انفجر البركان
تطاير شرر النار من فوهته
كاد أن يُحرق ما حوله
"كاد" ..!!
مالي أقولها ؟؟؟
بل احترق ما حوله فعلاً
احترقت تلكَ الأشجار التي طالما استمدت ماءها من تربة ذلكَ البركان
احترقت .. بما تحملهُ من أوراق صفراء و ثمار عَفِنة ننتنه..
ولكن..
بقيت جذورها .. بما فيها من حياة
لتدرك أن نتاجها السيئ يعود إلى مصدر مائها
فامتدت لتبحث عن ماء نقي صافي
لترتشف منه بأريحيه
فتنتج
أوراق خضراء.. يصعب تطايرها
ثمار طيّبه .. مفعمة بالصحّة والحيوية
ورودا..قد فاح شذاها في كلّ الأرجاء
كانت هذه الجذور ....
( قلب المسلم )..
و إن كان قد عصى الله عزّ وجل
و فعل المنكرات .. وقصّر أيما تقصير
فقلبه يحمل غيرةً على دينه وتعلّقاً به
لأن هذا القلب وجدَ راحته بالإسلام فلا يستبدل به غيره
ولكن..
هناكَ من هوى النفس .. والشهوات.. والفتن
ما عجّت بها الدنيا و اكتظت
فمع البعد عن فعل الطاعات
يجد الإنسان نفسه متلوثاً منغمساً في المعاصي
ليُغطّى القلب بغبار كثيف ممتلئ بأتربة الذنوب
فيركض هنا وهناك يبحث عن مفاتن الدنيا
وفي خضم هذا
قد تنزل به نازله ..
تمحي ما يشوب أجواء القلب من أغبره
فيستيقظ و أن طال به السُبات
باحثاً عن لذّة فؤاده الحقيقية
القرآن ..وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
قال جلّ وعلا ( ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب)
فمن أسقى نفسه منهما ..
ولم يستبدل بغيرهما شيء
فالسعادة والإيمان حياته
والنور مصدرهُ وجهه
والجنّة الخضراء آخرته
كيف لا ؟
وهذا هديَ النبيّ المصطفى
سيّد البشر
و أفضل الخلق
من أُرسل رحمةًً للعالمين
به كلّ مكارم الأخلاق
هوَ المعصوم عن الزلل
شفيعاً لأمته
حليماً رءوفاً بها
قال تعالى يصفه صلى الله عليه وسلم
( لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم)
أُرسل صلوات الله وسلامه عليه
بدين صالح لكلّ زمان ومكان
بدين يُنير القلوب ويبعد عنها الهموم
هذا هوَ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
وهوَ محمود بحقّ
به كلّ صفةٍ محمودة
"الصادق الأمين"
هذا ما قاله قومه قبل أن يكون رسولاً
صادق في قوله و فعله
تودع عنده الأمانات فسمّيَ أميناً
عُصِمَ من الوقوع في الرذائل
فلم يشرب خَمراً
ولم يسجد لصنم
ولم يحتفل عند وثن
كان عاقلاً يُستَشَار
عادلاً في الأمور
كلّ ذلك قبل أن يُبعث بالرسالة
فلمّا حُمِّلها
زاده الإيمان محمَدَه
فضَمَّ لِخُلُقُه القويم
دينٌ عظيم
يحُثّ ُعلى كلّ مَكرَمَة
وينهى عن كلّ نقص
تحمّل أعباء الدعوة لدين الله
من تَهَكُم و تَهَجُم
من أَذَىً و تَرَصُد
من قولٍ وفعل
لم ينثني و لم يتهاون
بل تحمّل وتحمّل
وقد ربط الله على قلبه و ازداد إيماناً ويقيناً
قال الله تعالى
(محمَّدٌ رسول الله والذين معهُ أشداء على الكفَّار رحماءُ بينهم تراهم رُكَّعاً سُجَّداً يبتغون فضلاً من اللهِ ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلكَ مثلهم في التوراةِ و مثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرجَ شطئه فأزره فاستغلظَ فاستوى على سوقِهِ يُعجِب الزُّرَّاع ليغيظ بهم الكُفَّار وَعَدَ اللهُ الذينَ امنوا وعَمِلوا الصالحات منهم مَّغفِرَةً و أجراً عظيماً) –الفتح 29-
هنا وصف لحبيبنا صلى الله عليه وسلم ووصف لصحابته رضوان الله عليهم
أشداء أقوياء على من كفَرَ بالله ..
