التوازن في خلق الليل والنهار
ماذا لو استيقظنا في صباح ما فوجدنا في السماء حركات مختلفة تماما عما عهدناه، ترى هل يعود النظام الذي كان موجودا في الأرض من جديد إلى سابق عهده ؟
في كل يوم جديد، تتحقق جميع الأحداث وفق النّظم نفسها.
كثير من الناس ألف الأحداث التي تقع في الكون فأصبح ينظر إليها على أنها حوادث عادية، والحال أن ذلك يعدّ أحد الأدلة على دقة التصميم الموجود في الكون.
إن الله تعالى هو الذي خلق الكون، فهو ذو القدرة العظيمة يخلق كل شيء بلا أدنى خلل أو قصور.
قال تعالى: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)]يونس.
اختلاف الليل والنهار ظاهرتان قد يُخلق جدتهما في نفوس البشر التكرار! ولكن آية عجيبة تطالع الحس البشري وهو يواجه الليل أول مرة أو يواجه النهار؟
وتنمو معارف البشر، ويتسع علمهم عن بعض الظواهر الكونية، ويعرفون أن الليل والنهار ظاهرتان تنشآن عن دورة الأرض حول محورها أمام الشمس مرة في كل أربع وعشرين ساعة. ولكن العجيبة لا تنقص شيئاً بهذه المعرفة. فإن دورة الأرض هذه عجيبة أخرى. دورة هذا الجرم حول نفسه بهذه السرعة المنتظمة، وهو عائم في الهواء، سابح في الفضاء، غير مستند إلى شيء إلا إلى القدرة التي تمسك به وتديره كما شاءت بهذا النظام الذي لا يتخلف، وبهذا القدر الذي يسمح للأحياء والأشياء أن تظل على سطح هذا الكوكب السابح السارح الدائر في الفضاء!
ويتوسع البشر في علمهم فيدركون أهمية هاتين الظاهرتين على سطح الأرض بالقياس إلى الحياة والأحياء؛ ويعرفون أن تقسيم الأوقات بين الليل والنهار بهذه النسبة على سطح هذا الكوكب عامل رئيسي لوجود الحياة وبقاء الأحياء؛ وأنه لو لم توجد هاتان الظاهرتان بهذا القدر وعلى هذا النظام لتغير كل شيء على هذه الأرض، وبخاصة تلك الحياة الإنسانية التي تخص المخاطبين. من الأحياء! ومن ثم تزداد هاتان الظاهرتان أهمية في الحس البشري ولا تنقصان!
قال تعالى: [قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)]القصص.
وفي مشهد الليل والنهار يتداخلان ويطولان ويقصران حجة، ومشهد قدوم الليل والنور يختفي والظلمة تغشى.. مشهد يتكرر يراه الناس في كل بقعة.. قال تعالى: [وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) ]يس.وهكذا تتوالى هذه الظاهرة على كل نقطة بانتظام وكأنما نور النهار ينزع أو يسلخ فيحل محله الظلام. فهو تعبير مصور للحقيقة الكونية أدق تصوير.وفيهما على التقدير والتدبير دليل. فسبحان من سخر الشمس والقمر بهذا النظام الدقيق العجيب.
قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) ]الفرقان.
_______________________________________________
قال تعالى: [وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)]الذاريات.
قال r: [كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب ] رواه مسلم
اكتشف العلم الحديث أن خلايا الجنين كلها عند بداية نشأته تمر من خلال خيط رفيع تتشكل فيه ثم تذهب كل خلية إلى مكانها المخصص لها ثم ينسحب هذا الخيط في النهاية ليستقر في مؤخرة العمود الفقري للإنسان وهو ما يسمى –بعجب الذنب- ولقد أطلق العلماء على هذا الخيط الرفيع اسم: المنظم الأول، وفي محاولة ..لدراسة طبيعة ذلك –المنظم الأول- واستجلاء شيء من أسراره قام عدد من العلماء بقطع هذا الخيط وزرعه في جنين آخر..فنمى مرة أخرى!!ثم قاموا بغليه وحرقة ..وكانت النتيجة أن يعود نموه مرة أخرى ولا يبلى ولا يتأثر بالحرق والقطع...
وهذه الحقيقة التي التي أخبرنا بها النبي r منذ 1400 عام لا يمكن أن تكون أبداً إلا بوحي من خالق الإنسان...
