واقــع العمــل التــطوعــي
يمكن أن يكون التطوع - حتى في المجتمعات المتحضرة - مقابل أجر مادي معلوم بل ومحدد أيضاً نتيجة للتطور الحضاري والتقدم التكنولوجي الذي شمل معظم دول العالم وما صاحب ذلك من تحسين أوضاع الشعوب المادية في هذه الدول كل ذلك أدى إلى انشغال الناس بأمور الحياة المعيشية والأسرية والصحية ويرى المؤرخون وعلماء الاجتماع أن تنامي الثروة وتحسن الرعاية الصحية والاجتماعية التي توفرها الدولة لمواطنيها يؤديان إلى فتور في العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمعات المحلية مما يؤثر سلباً على العمل التطوعي في هذه المجتمعات وقد أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن هذه المؤشرات أدت إلى نقص ملحوظ في أعداد المتطوعين حيث انخفض عددهم من250مليون متطوع إلى 100مليون متطوع،ودعت إلى أن يكون العام 2001 عاماً دولياً لتنشيط وتفعيل العمل التطوعي؛وتكثيف الندوات والمؤتمرات وورش العمل للدعوة إلى استقطاب المتطوعين،ووضع البرامج التي تساهم في تنشيط هذا العمل التطوعي ولأهمية هذا التوجه الدولي تم طرح العمل التطوعي كبند رئيسي على جدول أعمال المؤتمر الدولي السابع والعشرين للهلال الأحمر والصليب الأحمر الذي عقد في جنيف عام 1999م وطلب من ممثلي الحكومات والجمعيات الوطنية التعهد والالتزام بذلك.
لذا فإن العمل التطوعي من منظور دولي وإقليمي ومحلي يجب أن يفعّل في جميع مجالاته وأن يكون منظّماً ومقنّناً من حيث الواجبات والحقوق وتقرير مبدأ المكافآت المعنوية والتشجيعية والتعويضية نتيجة الإصابات سواء بالإعاقة أو الوفاة وفق لائحة تنظيمية متعارف عليها دولياً،ومن أجل ذلك أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية ذلك وضرورته فتم وضع لائحة لتنظيم العمل التطوعي تحفظ الحقوق والواجبات وتوضح الشروط والمكافآت التشجيعية للمتطوعين البارزين وفق معايير وضوابط معينة .
أبعاد العمل التطوعي:
يأخذ العمل التطوعي أبعاداً عديدة ومهما كانت هذه الأبعاد فإنها تنطلق جميعها من رغبة إنسانية للمساعدة الخالية من شوائب الدوافع المادية،وقد تجد العمل التطوعي مبسطاً في مساعدة إنسان محتاج تعطلت به وسيلة نقله على الطريق،وقد يتطور العمل التطوعي للمساهمة في التخطيط والتنفيذ لبرامج تطوير التنمية في المجتمعات والمساعدة في التخفيف من أضرار الكوارث الإنسانية.ومهما كان الوقت والجهد المبذول في العمل التطوعي فإن التطوّع يعكس حقيقة الإنسان وقدرة القيم على البقاء والصمود أمام طغيان المادة في عصرنا الحديث.
إن دور العمل التطوعي في المجتمع الإماراتي له أبعاد اجتماعية وصحية وإنسانية كبيرة يُجاري مفاهيم العمل التطوعي في العالم،حيث أن تعزيز مفاهيم وأساسيات العمل التطوعي أصبح حاجة إنسانية تتسابق لدعمها الدول والمنظمات الدولية،ولم يقتصر حد الاهتمام بالعمل التطوعي على المشاركة في المساعدة بكافة أنواعها بل تعدى ذلك إلى المشاركة الفاعلة في التخطيط والمتابعة للجهود الحكومية،وقد أثبت العمل التطوعي فاعليته في هذا المجال،إلا أن له بعض المميزات التي يمتاز بها،ومنها:
1. عدم ضرورة تواجد العناصر المتخصصة في مجموعات التطوع،فالحماس للمساهمة يكاد يكون هو المؤهل الوحيد لانضمام الفرد إلى جماعات التطوع،لكن العمل نفسه يجب أن يحمل جانباً تخصصياً لاسيما أن المشروعات التطوعية الآن أصبحت مكلِفة،وتحتاج إلى إدارة على أسس علمية،وأن يتصدى المتخصصون لتنفيذ برامجها التي أصبحت بدورها تتناسب مع دخول العمل التطوعي إلى مختلف ميادين الحياة سواء في مجالات الخدمات الدينية أو الثقافية،والصحية،والتعليمية،والبيئية،والاجتماعية،و الخيرية،وغيرها الكثير من المجالات الخدمية التي يحتاجها المجتمع.
