موقفنا من الكتب السماويةِ السابقة:
إن الله تعالى لم يتعهدْ بحفظِ الكتب السابقة من التحريفِ والتبديلِ، بل وكّلَ حفظها إلى مَنْ أنزلتْ عليهم كما قال الله تعالى:
(..إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ
وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ..)المائدة44
لذا فإنَّ هذه الكتبَ لم تسلمْ منَ التحريف والتبديلِ بنصِّ القرآن الكريم..
بل إنَّ الكثير من أهلِ الأديانِ أنفسِهم مقرُّون بحدوث التحريفِ كما أقرَّ بذلك كثيرمن العلماء.
ما تضمنته الكتب السابقة وموقفنا منه:
إن َّ ما تضمنته الكتبُ السابقة في صورتها الموجودة اليوم على ثلاثة أقسام:
أولا: ما جاء في القرآن الكريم أوالسنةِ الصحيحة تصديقاً له بأنه قد جاء في أحد الكتب، فإننا نؤمنُ به ونعتقدُ صحته ومثال ذلك قوله تعالى عن التوراة:
(.. وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوكَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ..)المائدة45
ثانيا: ما جاء في القرآن الكريم ِأوالسنةِ الصحيحة تكذيبٌ له وأنه افتراء على الله
تعالى، فإننا نجزمُ بعدم صحته، ولا نؤمن به ؛ مثل ادعاء أن عيسى عليه السلام
ابن الله تعالى، قال تعالى:
(.. وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ..)البقرة116
ومثل ما جاء في قوله الله تعالى عن زعم اليهود:
(.. كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن
تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ..)آل عمران93.
ثالثا: ما لم يأتِ في القرآن أوالسنة الصحيحة تصديقٌ له ولا تكذيبٌ:
فإنَّ موقفنا منه التوقفُ، فلا نصدِّقُ ولا نكذِّبُ، فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ نَمْلَةَ بْنَ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ، حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا نَمْلَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ جَاءَ
رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: (.. هَلْ تَكَلَّمَ هَذِهِ الْجِنَازَةُ..؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (.. اللَّهُ أَعْلَمُ..)،
فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: (.. أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهَا تَتَكَلَّمُ..)،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
(.. مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقَالُوا:آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ،وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ..)
وَقَالَ: (.. قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، لَقَدْ أُوتُوا عِلْمًا..)أخرجه ابن حبان
وأنَّ خاتمها القرآنُ العظيم، كلامُ ربِّ العالمين على الحقيقةِ، نزلَ به الرُّوح الأمينُ
على قلبِ محمد ليكون من المرسلين، قال تعالى:
(.. وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) ..)الشعراء .
ومهيمناً على سائر كتب الله، قال تعالى:
(.. وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم
بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهَاجًا وَلَوشَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ
إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(48)..) سورة المائدة .
وهومنزلٌ من الله تعالى، وليسَ بمخلوقٍ، ولا يُساويهِ شيءٌ من كلام المخلوقين،
ومن قال: (.. إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ..)المدثر25.
ونؤمنُ بأن الله قد كلَّم موسى تكليماً، قال تعالى :
(.. وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ
مُوسَى تَكْلِيمًا..)النساء164.
أمَّا القرآنُ الكريمُ فنؤمنُ بأنَّ الله تعالى قد تكفَّلَ بحفظهِ من كلِّ تحريفٍ وتبديلٍ،
قال الله تعالى (.. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ..) الحجر9
وقال تعالى(..إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ..)فصلت.
وأن الله تعالى جعله المعجزة الخالدة الباقية الدالة على صدق الرسالات السماوية،
وأنه قد تحدَّى الإنس والجن عن أن يأتوا بمثله قال تعالى:
(.. قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوكَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا..)الإسراء88 وقال تعالى:
(.. وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم
مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ..)البقرة24فهوحجة الله تعالى على خلقه إلى يوم الدين .
وتعاليمه هي كلمةُ الله التي يسعد بها البشرُ، فأرادَ الله لها أن تخلدَ على
مرِّ الزمن، فصانها وحفظَها من التبديلِ والتحريفِ، قال تعالى:
(..إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ..)فصلت ..
وقال تعالى(.. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ..)الحجر9.
وهوالهدى الموصِلُ إلى كلِّ خيرٍ.قال تعالى:
(..ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ..)البقرة2.
وهوالحاضر، سهل التناول، الميسرالإدراك، فيه جاذبية ليقرأ ويتدبر. فيه جاذبية
الصدق والبساطة، وموافقة الفطرة، واستجاشة الطبع،لا تنفد عجائبه، ولا يخلق على
كثرة الرد ، وكلما تدبره القلب عاد منه بزاد جديد.وكلما صحبته النفس زادت له ألفة وبه أنسا.
والقرآنُ شفاءٌ للنفوسِ، يطهرُها من أمراضها، فهوشفاءٌ لها من الكفرِ والضلالِ،
وشفاءٌ لها من الغلِّ والحقدِ، قال تعالى:
(.. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوشِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا..) الإسراء82
الروابط المفضلة