إن تتبع الأجهزة المختلفة في تكوين الإنسان، ووظائفها، وطريقة عملها، ودور كل منها في المحافظة على حياته وصحته.. يكشف عن العجب العجاب في دقة التقدير وكمال التدبير. ويرينا يد الله وهي تدبر أمر كل فرد. بل كل عضو. بل كل خلية من خلاياه. وعين الله عليه تكلؤه وترعاه. ولن نستطيع هنا أن نفصل هذه العجائب فنكتفي بإشارة سريعة إلى التقدير الدقيق في جهاز واحد من هذه الأجهزة. جهاز الغدد الصم " تلك المعامل الكيماوية الصغيرة التي تمد الجسم بالتركيبات الكيماوية الضرورية، والتي يبلغ من قوتها أن جزءاً من ألف بليون جزء منها تحدث آثاراً خطيرة في جسم الإنسان. وهي مرتبة بحيث أن إفراز كل غدة يكمل إفراز الغدة الأخرى. وكل ما كان يعرف عن هذه الإفرازات أنها معقدة التركيب تعقيداً مدهشاً، وأن أي اختلال في إفرازها يسبب تلفاً عاماً في الجسم، يبلغ حد الخطورة. إذا دام هذا الاختلال وقتاً قصيراً ".
-البويضة بعد تلقيحها بالحيوان المنوي تلصق بالرحم. وهي مزودة بخاصية أكالة، تمزق جدار الرحم حولها وتحوله إلى بركة من الدم المناسب لامتصاصها ونموها! والحبل السري الذي يربط الجنين بأمه ليتغذى منها حتى يتم وضعه، روعي في تكوينه ما يحقق الغرض الذي تكون من أجله، دون إطالة قد تسبب تخمر الغذاء فيه، أو قصر قد يؤدي إلى اندفاع الغذاء إليه بما قد يؤذيه.
-وبالنسبة إلى نظامنا العصبي فهو يشتغل أفضل بكثير من أي شبكة اتصال يمكن أن يصممها أمهر المهندسين. ..
-يوجد في جسم الإنسان حوالي 100 مليون خلية، وكل واحدة من هذه الخلايا معقدة تعقيدا مدهشا، ويعرف البروفيسور وعالم الجزيئات البيولوجي مايكل دانتون هذا التعقيد على النحو التالي: "حتى يتسنى لنا فهم حقيقة الحياة التي توصلت إليها البيولوجيا الجزيئية يتعين علينا تكبير الخلية مليون مرة. في هذه الحالة تصبح الخلية شبيهة بسفينة فضائية تسع مدينة كبيرة في حجم نيويورك أو لندن. فإذا اقتربنا من الخلية وتأملنا فيها نلاحظ تكنولوجيا عظيمة وتعقيدا يثير دهشتنا.
قال تعالى: [وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)] الروم.
كذلك آية اختلاف الألسنة والألوان.. بين بني الإنسان. ولا بد أنها ذات علاقة بخلق السماوات والأرض. فاختلاف الأجواء على سطح الأرض واختلاف البيئات ذلك الاختلاف الناشئ من طبيعة وضع الأرض الفلكي، ذو علاقة باختلاف الألسنة والألوان. مع اتحاد الأصل والنشأة في بني الإنسان.
كذلك يظهر التوازن في علاقات بعض الأحياء ببعض. والنسبة بين عوامل الحياة والبقاء وعوامل الموت والفناء في البيئة وفي طبيعة الأحياء محفوظة دائماً بالقدر الذي يسمح بنشأة الحياة وبقائها وامتدادها. وفي الوقت ذاته يحد من انتشارها إلى الحد الذي لا تكفي الظروف المهيأة للأحياء، في وقت ما، لإعالتهم وإعاشتهم! وكذلك فإن سيولة الماء وكثافته هما في نسبة ملائمة تماما لحياة جميع الكائنات الحيةوهذا صورة من التناسق في بناء هذا الكون..
وخلق الإنسان بهذا التكوين العجيب ، وبهذه الخصائص الفريدة، وبهذه الوظائف الدقيقة المتنوعة الكثيرة الخارقة، نسيناها لطول تكرارها ، ولقربها منا!! ولكن التركيب العضوي لجارحة واحدة من جوارح الإنسان ، مسألة تدير الرأس عجبا ودهشة واستهوالا لهذا التركيب العجيب!!
قال تعالى: [الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)] السجدة.
________________________________________________
قال تعالى: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)] الأنعام.