2.الخلط بين انتماء المتطوع للعمل؛أو انتماء العمل للمتطوع،فالأصل أن العمل الذي يشارك فيه المتطوعون هو خدمة للمجتمع نشأت الحاجة إليها من ظروفه الموضوعية وكحل لمشكلاته،ولذلك يجب أن تكون القيمة الأساسية(ذوبان شخصية المتطوع في المؤسسة)حيث أنه يشارك ليرضي الله ويرد الجميل لمجتمعه.لكنه يحدث العكس في بعض الحالات؛بحيث تذوب المؤسسة في شخصية المتطوع،سيما إذا كان شخصية قيادية فهناك بعض المتطوعين أصحاب التبرعات الكبيرة تسيطر عليهم دون شعورهم بأن المؤسسة التي يتبرعون لها ويتطوعون لقيادتها كأنها ملك شخصي أو منسوبة إليهم وكأن لسان حال واحدهم يقولأنا المؤسسة والمؤسسة أنا)وهذا بكل المعايير خلط في قيم التطوع التي جاء بها الإسلام والتي يعمل بها العالم المتقدم في العصر الذي نعيش فيه .
3. غياب التأهيل للتطوع؛فعالمنا المعاصر أصبح من التعقيد بحيث لا يمكن التصدي بنجاح لأي عمل دون تأهيل مسبق،وإذا ما نظرنا بعين فاحصة إلى طبيعة الحاجة إلى التأهيل للتطوع؛نجد أنها تتمركز حول محورين هما:
- الجوانب المعرفية: القاعدة الأساسية من المعارف عن موضوع التطوع نفسه،وعن المجال الذي يتقدم المتطوع لخدمته والتخصص اللازم لمهمته واكتساب المعارف،بما يؤهل للتصدي لعمل ما في عصرنا هذا،لا يمكن أن يكون عملية عشوائية تسير دون منهج محدد وأساليب متخصصة.
- مهارات العمل التطوعي:ذات تأثير كبير على أداء المتطوع،وفي مقدمتها مهارات إدارة الوقت،والاتصال، والعمل الجماعي،ومهارات القيادة،والتعبير،والتنظيم...الخ من المهارات التي لو تركناها تنمو بأسلوب عشوائي من خلال الممارسة التطوعية لتكوّنت بصورة مشوهة قد تضر العمل أكثر مما تفيده.
4. من الظواهر التي تصادفنا في ساحة التطوع التعصب للمؤسسة والمواجهة مع المؤسسات الأخرى حتى ولو كانت تعمل في نفس المجال ونفس الأهداف،مما يبعد المتطوعين عن حقيقة أهداف تطوعهم للخير ولخدمة المجتمع،ولا ضرر أن يقدّم جهد آخر بنفس المجال طالما اتحدت الأهداف،ولكن التعصب للمؤسسة يجعل انتصارها على غيرها هو الهدف،فتتراجع أهداف الخير وخدمة المجتمع لصالح تحقيق هذا النصر .
5. يتجه الكثيرون للانضمام للعمل التطوعي بغير وعي بحقيقته والتزاماته ومتطلباته وبقدرتهم على التوفيق بين ذلك كله وبين قدراتهم وإمكانياتهم وظروفهم الشخصية،فما يلبثوا أن يتسربوا من المؤسسات التطوعية بعد انضمامهم إليها،أو الارتباط بها دون الالتزام بعمل يتناسب مع حجم المهمة التي يتطوعون لأدائها.
