أقول لكم في غرة هذا الشهر الكريم المبارك، كل عام وأنتم بخير وإلى الله أقرب.
في كل سنة وفي مثل هذا الوقت عندما يطل علينا رمضان بحلته الجديدة، أفتح الإيميل بوكس الخاص بي فأجد أنه مليء بالرسائل الكثيرة من أخواني وأخواتي يستفسرون عن العادات الصحية الأمثل والأساليب المثالية الأفضل التي عليهم أن يطبقوها في رمضان حتى لا يكون رمضان بالنسبة لهم شهرا للمرض والإرهاق، وحتى لا الصيام ليومهم سببا في التخمة والكسل ومضرة الصحة ومجلبة للأمراض، وكيف يكون ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر في الحديث الشريف قولته الشهيرة "صوموا تصحوا" رواه الطبراني، لذلك رأيت أن أكتب هذا المقال حتى أبرد نار الفضول في قلوب إخواني التواقين لصحة جيدة مثالية ولتكامل الفائدة البدنية مع الروحية في شهر رمضان المبارك بإذن الله تعالى
في الحقيقة أن رمضان هذا له خصوصية خاصة، فهو يأتي في أطول أيام السنة نهارا، وأكثرها حرا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ولظرفه الخاص هذا، تبدو لدينا أول مشكلة قادمة من الافق البعيد، فالجوع الشديد والعطش الشديد هما سبيل كل من يعمل عملا شاقا في رمضان أثناء صيامه، يجعله يقف تحت أشعة الشمس الحارقة ولفترات طويلة، لا سيما أن هذا الصيف قد سجل أعلى درجات في الحرارة على مستوى مناطق عديدة في الكرة الأرضية قاطبة، والسؤال الملح هنا: كيف لي أن أوفق بين تناول كمية كبيرة من الطعام تسد جوعي، وكمية كبيرة من الماء والسوائل تسد عطشي عند الفطور، دون أن أصاب بالتخمة،ودون أن يدغدغ النعاس أجفاني، ودون أن يعتريني الكسل وفتور الهمة والتثاؤب وعدمالتركيز أثناء صلاة التروايح وفي ليل رمضان الزاخر بالأجر والعبادة؟
لقد كان الحل لهذا السؤال قرآنيا ولمسته بقوته وجماله منذ حوالى 5 سنوات عندما بدأت أطبقه على نفسي، فقد لفت انتباهي أن الله سبحانه وتعالى يجعل الفواكه دائما تسبق المشتقات الحيوانية من لحوم بأنواعها وبيض وغيرها في القرآن الكريم، ففي سورة الواقعة جاء قوله تعالى "وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ" (21) الواقعة، وكذلك نرى الأمر نفسه يتكرر في سورة الطور "وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ" (22) الطور، أما في سورة الصافات فقد جاء ذكر البيض "كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ" (49) الصافات،ولكن قبلها ببضع آيات جاء ذكر الفواكه ايضا "فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ" (42) الصافات.
اللافت هنا أنه في كل الآيات التي يرد فيها اللحم أو المشتق الحيواني في القرآن، هو دائما وأبدا تسبق بالفاكهة، وحقيقة الأمر أنني قد أحتاج إلى ثلاثين مقالا مثل هذا المقال، حتى أشرح الفوائد العظيمة التي جنيناها من تطبيق تناول الفاكهة قبل المشتقات الحيوانية .عند عدد كبير من المرضى الذين يعانون من مشاكل في أعضاء الإطراح، مثل المرضى المصابين بالقولون العصبي وكذلك مشاكل الجهاز التنفسي مثل حساسية الأنف والصدر، وأيضا المرضى الذين يعانون من مشاكل الجلد والإكزيما وغيرها من القائمة الطويلة من مشاكل الجلد، وكذلك مرضى المفاصل والمرضى الذين يعانون من حموضة المعدة أو تقرحها أو الارتجاع المريئي، أو أولئك الذين لديهم إجهاد في الكلى مع انتفاخ فيما تحت أجفانهم السفلية وسواد تحت العينين كعلامة لهذا الإرهاق، غير أن أهم فائدة وأجملها اكتشفتها لتناول الفواكه قبل المشتقات الحيوانية، هي أن يتم تطبيق هذه القاعدة عند الإفطار في رمضان، فمع نهار طويل شاق، وعمل ذو جهد عال وإرهاق، وخصوصا تحت شمس حارقة قوية ونهار طويل حار، يكون البدء بصحن ممتلئ من الفواكه على وجبة الإفطار أفضل ما يعطي الجسم الطاقة التي افتقدها أثناء الصيام وبشكل سريع جدا، ذلك أن معظم السكاكر والكربوهيدرات الموجودة في الفواكه هي من السكاكر الأحادية كالجلوكوز والفركتوز ، فالتمر على سبيل المثال يحتوي في 75 % من وزنه الجاف على سكاكر أحادية من الجلوكوز (سكر العنب) والفركتوز (سكر الفواكه) وهذه