• الفرق بين الحسد والغبطة
أهل العلم فرقوا بين الحسد والغبطة في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم:
((لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكم فهو يقضي بها ويعلّمها)).
متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
فهذا الحسد هو الغبطة وهو أن يتمنّى مثل النعمة التي أعطيها أخوه المسلم من غير أن يتمنى زوالها عنه.
"
تفسير قول الله تعالى: {قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس}
{قل} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أصالة، ولأمته تبعاً؛ فكلهم مأمورون بهذه الاستعاذة.
{أعوذ} أي: ألجأ وأعتصم، فمقصود المستعيذ هو العصمة من شر المستعاذ منه.
فالمستعيذ ملتجئ معتصم بمن يرجو منه العصمة مما يخافه؛ والعصمة هي المنَعَة والحماية ،
قال الله تعالى: {لا عاصم من أمر الله إلا من رحم} سورة هود -34،
وقال: {ما لهم من الله من عاصم} سورة يُونُس - 27
والاستعاذة فيها معنى الإقرار بالذل والضعف والافتقار إلى عزة المستعاذ به ورحمته، وقدرته على عصمة من يستعيذ به.
فهذه العبادة تستلزم عبادات جليلة أخرى، وتستلزم الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا؛
فيؤمن بعلم الله وسمعه وبصره وعزته ورحمته وقدرته ولطفه وملكه وغير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تقتضيها عبادة الاستعاذة.
وقيام هذه المعاني التعبدية في قلب المؤمن خالصةً لله جلّ وعلا هو مظهر من مظاهر العبودية لله جل وعلا، ودليل من دلائل التوحيد .
وبهذا تعلم شيئاً من الحكمة من وجود الأشياء الضارة والمؤذية، وأن من مقاصد ذلك أن يلتجئ العباد إلى ربهم جل وعلا ويستعيذوا به.
ولو قُدّر خلو العالم الدنيوي من الشرور التي يُستعاذ منها لفات على العباد فضيلة التعبد لله تعالى بالاستعاذة به،
وفاتهم من المعارف الإيمانية الجليلة ما يناسب ذلك.
فحياة العباد وما يعترضهم من الحوادث والابتلاءات هي ميدان عظيم ليتعرفوا على ربهم جل وعلا ويؤمنوا به وبأسمائه وصفاته،
وليجدوا ما أخبرهم به وما وعدهم به على لسان رسله صدقاً وحقاً.
وهذا الأمر العظيم بالاستعاذة بالله جل وعلا يتضمن وعداً كريماً من الله جل وعلا بأن يعيذ من استعاذ به.
وذكر هذه الصفات الجليلة (رب الناس) ، (ملك الناس) ، (إله الناس) دليل على إرشاد العبد إلى استحضار ما تتضمنه من المعاني الجليلة.
فيقوم في قلب المستعيذ عند استعاذته من المعاني التعبّدية الجليلة ما يدلّ على صدق الالتجاء إلى الله تعالى، وتعظيمه ومحبته وإجلاله،
فهي مظهر من مظاهر العبودية، وعلامة من علاماتها.
وأنت إذا تأملت أحوال العباد وجدتهم محتاجون بل مضطرون إلى من يلجؤون إليه ويستعيذون به؛
فلا يخلو عبد من الحاجة إلى الاستعاذة بمن يعيذه.
"
فأما المؤمنون فيخلصون هذه العبادة لله تعالى ليلاً ونهاراً؛ فلا تلتجئ قلوبهم لغير الله جلّ وعلا.
فتكون هذه العبادة في قلوبهم عبادة دائمة لأنهم ما بين استصحابها واستصحاب حكمها.
وأما المشركون فاستعاذتهم فيها شرك بالله جل وعلا؛ لأنهم يستعيذون بالله وبغير الله،
كما هو حال من يستعيذ بالأوثان والأولياء فيشركهم مع الله جل وعلا في هذه العبادة العظيمة.
فلذلك تجد كثيراً منهم تتعلق قلوبهم بأوليائهم ليدفعوا عنهم الضر ويحموهم من العين والحسد والأذى ويعلّقون التمائم الشركية لدفع البلاء،
وهم بذلك مشركون متعرضون لسخط الله جل وعلا.
فلذلك تتسلط عليهم الشياطين بسبب شركهم فتزيدهم عذاباً ورهقاً وضلالاً بعيداً؛
لأنهم خرجوا من النور إلى الظلمات باتباعهم للطواغيت والتجائهم لغير الله تعالى، وإعراضهم عن ذكر الله جل وعلا.
وقد قال الله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون}
سورة الزخرف-36,37
وقال تعالى: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} سورة الأعراف -27
الروابط المفضلة