6. انتفاء الطابع المؤسسي للعمل التطوعي،وهو من الآفات التي يعاني منها القطاع التطوعي؛فهذا ينضم إلى مؤسسة لوجود أصدقائه فيها،وآخر يسيطر على العمل دون الالتزام بنظام محدد،وغيرهم الكثير ممن يعتبرون العمل التطوعي؛قتلاً لوقت الفراغ،أو فرصة للبروز المجتمعي،ولو سيطرت القيم المؤسسية على المتطوعين لكان الطابع المؤسسي هو الغالب على مختلف المؤسسات التطوعية.
7. الحاجة إلى تأكيد منظومة القيم والنزعات الوجدانية المتعلقة بالتطوع،فنحن في مجتمع مسلم عصري نحتاج إلى متطوعين يؤمنون بحقيقة ما جاء به الإسلام حول التطوع،يوازنوا بين قيم المصالح الشخصية والمصلحة العامة التي يتطوعون لها،حريصين على عدم القيام بعمل هم غير مؤهلين له حتى لا يفسد؛لديهم قابلية الذوبان في المؤسسة،واحترام كل الجهود الأخرى والحرص على المال المتطوع به،وهناك الكثير من القيم التي يجب أن تتبلور لديهم؛ليكون عملهم على مستوى الهدف من التطوع نفسه،ولا يكفي أن تسيطر عليهم نزعة الحماس أو بعض القيم المختلطة،فجماعة من المتطوعين من هذا النمط لا يسلموا من انضمام أصحاب القيم الانتهازية إليهم.
الأهداف العامة للعمل التطوعي:
1. إنشاء وتأصيل المدرسة العلمية في مجال العمل التطوعي.
2. تنمية ميل الأفراد والمؤسسات في المجتمع للإقبال على العمل التطوعي.
3.استقطاب الشباب وتعبئة جهودهم للعمل التطوعي،وإعدادهم وتأهيلهم لممارسته.
4. تحقيق التوازن في سوق العمل التطوعي.
سبل تحقيق الأهداف:
لعل تحقيق أهداف العمل التطوعي مرتبط بخلق صورة إيجابية عامة لمفهوم العمل التطوعي وقيمه ويمكننا إيجاز بعض الخطوات التي يمكنها الاقتران بأهداف العمل التطوعي وهي :
أ- تأصيل مفهوم العمل التطوعي بإدراجه ضمن مناهج التعليم الأولي
ب- تخصيص ساعات من أوقات الطلبة في المراحل النهائية للتعليم الأولي والجامعات والكليات للمشاركة في العمل التطوعي
ت- تنظيم التشريعات القانونية لجعل العمل التطوعي جزء من وسائل تخفيف الأحكام القضائية
ث- نشر الوعي التطوعي في وسائل الإعلام المختلفة وإيضاح أهمية المشاركة فيه والنتائج التي تتحقق من خلالها بالنسبة لأمن المجتمع
ج- تطوير مفهوم العمل التطوعي لتحقيق التوازن بين الرغبة وبين النتائج بحيث يتوازن الحماس للعمل التطوعي مع تحقيق نتائج إيجابية لعملية التطوع
تقنين برامج لتحقيق أهداف العمل التطوعي:إن وضع التشريعات التي تهدف إلى إنجاح العملية التطوعية لا يجب أن يواجه بحساسية من المؤسسات التطوعية والاندماج بين التشريعات وبين تلك المؤسسات سوف يخلق مفهوم متطور وناجح يصب في النهاية لصالح العمل التطوعي .
تشريعات مقترحة لخدمة العمل التطوعي:
1) وقف الوقت:وهو مؤسسة خيرية تهدف إلى تدريب الراغبين في التطوع وتوجيههم لما يتناسب مع إمكانياتهم في سوق العمل التطوعي ويمكن لجميع مؤسسات العمل التطوعي الاستعانة بهذه المؤسسة لتزويدهم بما يحتاجونه من أفراد للعمل في مجال تخصصهم .
2) اللجنة العامة:وهي لجنة تضم جميع ممثلي العمل التطوعي تكون مهامها تشجيع وتوجيه العمل التطوعي لتحقيق الغاية النهائية منه .
يتبع ,,,
الروابط المفضلة