ذهب الشتاء و حل فصل الصيف ...و انتهت السنة الدارسية و خفت أجواء التوتر من
البيوت و استعدت الأسر الى إجتماعاتها العائلية المؤجلة و بدأت أولى إشارات الأفراح
في الوميض....
ألتمعت عيون إيمان ترقباً فأخيراً سيأتي طارق مع والديه لطلب يدها من أبيها
لقد غيرت ملابسها
للمرة الثالثة و عدلت طرحة أمها و قامت بكي قميص والدها مرتين...
و عطرت غرفة الصالون بشذى الزهور سألت و قد أستبد بها القلق
لقد تأخروا قليلا أليس كذلك أمي ؟
لم تكمل جملتها
و دق جرس الباب
تغير جو المنزل من الحماس و القلق المفرط لحالة من الصمت المرتقب ...
ذهبت والدتها مع والدها لأستقبال
زائريهم و بعد قليل دخلت مرة أخرى لغرفة إيمان ،لاحظت إيمان تغير تعابير
أمها سألتها
ماذا هناك ؟ فلم تجب ألام سوى هيا يا عروسة حتى تقدمي القهوة لطارق
و والديه
حملت إيمان الصينية بأيدي مرتجفة و وضعتها على الطاولة لاحظت
بعض الذبذبات المتبادلة بين
والد طارق و والدها و لم تقابل أيضا بالكلمات المعتادة مثل ..كيف حال عروستنا؟
لم يرمقها والد طارق
سوى بنظرة مقتطبة و أشاح بوجه و كأنما أدركت زوجته ذلك فظلت تأتي
بمواضيع من كل حدبا و صوب
لم تلق إيمان لها بالا لاستغرابها هذا الوضع!!
أنتهت الزيارة سريعا .... و أستمر الصمت من قبل والد و والدة إيمان.
وصلت صديقةإيمان إلى منزلها فهما معتادتان على إلاجتماع إسبوعيا في منزل إحداهن ,
تبادلت الفتاتان السلام و بعض الأخبار العائلية فبينهم أيضا صلة قرابة و لأن سنهم متقارب
جعل بينهمإنسجام و تفاهم وصداقــــة وطيدة
سلمى : ماذا بشأن زيارة أهل طارق لمنزلكم كنت انتظر مكالمة تليفونية منك.
نظرت إيمان الي صديقتها بصمت .....
حسنا إيمان لماذا لا تتحدثي ؟, لقد أثرتي قلقي...
إيمان: أنا حزينة قليلا
سلمى : لماذا حبيبتي ؟ ماذا حدث؟
ايمان: أنتِ تعرفي أن أبي و أمي لم يحظيا بفرصة التعليم
فأبي بارك الله فيه
كانت ظروف عائلته صعبة فقد عانى اليتم صغيرا,
شدت على يدها سلمى و قالت :نعم حبيبتي فعمي الغالي
منذ نعومة أظافره و هو يعمل ليكفي أهله سؤال أحد و لكنه لم يرضى أن
يعمل أبي و يترك الدراسة فكان له الأب و لباقي إخوته فحرص على تعليمهم
و بعد الانتهاء من دراستهم ساعدهم في تحمل نفقات الزواج
حماه الله عمي الغالي الحنون.
نزلت دمعة من عيون إيمان تحاكي لمعة الحبات الماسية :
أنا حزينة لأن أهل طارق أظهروا تعالي على ابي و امي
لأنهم لم يحظوا بفرصة التعليم و لأن
أبي يعمل حرفيا لماذا دخلوا بيتنا ليحقروا من شأننا ، و هم يعرفون
خلفياتنا مسبقا ... لم أحتمل
رؤية أبي مطأطىء الرأس مخذول النظرات... و قد استشعر جفاء معاملة أهل طارق لنا
فأنا من وضعته في مثل هذا الموقف ... و المثير للضحك أن مستواهم الاجتماعي ليس مبهرا
فأهله أناس بسطاء أبوه متعلم و يعمل موظفا حكوميا و أمه في الإدارة التعليمية و ليسا جامعيين
ببساطة اتصل بي طارق و كلماته تعبر عن خجل مكتوم ... لماذا أباك لا يتحدث كثيرا...
فقلت : إن أبي قليل الكلام هكذا هو ... فقد كنت أعتقد أنه مجرد تعليق ... و لكنه استطرد
لماذا يعمل أخاكِ و هو متخرج من كلية مرموقه مع والدك....
فقلت: هذا قرار أخي من باب البر بوالده لا يتركه يتحمل أعباء عمله وحده و هو في سن يجب
أن يرتاح فيها و لكنه معتاد على العمل الشاق وأبي لا يتخيل نفسه
ترك مسئولياته لأحد فما كان من أخي
إلا العمل معه حتى يحرص على ألا يجهد نفسه
قال: أبي لم يستطع الحديث معه فهو يقول أن عقليتهم مختلفة. و
هناك فوارق و عدم تكافؤ اجتماعي بينهم
.. هنا بدأت أرى أني أدافع عن أبي
كما يدافع المحامي عن متهم ... أبي لم يجرم حتى أدافع عنه
الواجب إكرامه و الاحتفاء بما قدمهلنا ...
قلت له :طارق أشعر بالأسف فأبي لم يوافق
فبهت طارق لماذا تقولين ذلك سوف أتفاهم مع أهلي و نأتي مرة أخرى
قلت له لا تستطيعوا دخول منزلنا مرة أخرى فأناس لم يقدروا
قاطنين المنزل لن تطىء أقدامهم
المنزل مرة أخرى .
و انتهى الحديث...