امتلأت قلوبهم رحمة و ود وصفاء بينهم ..
نبيّ الله .. غُفِرَ ما تقدّم من ذنبه وما تأخر
صحابته ..منهم العشرة المبشرين بالجنة
قال صلى الله عليه وسلم –بما معناه-
(لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثلَ أحدٍ ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)
و مع ذلك يكثرون من العبادة حتى تأثرت وجوههم بعلامات السجود..
وهم .. رسولٌ و صحابته
رجالٌ استنوا بسنة رسول الله
اقتدوا به في كلّ أمره
نصرهم الله في أول غزوة لهم ببدر
نصراً عظيماً مؤزرا
كانوا قِلّةٌ في العدد والعُدَّة
و قُتِلَ الكثير من المشركين
بل من عظمائهم أيضاً
هذا لشِدَّة إيمانهم و تعلّقهم بربهم
و اتخاذ رسول الله أسوتهم
نصروا الله فنصرَهم
التفوا حول رسول الله
لا يعصون له أمراً
و لا يخالفونَ له رأياً
أحبوه أكثرَ
من أولادهم
و أموالهم
وحتى أنفسهم
وحقَّ لهم ذلك
فهوَ ذو الخُلق العظيم
قال عزّ و جل:
( إنكَ لعلى خُلُقٍ عظيم)
ليس هوَ الذي اتصف بالصفات
بل هيَ الصفات التي اتصفت به
الصدق..الحِلم..الرحمة..الشجاعة..العدالة..الحياء ..هوَ صلى الله عليه وسلم
إن كتبنا وكتبنا
فلن يبقى لنا حِبراً
ليَخُطَّ حروفاً أو كلمات
تتحدَّث عن هذا الرسول المصطفى
صلى الله عليه وسلم
وبعد كُلِّ هذا
ألا يحقّ للجذور أن تبحث عن مصدر لغذائها
لتستقي أعذب السِيَر و تستنّ بسنّة أطهر البشر
حتى تنتج
وريقاتها المخضرة التي استمدت خضرتها
من الفرائض والنوافل
و تلكَ الثمار الطيبة التي تُقْطَف بكامل حيويتها
مليئة بالنصيحة والدفاع عن الحقِّ و أهله
ممتلئة بالحجة الواضحة
و الموعظة الحسنة
ويُعطِّر المكان
انتشار شذى الزهور الفائحة بطيب الوجه البشوش
والابتسامة المُضيئة
كان ذلك البركان الكامن
ممتلئا حقداً و ضغينة على تلك الشجيرات
التي غَفَلت عن هذا الحقد
و أصبحت تشرب من تربه هذا البركان ظناً منها أنه في ركب الحضارة
ولم تظُنّ يوماً أنه يحمل ضغينة في أحشائه لها
حتى انفجر مطلقاً رسومات معلناً بها ذلك الحقد الدفين
فما كان على تلك الأشجار
إلا أن تركَت البركان بماء تربته
متحولةً لنبعٍ طاهر
يقويها و يجدد عزيمتها
لتنهض بالأمة و تنصر نبيها
صلوات الله وسلامه عليه
فتكون شامخة عاليه سامية
قوية ثابتة
بتمسكها بأمور دينها
و عدم التخلّي عنه بأي سبب من الأسباب
نسأل الله تعالى أن يعفو عنّا ويغفر لنا
و أن يعزَّ الإسلام والمسلمين
و يقوي شوكتهم
و ينصرهم على أعدائهم
ويقوي رابطة الولاء في الله
والبراءة من الكافرين في قلوبهم
هذا والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
الروابط المفضلة