فى القرآن الكريم القصص, والعبرة, والموعظة الحسنة,
ونرى مشاهد من بر الأنبياء صلوات الله عليهم فى بعض آيات القرآن الكريم,
فهذا نبي الله نوح يدعو بالمغفرة لوالديه,
ونبى الله إبراهيم يدعو أباه بالخُلق الحَسن لعبادة الله وحده..
ونبى الله إسماعيل عليه السلام عندما أطاع أبيه وقال يا أبتِ افعل ما تؤمر,
ووصف الله يحيى عليه السلام بقوله:وبرًا بوالديه,
وكذلك وصف عيسى عليه السلام على لسانه في المهد: (وبرًا بوالدتي )
ونرى الآية الكريمة التى يقول فيها ربنا تبارك وتعالى :
وحسب تفسير أهل السنة لتلك الآيات :
أَمَر الله وألزم أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة،
وأمر بالإحسان إلى الأب والأم، وبخاصة في حالةُ الشيخوخة،
فلا تضجر من أحدهما أو منهما، ولا تسمعهما قولا سيئًا،
ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، ولكن ارفق بهما، وقل لهما
-دائما- قولا لينًا لطيفًا,
ومما لا يخفى على أحد أن الأم تعبت مع أبنائها ,
فهي التي حملت كرها, ووضعت كرهًا،
وأجهدت في الحمل والوضع والرضاعة,
وقدمت كل ما تملكه من جهد عن طيب خاطر لتربية أبنائها ,
وسهرت الليالي لرعايتهم حتى تصل بهم إلى بر الأمان....
وكذلك الأب الذي أفنى حياته فى السعي لإيجاد رزق أبنائه ,
وتوفير حياة كريمة سعيدة لهم ليسعد برؤيتهم أبناء صالحين
...يكونوا له السند والعون عند الكبر..
ولكن للأسف كثيرا من الأبناء لا يعي ذلك ولا يقدره .
فيحيط بنا الكثير من نماذج عقوق الوالدين وأصبحت واقع
مرير نعيش فيه إلا من رحم ربي ..
وكثيرا ما تسبق الدموع الكلمات عند رؤية هذا العقوق !!
والأسباب كثيرة ومتعددة لهذا العقوق:
فهل ياترى هو البعد عن الدين, أم الانشغال بمتاع الحياة ,
أم قسوة القلب ,أو السعى وراء المادة والانشغال بها,
أم لنيل رضا الزوجة؟(وما أكثر من يرضى زوجته على حساب والديه)
أم كل تلك الأسباب مجتمعة!!؟؟
أحبتى فى الله :
الوالدان هما أول الرحم ,
فماذا سنفعل عندما تتشبث الرحم بعرش الرحمن يوم القيامة ؟؟؟
هل قدمنا لوالدينا ما يستحقانه؟؟
أم قصرنا فى الوصول لتحقيق هذا الحق الواجب علينا !!
هل لنا أن نتحمل غضب الله ولعنته؟؟
من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن رسول الله قال:
((لعن الله العاق لوالديه)).
و للأسف الأمثلة و النماذج لعقوق الوالدين كثيرة ومتعددة ,
فمنها الضجر والضيق أو الإساءة والإهانة وتصل فى البعض الأحيان إلى الضرب !
وأقساها ما يصل إلى القتل !!
وإليكم تلك القصة المأساوية :
الأب يشقي ويكد ويتعب على أمل أن يرى أبنائه عناصر
صالحة في المجتمع ,
والأبناء لا يردون إلا بالعقوق والضجر فهذا الأب رزقه الله
بخمسة أولاد وبنتين فكان العبء المادي عليه ثقيلاً .
واصل الليل بالنهار في معظم الأيام حتى يتسنى له توفير
وسائل كريمه للعيش .
حاول الأب الاجتهاد في تعليم أبنائه حتى لاينخرطوا في أعمال
مضنية فيكون مصيرهم شقاء ومعاناة مثل أبيهم.
بدأت أولى الثمار تنضج فيصبح الكبير محاسباً قانونياً ,
والأخر بكالوريوس تربية والثالث دبلوم صنايع والرابع حصل
على الثانوية وانخرط في الأعمال الحرة ,
والخامس مهندساً كيميائياً ,
أما البنتان فقد حصلتا على الدبلوم وتزوجتا.
وبدأ المرض يتسلل إلى جسد الأب الهزيل والتعب يصيب الأم المغلوب على أمرها ,
بعد أن داهم السكر الأب والفشل الكلوي الأم,
تزايدت المصروفات على الأب وبدأ في حيرة من أمره بين
أعبائه المنزلية وتوفير أموال علاجه وزوجته
الوضع المزري وعقوق الأبناء له جعله عصبياً وحاد المزاج لأتفه الأسباب ،
بدأ ينفعل معهم في كل كبيرة وصغيرة لاسيما وأنهم غير
مهتمين بتخفيف هموم الوالد أو وضع حل لمشاكله ,
فالكل نظر إلى نفسه وحاول شق طريقه بعيداً عن الآخر
وكانوا نادراً مايزورون أباهم أو يلتقون في المنزل .
في ضوء هذا التصيعد أتت للأبناء فكرة التخلص من الأب !!