السكاكر هي الأبسط على الإطلاق، وإليها تتفكك كافة أنواع الكربوهيدرات عند هضمها وتفكيكها، إذ أن الكربوهيدرات لا يمكن أن تمتص ولا أن تدخل الجسم من بوابة الأمعاء الدقيقة إلا بعد تفكيكها للسكاكر الأحادية، وما دامت سكريات الفواكه والتمر هي من هذا النوع المهضوم الجاهز المتفكك للشكل النهائي القابل للامتصاص، فلا يمنعها من الوصول إلى الدم الجائع والفقير للجلوكوز بعد 17 ساعة من الصيام، غير دقائق معدودة، لسرعة امتصاصها والذي يتم ليس فقط من المعدة والأمعاء إنما حتى من مخاطية الفم كما تشير الدراسات، ولست هنا بصدد التحدث عن تركيب الألياف والفيتامينات والعناصر النادرة الموجودة في التمر والفواكه، فهذه تحتاج إلى مقالات تفصيلية أخرى، ولكنني أردت أن أثير هذا الجانب من فوائد تناول الفواكه قبل المشتقات الحيوانية
للفواكه دور عظيم في إرواء عطش الصائم بشكل موزون رائع، ذلك لأن 80 - 95 % من تركيب الفواكه هو ماء، ولكن ليس أي ماء، وهو ليس كماء الصنبور أو ماء الفلتر، فهذا الماء المحتوى في كل خلية من خلايا الفواكه، هو ماء مبارك تجمع في داخل هذه الثمرة عندما أنزله الله من السماء على شجرها، وحتى لو رويت الشجرة المثمرة بماء زراعي من بئر، فهو تجمع من ماء المطر أصلا، إضافة إلى تعرض الثمرة لماء المطر مباشرة عند نزوله عليها.
ويقول الله تعالى في ماء المطر، "وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ( 9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ( 10) رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ( 11) " ق، ولذلك كنت أرى أن ماء الفواكه المحتوى فيها، ليس كأي ماء أبدا، فهو مبارك يعيد تنظيم الخلايا ويبنيها ويروي العطش بشكل مميز، في عصر بدأت تصبح الأطعمةالطبيعية، ومفهوم البركة، نادرة الوجود وغالية الثمن، وقليلة الطلب .
وببساطة شديدة، صحن كبير من الفواكه وفيها التمر والأعناب، أبدأ به فطوري، وما أكاد أنتهي منه حتى أشعر وكأنني بدأت بالشبع، غير أن النفس الجائعة تتوق لطعام دسم فيه لحم ومرق من خلال ما يسر الله لنا من طبخه وإعداده على مائدة رمضان ، فأستمر في الأكل ولا أحرم نفسي من طيبات ما رزقني الله سبحانه وتعالى من لحم وطعام حيواني، وأشعر بعد تناول كمية الفواكه الكثيرة ثم الكمية المتوسطة من اللحوم حقيقة بالشبع والامتلاء الذي تسعى له كل نفس بفطرتها البشرية بعد جوع وعطش، لكن هذا الشبع يختلف عن الامتلاء الناجم عن تناول الطعام الدسم فقط وشتان بينه وبين تعبئة المعدة بالمشتقات الحيوانية فقط، ذلك لأنني وبعد ساعة واحدة فقط من وجبة الفواكه المتبوعة باللحم والتي تتفق مع القاعدة القرآنية، أكون قد شعرت بنشاط عظيم وخفة رائعة ما بعدها خفة، وتكون التخمة والامتلاء والشبع المفرط قد اختفى تماما وكأنه لم يكن، بعد أن حقق للنفس حبها للشبع وإسكات الجوع، فالنسبة الأعلى من تركيب الفواكه وهي تكون في الماء المبارك قد غادرت المعدة، قد وجدت طريقها لخلايا الجسم التعبة لتسكن فيها، والنسبة الأعلى من تركيب المواد الصلبة في الفواكه وهي السكاكر الأحادية من جلوكوز وفركتوز، تكون قد تركت المعدة أيضا ووجدت هدفها في الحياة التي خلقها الله من أجله ألا وهو توليد الطاقة في خلايا افتقرت لها في صيام يوم رمضان الطويل الحار، والمفاجأة الأجمل أنه ما يأتي وقت صلاة العشاء والتراويح حتى تكون الخفة والنشاط وعدم الامتلاء قد بلغ ذروتها، فأذهب إلى صلاة التراويح خاشعا نشيطا قويا ذو همة عالية، وقد رأيت أن أشارك أخواني في تجربتي هذه لنكون جميعا في صلاة التراويح أنشط، وإلى العبادة أقدر، وإلى القرب من الله أفضل، ولنحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "صوموا تصحوا" ونحقق قوله سبحانه وتعالى "وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ( 20)وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ" ( 21) الواقعة.
انتهى
منقول للامانة أتمنى الفائدة للجميع ورمضان كريم
ربي يتقبل منا الطاعات
مقال للدكتور جميل القدسي الدويك
الروابط المفضلة