حولنا تلك الخلائق التي تدب على الأرض أنواعا وأجناسا، وأشكالا وأحجاما، لا يحصيها إلا الله تعالى، وأصغرها كأكبرها معجز في خلقه، معجز في تصريفه، معجز في تناسب حياته على هذه الأرض، بحيث لا يزيد جنس عن حدود معينة، تحفظ وجوده وامتداده وتمنع طغيانه على الأجناس الأخرى..والقدرة الممسكة بزمام الأنواع والأجناس تزيد فيها وتنقص بحكمة وتقدير.. وتركب في كل منها من الخصائص والقوى والوظائف ما يحفظ التوازن بينها جميعا.
إن الجوارح التي تتغذى بصغار الطيور قليلة العدد، لأنها قليلة البيض، قليلة التفريخ، فضلاً على أنها لا تعيش إلا في مواطن خاصة محدودة. وهي في مقابل هذا طويلة الأعمار. ولو كانت مع عمرها الطويل، كثيرة الفراخ مستطيعة الحياة في كل موطن، لقضت على صغار الطيور وأفنتها على كثرتها وكثرة تفريخها.
وذلك للحكمة التي قدرها الله تعالى، كي تتعادل عوامل البقاء وعوامل الفناء بين الجوارح والطيور!
والذبابة تبيض ملايين البويضات. ولكنها لا تعيش إلا أسبوعين. ولو كانت تعيش بضعة أعوام، تبيض فيها بهذه النسبة لغطى الذباب وجه الأرض بنتاجه؛ ولغدت حياة كثير من الأجناس - وأولها الإنسان - مستحيلة على وجه هذه الأرض. ولكن التوازن الذي لا يختل، في يد القدرة التي تدبر هذا الكون، وازنت بين كثرة النسل وقصر العمر فكان هذا الذي نراه!
والميكروبات - وهي أكثر الأحياء عدداً، وأسرعها تكاثراً، وأشدها فتكاً - هي كذلك أضعف الأحياء مقاومة وأقصرها عمراً. تموت بملايين الملايين من البرد، ومن الحر، ومن الضوء، ومن أحماض المعدات، ومن أمصال الدم، ومن عوامل أخرى كثيرة. ولا تتغلب إلا على عدد محدود من الحيوان والإنسان. ولو كانت قوية المقاومة أو طويلة العمر لدمرت الحياة والأحياء!
والظباء مزودة بسرعة الجري والقفز، والأسود مزودة بقوة ألباس والافتراس!
وهكذا كل حي من الأحياء الصغار والكبار على السواء.
وكل حي من الأحياء مزود بسلاح يتقي به هجمات أعدائه ويغالب به خطر الفناء. وتختلف هذه الأسلحة وتتنوع. فكثرة العدد سلاح. وقوة البطش سلاح. وبينهما ألوان وأنواع.. وكل حي مزود كذلك بالخصائص والوسائل التي يحصل بها على طعامه، والتي ينتفع معها بهذا اللون من الطعام.. الإنسان والحيوان والطير.
قال تعالى: [قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)]طه.
والحيوان تختلف أجهزته باختلاف أنواعه وبيئاته وملابسات حياته..
فالحيوانات المجترة المستأنسة التي تعيش على المراعي، تختلف فيما زودت به.. وقد صممت أجهزتها الهاضمة بما يتناسب مع البيئة، فأفواهها واسعة نسبياً؛ وقد تجردت من الأنياب القوية والأضراس الصلبة. وبدلاً منها توجد الأسنان التي تتميز بأنها قاصمة قاطعة؛ فهي تأكل الحشائش والنباتات بسرعة، وتبتلعها كذلك دفعة واحدة، حتى يمكنها أن تؤدي للإنسان ما خلقت لأجله من خدمات. وقد أوجدت العناية الخالقة لهذا الصنف أعجب أجهزة الهضم، فالطعام الذي تأكله ينزل إلى الكرش، وهو مخزن له، فإذا ما انتهى عمل الحيوان اليومي وجلس للراحة، يذهب الطعام إلى تجويف يسمى " القلنسوة ". ثم يرجع إلى الفم، فيمضغ ثانية مضغاً جيداً، حيث يذهب إلى تجويف ثالث يسمى " أم التلافيف " ، ثم إلى رابع يسمى " الإنفحة " وكل هذه العملية الطويلة أعدت لحماية الحيوان، إذ كثيراً ما يكون هدفاً لهجوم حيوانات كاسرة في المراعي، فوجب عليه أن يحصل على غذائه بسرعة ويختفي. ويقول العلم إن عملية الاجترار ضرورية بل وحيوية، إذ أن العشب من النباتات العسرة الهضم، لما يحتويه من السليلوز الذي يغلف جميع الخلايا النباتية، ولهضمه يحتاج الحيوان إلى وقت طويل جداً، فلو لم يكن مجتراً، وبمعدته مخزن خاص، لضاع وقت طويل في الرعي، يكاد يكون يوماً بأكمله، دون أن يحصل الحيوان على كفايته من العذاء، ولأجهد العضلات في عمليات التناول والمضغ. إنما سرعة الأكل، ثم تخزينه وإعادته بعد أن يصيب شيئاً من التخمر، ليبدأ المضغ والطحن والبلع، تحقق كافة أغراض الحيوان من عمل وعذاء وحسن هضم. فسبحان المدبر ..
