قال لها : هلمي إلي ّ ,, لا يرانا إلا الكواكب . نظرت ْ إلى الكواكب ثم قالت :


فأين مُكَوكِبُها ؟؟؟

جواب من كلمتين يحمل في طياته معنى الوجود وحقيقته , والهدف منه والغاية .


أين مكوكبها ؟؟؟

الله الموجود , هل خلقنا عبثا ؟؟

إن من يستشعر وجود الله ومعيته ومراقبته لن يضيع أبدا . لن يعصي . ولن يزل .

شعور المؤمن أن الله يسكن في قلبه وروحه يعطيه دفقا ً من الأنوار لا تنتهي ..

تنير بصيرته ودنياه وآخرته .

إن قلبا ً أنت َ ساكنه :::::::: غيرُ محتاج ٍ إلى السُرُجِ



أين مكوكبها ؟؟؟

هذا ما يسمى : المراقبة .

مراقبة الله في السر والعلن . في السفر والحضر . عند الرضا وعند الغضب .

هذه المراقبة التي ترتفع بالإنسان لتصل به درجة الإحسان : ( ان تعبد الله كأنك

تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . )

أنظروا إلى الناس كيف يتصورون أمام الكاميرات : يخرجون أفضل ما عندهم لانهم


يتصورون وسيرى الناس ما يخرج منهم .

في برنامج الكاميرا الخفية نرى السباب والشتم والضرب ,, فإذا قالوا له : الكاميرا

الخفية معاك . فورا ً يصلح هندامه وشعره ويبتسم ابتسامة عريضة . ويقول أنا

آسف !!

أما المؤمن فهو يعرف أنه مراقب في كل خلجة ونَفَس ولحظ .

ما يلفظُ من قول ٍ إلا ّلديه رقيب ٌ عتيد ( سورة ق )


نفسي ! لا كنت ِ ولا كان الهوى ::::: راقبي المولى , وخافي وارهبي

إن المؤمن عندما يراقب الله يشعر بمعيته له . في كل نظرة وهمسة وخلجة صدر


وخفقة قلب .


قال أصحاب موسى : إنا لمدركون .. إلا أن موسى الذي يرى الله معه في كل


حال قال : كلا ! إن معي ربي سيهدين .


مراقبة الله كانت تعيش في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..


في الهجرة : بكى أبو بكر رضي الله عنه خوفا ً على رسول الله . فيطمئنه الحبيب المصطفى :

لا تحزن إن الله معنا .

من ْ يمنع الصائم من الأكل والشرب خاليا ً في رمضان ؟؟

إلا معرفته بأن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

من يعصمني من معصية هممت ُ بارتكابها إلا علمي أن خالقي يراني , كما يرى

النملة الخرساء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء .

ربي الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .


::::::::

منع المنصور أبا حنيفة من الإفتاء .
وفي إحدى الليالي جُرح اصبع ابنته فجاءته تسأله عن الدم والوضوء . فقال لها :
إسألي حمادا ً فلقد منعني أميري من الإفتاء , وما كنت لأعصي أميري بالغيب .
لو أنه أفتى لابنته هل سيعلم الأمير بذلك ؟ وحتى لو علم . إنها فتوى لابنته في
داخل بيته .
ولكنها المراقبة .



:::::::::


كلنا يعرف قصة الفتاة بائعة اللبن .
تلك الفتاة التي سمعها عمر رضي الله عنه ترفض خلط اللبن بالماء قائلة ً لأمها : أما
علمت ِ أن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين منع ذلك ؟؟ قالت الأم : وأين عمر بن
الخطاب الآن ؟ إنه لا يرانا . قالت البنت : إذا كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا .
بهذه المراقبة وهذا الورع سَمَت الفتاة لتكون زوجة لعاصم ابن أمير المؤمنين عمر .
أنجبت له فتاة تزوجت عبد العزيز بن مروان فكان منه عمر بن عبد العزيز . أزهد أهل
الأرض بعد جده الخطاب .
ذرية طيبة بعضها من بعض . وشجرة طيبة تنبت أحلى الثمر بأطيب ريح .


من عمر الفاروق الذي يخاف الله ويخشى أن يحاسبه على شاة عثرت في
الطريق .. خرج عمر بن عبد العزيز . سائرا ً على خطى جده في الخوف والمراقبة
لقد دفعته تقواه ومراقبته لله لأن يتجرد من كل ما يتعلق بالدنيا . حتى أن زوجته
فاطمة بنت عبد الملك كانت تقاسي البرد والجوع فتقول : يا ليت كان بيننا وبين
الخلافة بعد المشرقين . فوالله ما رأينا سرورا ً مذ دخلت علينا .


مَنْ الذي منع يوسف عليه السلام أن يجاري امرأة العزيز في رغبتها وقد غلقت

الأبواب ؟ إلا مراقبته لله عز وجل التي حمتْه من حَمَأَة المعصية , وأنقذته من جحيم

الهاوية فهتف بقلب مليئ بالمراقبة : معاذ الله .


::::::::::::::::


كان احد المربين يحب طالبا ً على ما يبدو أكثر من أقرانه . فلما عاتبوه في ذلك لم
يبرر ولم يقل شيئا ً .
في نهاية الدوام أعطى كل طالب طيرا ً وقال لهم : اذبحوا طيوركم في مكان لا
يراكم فيه أحد .
في اليوم التالي عاد الطلاب وقد ذبح كلٌ طيره , إلا ذلك الطالب . اعتذر لشيخه
وقال : يا شيخي عجزت أن أجد مكانا ً لا يراني فيه الله .


:::::::::::::::


فأين الله ؟؟

قال نافع خرجت مع ابن عمر
رضي الله عنهما في بعض نواحي المدينة فوضعوا
سُفرة فمر بهم راع ٍ فقال له عبد الله : هلم يا راعي .
فقال : إني صائم
قال : في مثل هذا اليوم الشديد حره في هذه الشعاب ؟
قال : أبادر أيامي
قال : هل لك أن تبيعنا شاة ونعطيك من لحمها ما تفطر عليه ؟
قال : إنها لمولاي
قال : فما عسى أن تقول لمولاك أكلها الذئب ؟
فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء يقول : أين الله ... فأين الله
فلم يزل ابن عمر يقول : قال الراعي : فأين الله ، فبعث إلى سيده فاشترى منه
الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم .


::::::::::::::::


إن المراقبة أنواع :

ـــ مراقبة في الطاعة : وهي أن يكون مخلصا ً فيها .

ـــ مراقبة في المعصية : تكون بالتوبة والندم والإقلاع .

ـــ مراقبة في المباح : تكون بالأدب والشكر على النعم .


ولو تساءلنا عن آثار المراقبة :

لوجدنا أن من أهم آثارها المحاسبة . فمن راقب ذاته حاسبها . ومن حاسب نفسه

في الدنيا خف حسابه في الآخرة .

وينتج عن المحاسبة : المعاقبة . لتتأدب النفس العاصية وتلزم جادة الصواب فلا

تميل مرة أخرى .



روي عن عمر رضي الله عنه : انه خرج إلى حائط له , ثم رجع وقد صلى الناسُ

العصر .فقال : إنما خرجت ُ إلى حائطي , .رجعت وقد صلى الناس العصر فجعلت ُ

حائطي صدقة ً على المساكين .


هذه هي المراقبة التي ننشدها لأنفسنا ومجتمعنا .


مراقبة ......

فمحاسبة ......

فمعاقبة ......

وهذا هو الطريق المستقيم إلى جنة عرضها السموات والأرض

أعدت للمتقين .


جعلنا الله وإياكم من أهلها .