تحدثت مع أمي أني غير مرتاحة ولا أريد هذة الزيجة، لم أخبرها من حديثي مع طارق
شيئا فكيف أجرحها و أنا لم أعلم أن أمي لا تعلم القراءة
و الكتابة سوى عندما تعلمت القراءة فقد كانت تمسك بيدي لنخط أحرف لا تعرفها و تجلب حبات
الفول و البرتقال لتعلمني الأعداد هي معلمتي غالية مربيتي الفاضلة بارك الله فيها ...
لو ظللت أتحدث عن ما قدمه أمي و أبي لي و لأخواتي لن تكفي حياتي لسردها
سلمى : ليالي تلدن كل عجيبة صديقتي ,كيف يكون هذا عدم تكافؤ اجتماعي.
.. فخلفيات الأسرتين
الاجتماعية متناسبة و كما أعرف أن أحوالكم
المادية أيسر منهم و أنت و إخوتك متساويين من حيث التعليم
مع أبناء موظف الحكومة المتعلم
فأين الفوارق الاجتماعية بل هو التعالي و قد تكون العنصرية فبعض الناس يحكمون بأن
ابن الطبيب لا يتزوج إلا من ابنة طبيب و ابن الضابط لا يتزوج إلا
من ابنة ضابط و هي قائمة طويلة
لتماثل الوظائف و لعدم خلط الأنساب المهنية الاجتماعية .
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر ))
..لا تحزني صديقتي كل شيء قسمة و نصيب و نصيبك في الأحسن إن شاء الله..
و لكن مبدأ التكافؤ معترف به بالإسلام
يجب يكون الزوجين متكافئين عمريا و اجتماعيا و ماديا و ثقافيا
إنها ليست كفتين ميزان يجب أن تتساوى ولكن يجب ألا تعلو
واحدة كثيرا و تهبط الأخرى كثيرا فتترك المسافة
بعيدة بينهما لتعقد الأمور
و زواج أمنا زينب بنت جحش من الصحابي زيد ابن حارثة
دليل على إذا كانت الفوارق الاجتماعية متأصلة
ستستحيل العشرة بين الطرفين
و قد كان زيد غلام اشترته السيدة خديجة و أهدته لسيدنا محمد صلى الله عليه
و سلم تبناه الرسول قبل الاسلام
للرفع من مكانته الاجتماعية و بعد الإسلام عندما أراد أن يتزوج
زيد أمره الرسول بخطبة السيدة زينب و لكنها
رفضت لأنها من عائلة معروفة و تراجعت
عن رفضها بعد نزول الآية الكريمة
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا
و بعد الزواج اشتكى زيد للرسول صلى الله عليه وسلم عدم حب
السيدة زينب له و تكبرها عليه و رغم محاولات النبي
صلى الله عليه وسلم للإصلاح الا أن أمرهما آل إلى الطلاق .
...أنتِ تعلمين عدم التكافؤ المادي بيني و بين خطيبي فنحن أسرة
متوسطة الحال و هو من أسرة ثرية.
في البداية لم أقبل الارتباط به حتى لا أشعر بالنبذ و
التعالي من قبل أفراد أسرته و لكنه نفى أن تكون بيننا
أي فوارق و أنه يعتز و يتشرف بنسبه لأسرتي و أصر
أن تزورنا والدته بمفردها .. حملت زيارتها الراحة
لقلبي لم أجد تعجرف و لا تعالي شعرت أنها أم ثانية لي ,
و لكن ظل شبح عدم التكافؤ يؤرقني
صليت ركعتين استخارة أولا
و إستشرت إحدى المقربات مني ... إنها معلمتي و كنت
على اتصال دائم بها فقلت لها مخاوفي
ردت بالحديث النبوي الشريف (( إذا جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه))
فهل تأخذين عليه أي مأخذ أخلاقي ... قلت: لا
قالت :لما إذا التردد فبحسن دينه و أخلاقه سيتقي
الله فيكِ
(( و اظفر بذات الدين تربت يداك))
فمع الحديثين ذابت كل الفوارق المادية و الاجتماعية .. ،
من شروط إنجاح الزواج أن يتمتع الطرفيين بالنضج و
التوافق العاطفي و تحمل المسئولية
و رغم أنه يستطيع أن يقدم لي الأفضل و الأغلى دائما إلا أنه
يرضى بإختياراتي و يقدرها
فلقد قمت و أمي بحياكة ثوب زفافي رغم أن والدته عرضت
على الذهاب إلى أرقى دور الأزياء و لكنها
تفهمت ما يعنيه لي من الناحية المعنوية أن تحيك أمي ثوبي بيدها
و تساعدني صديقاتي
على تطريزه و هي تراني ابنة لها و كفؤ لابنها ...
إيمان إذا كانت الفوارق الاجتماعية أو المادية مقبولة و
يتعامل معها الطرفين بفهم و نضج و برغبة
صادقة في بدأ حياة أسرية سعيدة و مستقرة فإنها تختفي
مع وجود الوازع الديني فالرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع قال
(( أيها الناس إن ربكم واحد , كلكم لآدم و آدم من تراب,
أكرمكم عند الله أتقاكم , ليس
لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى ألا بلغت ؟ اللهم فاشهد))
ولا أرى في أهل طارق سوى ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم
فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد
أن النبي مر عليه رجل فقال: ((ما تقولون في هذا؟))
قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يُسمع،
ثم مكث فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ((ما تقولون في هذا؟))
قالوا: حري إن خطب ألا ينكح،
وإن شفع ألا يشفع، وإن قال إلا يُسمع،
فقال رسول الله: ((هذا خير من ملء الأرض مثل هذا)).
بارك الله لك إيمان لردك على طارق
... و إكبارك والديك و رزقك الله بزوج صالح إن شاء الله
لا تحزني حبيبتي
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.
إيمان شكراً لك سلمى لقد شعرت بالتحسن بعد الحديث معك.
الروابط المفضلة