ويطول بنا الاستعراض، لو رحنا نتتبع الأنواع والأجناس الحية على هذا النحو، فنسرع الخطى إلى " الإميبا " وهي ذات الخلية الواحدة، لنرى يد الله معها، وعينه عليها، وهو يقدر لها أمرها تقديراً.
" والإميبا كائن حي دقيق الحجم. يعيش في البرك والمستنقعات، أو على الأحجار الراسبة في القاع. ولا يرى بالعين إطلاقاً. وهو يرى بالمجاهر، كتلة هلامية، يتغير شكلها بتغير الظروف والحاجات. فعندما تتحرك تدفع بأجزاء من جسمها تكون به زوائد، تستعملها كالأقدام، للسير بها إلى المكان المرغوب. ولذا تسمى هذه الزوائد بالأقدام الكاذبة. وإذا وجدت غذاء لها أمسكت به بزائدة أو زائدتين، وتفرز عليه عصارة هاضمة، فتتغذى بالمفيد منها، أما الباقي فتطرده من جسمها! وهي تتنفس من كل جسمها بأخذ الأكسوجين من الماء.. فتصور هذا الكائن الذي لا يرى إطلاقاً بالعين، يعيش ويتحرك، ويتغذى ويتنفس، ويخرج فضلاته! فإذا ما تم نموه انقسم إلى قسمين، ليكون كل قسم حيواناً جديداً "..؟؟!!!
***
يقول (أ. كريسي موريسون) رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك في كتابه بعنوان: " الإنسان لا يقوم وحده ".في الفصل ثالث:
" ما أعجب نظام الضوابط والموازنات الذي منع أي حيوان ـ مهما يكن من وحشيته أو ضخامته أو مكره ـ من السيطرة على العالم، منذ عصر الحيوانات القشرية المتجمدة! غير أن الإنسان وحده قد قلب هذا التوازن الذي للطبيعة بنقله النباتات والحيوانات من مكان إلى آخر. وسرعان ما لقي جزاءه القاسي على ذلك، ماثلاً في تطور آفات الحيوان والحشرات والنبات.
قال تعالى: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)] الأنعام.
ونضرب هنا مثلا واحدا..لحقيقة أمة من الأمم الدقيقة الصغيرة...فقد عكف علماء الحشراتمدة من الزمن يجرون بحوثاً ودراسات.. حول النملة، حيث وضعوهافي مختبرات خاصة مع أجهزةٍ للمراقبةو التصوير، و أجهزة أخرى فوق( سمعية) لتسجيل لعل النمل يصدر أصوات فتسجل، أو حركات فترصد، و في النهاية خرجوابنتائج ، هذه خلاصتها:
النمل يمثل 20% من الكائنات الحية على كوكب الأرض.. وتبلغأنواعه ما يقرب من 20.000نوع من النمل تنتشر تقريبًا في كل مكان.. منه من يعيشعمره تحت الأرض.. وآخر يعيش فوقها أو بين الأشجار.. قد تجده في سهول القطبالشمالي.. أو حتى عند خط الاستواء.
فقالوا : لقد تبين لدينا من الملاحظةالتامة أن النمل أمةكأمة البشرلها قانونها الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي بل و العسكري أيضا،فالنمل له نظام اقتصادي خاص فيالتوفير، و الرصد الاحتياطي لوقت الحاجة و حفظالمخزون بطريقة معينة حتىلا يفسد،و في النظام السياسي من ملوك و رؤساء و قادة، و في النظامالاجتماعي من أسرٍو جماعات، و في النظام العسكري من جيوش و حمايات . بلثبت أن النمل يقومبحملات عسكرية على القرى المجاورة من النمل و يأسر منهمالأسرى و يضعهم فيالسجون!! قالوا:و من هنا يتبين لنا أن النمل أمةكأمة البشر في الدقة و النظام..قلنا لهم: هذا اكتشاف رائع ، لكن الأروع أنالقرآن قد أخبر بذلك قبل ألفٍو أربع مئة عام ٍ!! قال تعالى: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)] الأنعام.
