفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، ويقرأ القرآن آناء الله وأطراف النهار، ويجود فيه المسلمون الصالحون بصدقاتهم، ويشغل الصالحون نهارهم بالصوم وليلهم بالعبادة.. وكل ذلك يدفع في النهاية إلى توبة كثير من العصاة، وهذا الشهر فرصة عظيمة، يجب أن يغتنمها الدعاة في الدعوة إلى الله، وقد يكسبون من المهتدين مالا يحصلون على مثله طيلة العام..
ط) الحج والدعوة إلى الله:
والحـج من الوسائل العظمى في الدعوة إلى الله، فهو جمع لجمهور عظيم من المسلمين من كل فج عميق إلى مكان واحد يؤدون عبادة واحدة، ويذكرون الله بأذكار هي كليات الإسلام وأصوله: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)
وهـذه التلبية تضمنت غاية الدين وهدفه وعقيدته العظمى، ولا شك أن من فهم هذه التلبية وعلم معناها واعتقدها، وعمل بمقتضاها فهم أصل الإسلام الأصيل: [من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة] (رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، وأبو نعيم في الحلية وصححه الألباني في الجامع 6433)
وقد كان الحج وما زال من أعظم الوسائل في التعريف بالإسلام وتوحيد الأمة، وجمع الكلمة، ونشر الدين كما قال تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم} (الحج:27-28) وتعلم الإسلام، والتفقه في الدين، وجمع كلمة المسلمين من أعظم منافع الحج.
ي) تكوين العمل الدعوي المنظم:
وهي الجماعات الدعوية، وجماعة الدعوة وسيلة عظيمة للدعوة إلى الله فهي من باب التعاون على البر والتقوى، ولا شك أن الدعوة إلى الله ونشر دينه، وإعلاء كلمته سبحانه وتعالى من أعظم البر والتقوى فإذا قامت هذه الجماعة الدعوية على الكتاب والسنة، والنصح لكل مسلم، وأن تقول الحق لا تخاف في الله لومة لائم، ونظمت صفوفها، ووحدت كلمتها، وجعلت جهادها نصراً للدين، وإعلاءً لكلمة الله في الأرض، وأعزها الله ونصرها كما قال تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج:40)
ولا شك أن جهود جماعة مؤتلفة في الدعوة إلى الله خير من جهود أعدادهم متفرقين...
وللجماعات الدعوية أن تستعمل أساليب الإدارة الحديثة لتطوير كفاءة النظام فيها، وتحقيق انتشارها، واتساع رقعة نفوذها في المجتمع وقدرتها على التأثير فيه وتغييره نحو الإسلام.
س) المؤسسات التعليمية:
المؤسسات التعليمية وسيلة عظيمة في الدعوة إلى الله (فالكتّاب الصغير، ومركز تحفيظ القرآن، والمدرسة، والجامعة، والمعهد، والمجلة، والصحف الإسلامية) هذه المؤسسات التعليمية إذا تيسر فيها المنهج الدراسي الجيد لدراسة الإسلام، والمعلمون المخلصون العالمون المربون، والنظام الجيد، فإن هذا -إن شاء الله- يخرج أجيالاً من حملة الدين وعلماء الملة، وقادة الأمة...
ل) الآلات الإعلامية:
مكن الله بالعلم الحديث الإنسان من استخدام آلات ووسائل بالغة التأثير يمكن للإنسان بواسطتها أن يسمع الألوف المؤلفة في وقت واحد، وأن يقرأ الملايين من الناس مقالة رجل واحد في وقت واحد.. فجهاز التلفاز الذي يستطيع أن يراه أكثر من مائة مليون في وقت واحد بل عدة مئات من الملايين، والصحف السيارة التي تطبع في أماكن عديدة من العالم في وقت واحد، وجهاز المذياع الذي تسمع منه الرسالة الواحدة في كل أرجاء الدنيا في وقت واحد!! إن هذه الآلات الضخمة أصبحت بالغة الفائدة.. ولا مجال لمقارنتها مع الوسائل القديمة حيث كان يعتمد الخطيب أو المتكلم على صوته أو مكبر للصوت يسمع بضعة مئات أو آلاف من الناس.
أما اليوم فيستطيع نصف سكان الأرض وأكثر من ذلك أن يسمعوا رجلاً واحداً يخطبهم أو يعظهم أو يذكرهم، أو ينشر الشر والفساد بينهم.
وهذه الآلات الخطيرة أصبحت في الحرب الإعلامية تفعل فعل الأسلحة الخطيرة، وقد شبه التلفزيون بالقنبلة الذرية.. فإن خطره في كـل بيت، بل ويدخل إلى الغرف المغلقة، ويهجم على العوائق وذوات الخدور، فالرسالة الإعلامية الفاسدة تدمر الرجال والنساء والأطفال..
ولا سبيل إلى مقاومة هذا الشر العظيم إلا بما يماثل ذلك من استخدام هذه الآلات.. فكما لا يمكن مقاومة عـدو يستعمل سلاحاً فتاكاً إلا بمثل سلاحه.. فكذلك في الحرب العقائدية لا بد من وسائل تكافئ وسائل الخصوم، وإلا كانت الهزيمة والضياع.
م) الوسائل في الدعوة إلى الله كثيرة جداً:
ولا شك أن الوسائل التي يمكن أن يبلغ بها دين الله، وينشر بواسطتها الخير كثيرة جداً..
وأخيراً فإن الوسائل الدعوية كثيرة جداً، فالاتصال الفردي وسيلة عظيمة، وقد كان أول وسيلة دعا بها رسـول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل خيار أصحابه في الإسلام عن طريقها فقد آمن أبو بكر رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه، والسيدة خديجة رضي الله عنها، وزيـد بن حارثـة رضي الله عنه، لما عرض النبي عليهم الإسلام، قبل أن يسمعوا خطبة أو يحضروا درساً، وآمن بدعوة أبي بكر (الفردية) عدد كبير جداً من الصحابة. (وهذا في الاتصال الفردي)
ومن الوسائل الإفـادة من العلاقات الاجتماعية كالدعوة إلى الطعام، واستخدام الولاء القبلي كما فعله سعد بن عبادة، وأسيد بن خضير، فقد دعا كل منهما قبيلته -وهو شيخها- فدخلوا جميعاً في ليلة واحدة في الإسلام .
ومن الوسائل النافعة حمل الدعوة مع التجارة فقد دخل بدعوة التجار المسلمين أمم وشعوب كثيرة، وكذلك السياحة، والمراسلات، والمناظرات، واستغلال المناسبات الاجتماعية كحفلات الزواج، والجنائز.. هذا عدا عن الدروس العلمية، والخطابة، وإنشاء الشعر والأدب..
والخلاصة: أنه يمكن لكل أحد أن يدعو إلى الله وأن يبلغ الحق وينشر الخير حتى ولو كان ممن لا يستطيع أن يحفظ العلم ويؤديه كما سمعه، فإنه يستطيع أن ينشر الكتاب، والشريط ويدل على الخير.
والمقصود أن الوسائل لا حصر لها فإنها تتجرد وتتغير ويجوز استعمال كل وسيلة غير محرمة أو راجحة المفسدة كما تقدم. والله أعلم.
********
الروابط المفضلة