ندرك جميعاً أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أمثل جيل، وأكمل رعيل؛ ذلك أنهم من الله تبارك وتعالى عليهم بنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين
أظهرهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، كما هي دعوة خليل الله إبراهيم.
والصحابة كما نعلم جم غفير، لكن القرآن وهو مائة وأربعة عشر سورة لم يرد فيه ذكر اسم صحابي واحد باسمه الصريح، فقد جاءت آيات في مدح الصحابة عموماً مثل قوله تعالى :
(مُحَمَّدٌرَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الفتح:29].
لكن لم يرد في القرآن ذكر صحابي باسمه الصريح إلا
زيد بن حارثة
رضي الله تعالى عنه وأرضاه في قوله تعالى :
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ
تَخْشَاهُ فَلَمَّاقَضَى زَيْدٌ ........((37))سورة الاحزاب
هو زيد بن حارثة بن شراحيل أو شُرحبيل بن كعب بن عبدالعزى بن زيد بن أمريء القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف بن كنانةبن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد
اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرةالكلبي,يكنى بأبي أسامة .
قال عنه الذهبي:
الأمير الشهيد النبوي المسمى في سورة الأحزاب أبو أسامة الكلبي، ثم المحمدي سيد الموالي وأسبقهم إلى الإسلام، وحِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم،وأبو حبه، وما
أحب صلى الله عليه وسلم إلا طيباً، ولم يسم الله تعالى في كتابه باسمه من الصحابة
إلا زيداً.. وعيسى ابن مريم الذي سينزل حكماً مقسطاً.
ولد في الجاهلية قبل الإسلام , وقد استرق و هو قريب من الثامنة من عمرة .
وعن الحسن بن أسامة بن زيد قال :
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أكبر من زيد بعشر سنين .
قال : وكان قصيرا ،شديد الأدمة ، أفطس .
رواه ابن سعد ، عن الواقدي ، حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبيه ، ثم قال ابن سعد : كذا صفته في هذه الرواية .
وجاءت من وجه آخر أن زيد بن حارثة أبيض اللون، وابنه أسامة أسمر، وكان الناس -من أجل اختلاف لونيهما- يرتابون فيهما، ويتكلمون في صحة نسبة أسامة إلى أبيه، بما
يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان أسامة أسود أفطس،ولذلك أعجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقول مجزِّز القائف حيث يقول :إن هذه الأقدام بعضها من بعض
قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على مسروراً تبرق أسارير وجهه .. فقال : ألم تري أن مجزراً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد ..
فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ..
رواه الجماعة .
أول ذكر أسلم ، وصلى بعدعلي بن أبي طالب "رضي الله عنه ".
وهو أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الموالي، وهو الذي
نزل فيه قوله تعالى:
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ)[سورةالأحزاب:37].
وكان سبب نزول الآية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله إليه أن زيداً يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها له ، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب ، وأنها لا تطيعه
وأعلمه بأنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية :اتق الله ، أي في أقوالك ، وأمسك عليك
زوجك ، وهو يعلم أنه سيفارقها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يُرِدْ أن يأمره بالطلاق ، لما علم من أنه سيتزوجها ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه
قول من الناس في أن تزوج زينب بعد زيد وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ؛ فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في أمر قد أباحه الله تعالى له .
وهذا المذهب روي عن : علي بن الحسين (11 ) ، والزهري (12 )
وذكر القرطبيان : أن هذا القول هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، والعلماء الراسخين .(14 )وممن قال به :أبو بكر الباقلاني ، وبكر بن العلاء القشيري ، وابن حزم ، والبغوي ، وابن كثير ، وابن القيم ، وابن حجر ، والشنقيطي ، وابن عثيمين .(15 )
زارت سعدى أم زيد بن حارثة قومها وزيد معها فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية على أبيات بني معن، فاحتملوا زيداً وهو غلام فأتوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع، فاشتراه
حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم، محمد،وكان أبوه حارثة
قد جزع عليه جزعا شديدا ، وبكى عليه حين فقده ، فقال :
بكيت على زيد ولم أدر ما فعلْ * أحيّ فيرُجى أم أتى دونه الأجلْ
فوالله ما أدرى وإني لسائل * أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل
فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له، قال:فحج ناس من كلب فرأوا زيداً فعرفهم وعرفوه، فقال: أبلغوا أهلي…، فانطلقوا فأعلموا أباه ووصفوا له موضعاً، فخرج
حارثة وكعب أخوه بفدائه، فقدما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل:
هو في المسجد فدخلا عليه، فقالا: يا ابن عبد المطلب يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا عبدك، فامنن علينا
وأحسن في فدائه فإنا سندفع لك، قال: وما ذاك؟
قالوا: زيد بن حارثة، فقال: أو غير ذلك؟
ادعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فوالله
ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء، قالوا:
زدتنا على النصف، فدعاه
فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي، قال:فأنا
من قد علمت وقد رأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما، فقال زيد:
ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك، قال: نعم، إني
قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال:
اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فدعي زيد بن محمد .
ولما جاء الإسلام حرم التبني بقوله:
(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) [الأحزاب:5].
فنسب إلى أبيه فدعي زيد بن حارثة الكلبي،أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه صلى الله عليه وسلم بالعتق،وزوجه مولاته أم أيمن بركة
الحبشية كانت أمة،ورثها صلى الله عليه وسلم من أبيه عبد الله، وكانت تحسن إليه في صغره، وتحضنه
في حياة أمة وبعدها، وقد أعتقها أيام زواجه خديجة، وقد تزوجها
قبل زيد.. عبيد بن الحارث.
وكان زواج زيد منها ليالي بعث النبي صلى الله عليه وسلم،فولدت له أسامةبن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حبه.
وعلى هذا،فيكون عُمر زيد أيام زواجه من أم أيمن رضي الله عنها حوالي ثلاثين سنة.
زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم ,وكان يأَمِرُهُ على كل غزوة حتى استشهد رضي الله عنه , فكان عدد الغزوات سبعاً ومن فضائله أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقبله
ويعانقه ويقبله إذا أتى من سفر أونحوه0كان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه لوجه الله تعالى0عاصر صفوةالخلق
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم00
كما عاصرالصحابة رضي الله عنهم أجمعين0
مات شهيداًفي غزوة مؤتة في جمادى الأولى عام 8هـكان عمره خمس وخمسين سنه رضي الله عنه .
وكان أول أول قادةغزوة مؤتة هو زيد بن حارثة،وبعده جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة،فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فعبد الله بن ر واحة.
رواه البخاري .
وقال الواقدي :
عقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لزيد على الناس في غزوة
مؤتة ، وقدمه على الأمراء فلما التقى الجمعان كان الأمراء يقاتلون على
أرجلهم ، فأخذ زيداللواء فقاتل وقاتل معه الناس حتى قُتل طعنا بالرماح رضي الله عنه.
قال : فصلى عليه رسول الله ، أي دعا له،وقال : استغفروا لأخيكم قد دخل الجنة
وهو يسعى .
ختاماً
فإن معرفة أخبارأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسيرهم العطرة مما ينيرالقلب
ويبعث على حبهم والتأسي بهم
فهم أئمةيقتدى بهم، وأعلام يهتدى بهم.
الروابط المفضلة