و النمل دابة ، هي أمةكأمم البشرأمثالكم و الكاف لخطاب البشر و الميم للمثلية و الجمعأي أمثالكم يامعشر البشر، أمثالكم في الدقة و النظام و غير ذلك.. فسبحانمن أنزل هذاالكتاب على النبي الأمي محمد صلى الله عليه و سلم.
كذلك..قالوا : لقد تبين لدينا من الملاحظة التامة والتسجيل الدقيق أمرعجيب، كانت البشرية جميعا حتى القرن التاسع عشر الميلادي يظنون أن النملحشرةلا تنطق، و أنها تتعامل مع أخواتها من النمل بالإشارة أو الإيحاء أوغيرذلك ، لكن بفضل أجهزة التسجيل فوق السمعية التي(تسجل الأصوات التي لاتسمعها الأذن) تبين لنا أن النمل ينطق و يتكلم، و يناقش و يجادل بل و يعقدالمؤتمرات لدراسة مشاكله الخاصة ! !قلنا لهم: هذا اكتشاف مذهل، لكن الأعجب أن القرآن قد أخبر بذلك أيضاً، قالوا: كيف ذلك ؟ و لميكتشف هذا أحد قبلنا ، بل و لم يكن بوسعه أن يكتشفهلأن الأجهزة فوقالسمعية لم تكن قد عرفت بعد؟!!قلنا: بل هو موجود في القرآن،قال تعالى في سورة النمل: [وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)]فها هو القرآن يخبر أنالنمل ينطق و يتكلم في قوله(قالت نملة)،فهل كان عند محمد صلى اللهعليه و سلم أجهزة فوق سمعية ليعرف بها أن النمليتكلم ؟أما كانيخشى محمد r و هو يتلو على البشرية هذه الآية أنيكذبوه و يتحدوه و يقولون : كيف تخبر أن النمل يتكلم،أنتم- يا معشرالمكذبين برسالة محمد r تزعمون أن محمداًيقرأ و يكتبحتى يطلع على هذه الحضارات !؟لا بل كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب!!و حتى لو سلمنا جدلا بأن كان يقرأ و يكتب، فهل كانت الثقافات المزعومةوصلتإلى هذا التقدم؟الجواب: بشهادة التاريخ- : لا. . لا. . لاإذن من أين جاء محمد بالقرآن؟الجواب : الذي لا محيص عنه هو : أنهذا القرآن أنزل إليه من عند الله الذييعلم كل شيءٍ. . فهل بقي لمنكرحجة!؟
و إننا نقول لعلماء الحشرات : إن القرآن لم يخبر عما اكتشفوه فقطبل زادعلى اكتشافهم هذا أشيئاً أخرى لم يصلوا إليها بعد ! فالقرآن كتاب تحديلكل زمان ومكان.. وإعجاز لا نقاش فيــه..
كذلك من معجزات القرآن في ذالك المخلوق الصغير..قال تعالى:[ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)]فكلمة يحطمنكم سليمان وجنوده أثارت دهشة العلماء حين اكتشفوا سراستعمال هذه اللفظة بالذات بعد دراسة مكونات النملة بأحدث الأجهزة.. تبين لهم أن النمل يدخل في تركيب بنيانه مكوناتالزجاج حيث أن 90 % منجسم النملة هو زجاج والزجاج هو الذي يحطم ويكسر وكما هو معلومفي علم اللغة يطلق على الزجاج كلمه تحطيم ...فسبحان الله العظيم..
وقد أثبتت أحدث الدراساتالعلمية أن لكل نوع من أنواع الحيوانات رائحة خاصة به، وداخل النوع الواحد هناكروائح إضافية تعمل بمثابة بطاقة شخصية أو جواز سفر للتعريف بشخصية كل حيوان أوالعائلات المختلفة، أو أفراد المستعمرات المختلفة . ولم يكن عجيباً أن نجدأحد علماء التاريخ الطبيعي" وهو رويال وكنسون" قد صنف كتاباً مهمًا جعل عنوانه " شخصية الحشرات" . والرائحة تعتبر لغة خفية أو رسالة صامتة تتكون مفرداتها منمواد كيماوية أطلق عليها العلماء أسم فرمونات.
وهكذا ينكشف للعلم البشري يوماً بعد يوم، شيء من تقدير الله العجيب في الخلق، وتدبيره الدقيق في الكون، ويدرك البشر شيئاً من مدلولات قوله في الفرقان الذي نزله على عبده: [ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)].الفرقان.
_______________________________________________
الروابط المفضلة