غير مهتمين بمرضه أو التماس الأعذار بسبب الضغوط المادية والمعنوية الواقعة عليه ,
انتزع الشيطان من بعضهم العاطفه تجاه الأب وقفز إلى أن عقد لهم عدة سيناريوهات للتخلص من الأب وقتله !!!
وفي اليوم المشهود تجمع الأبناء وذهبوا للأب المريض!
وجدوه في حاله صحيه متدهورة وبوادر مرضية متعددة تقتحم جسده النحيل ,
اقترب الصغير من أبيه ورش عليه مخدراً فذهب الأب في غيبوبة ,
بعدها تم خنقه بحبل ففاضت روحه في الحال ,
واستخرجوا له تصريحاً بالدفن عن طريق أحد المعارف لتتم الجريمة بهدوء دون أن يشك أحد!!
وذات ليلة مرت الأم بهدوء فوجدت أبناءها يتهامسون ،
راقبت تصرفاتهم فسمعت الأكبر يقول إنه لم يشعر بطعم الراحة منذ قتل والده ,
وقال الثاني إن والده يأتي إليه كل ليلة أثناء النوم .
وفجأه استجمعت الأم قواها ودخلت عليهم وهي تصرخ لماذا قتلتم أباكم المريض العليل ؟
ينهار الأبناء ويعترفون بجريمتهم !!
فصحبتهم الأم بهدوء إلى قسم الشرطة لتسلمهم إلى العدالة
بنفسها لينالوا حكما بالسجن المؤبد .
يالها من قصة محزنة تدمى القلب ,
كيف استطاع هؤلاء الأبناء ارتكاب تلك الجريمة البشعة فى حق والدهم ..
كيف استطاعوا أن ينكروا حقه عليهم وكذلك حقه فى الحياة ,
لا حول ولا قوة إلا بالله ..
..أين هم من قوله تعالى :
" وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا "
[العنكبوت: 8]
ولكن بالرغم من كل تلك الصور... هناك دائما الأمل ,
..وكما يوجد ابن (ابنة) عاق يوجد الكثير من الأبناء البارين بوالديهم ,
والأمثلة كثيرة هنا أيضا :
ابن بار بوالديه منذ صغره إلى أن كبر,
وتزوج ,واستمر فى بر والديه ,
وتفضيلهما على نفسه وأولاده فى كل شيء.
يسهر حتى يرتاحا و يطمئن لنومهما ,
لا يأكل حتى يشبعا ويتأكد من رضاهما .
يتعامل معهما بلغة الإحسان ,
ويكن لله العظمة فى قلبه ثم لهما.
يراعي حالتهما الصحية ويوفر لهما كل احتياجاتهما قبل نفسه وأولاده.
ورضى عنه والديه فى حياتهما واستمرت بركة رضاهما معه
حتى بعد وفاتهما وحصد فى أبنائه ما زرعه مع آبائه..
قال أبو موسى الأشعري:
شهد ابن عمر رجلاً يطوف بالبيت قد حمل أمه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلّل إن أذعرت ركابها لم أذعر,
فقال: يا ابن عمر، أتراني جزيتها؟
قال: لا، ولا وبزفرة واحدة،
ولكنك أحسنتَ، والله يثيبك على الإحسان.
وتلك ابنة أمضت كل حياتها فى خدمة والديها,
وحتى بعد زواجها لم يمنعها زوجها من ذلك,
واستمر بها الحال حتى بعد إنجابها ثلاثة أبناء,
وظلت على العهد.. بالقرب من والديها ..حتى لحظة وفاة والدها .
وبعدها أصيبت الأم بمرض ألزمها فراشها ,
وأعجزها عن الحركة,
فلازمتها ولم تقبل مساعدة خادمة أو حتى ممرضة,
وكانت تردد والله لن أوفيها حقها حتى إذا خدمتها كل عمرى,
وقضت كل طلب لها بنفسها ,
تواصل الليل بالنهار,
تطعمها ,وتسقيها ,وتنظفها وتغير رقدتها من حين لآخر..
ومرت الشهور وقضى الله أمراً كان مفعولا,
ولقت الأم ربها وهى راضية تمام الرضى عن ابنتها..
فأسعدها الله فى حياتها مع زوجها,
و تعلم منها أبنائها البر والإحسان وبفضل الله أصبح لها
العديد من الأحفاد,
و تلقى أفضل معاملة وأفضل بر وإحسان من أبنائها وزوجاتهم..
أحبتي في الله
قال :
(كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات)
(البخاري)
وهناك العديد من صور عقوق الوالدين
( كما ذكرها لنا علماء الدين) فلنعمل جاهدين للابتعاد عنها مثل:
إحداد النظر إليهما,العبوس عند مقابلتهما,
والتضجر من مطالبهما, رفع الصوت عليهما,
والتأخر في قضاء شئونهما مما يسبب الضيق عندهما
تشويه سمعتهما ,الكذب عليهما ,سرقة أموالهما وتهديدهما ,
أوالتضجر من الجلوس معهما ,الاستهزاء بنصائحهما .
أحبتي
لنفكر ملياً فى معنى عبارة:
بر والديك يأتيك البر من أبنائك إن عاجلا أو آجلا...
من لديه أبوين كلاهما أو أحدهما على قيد الحياة فليسارع الى إرضائهما ,
ومعاً نعود , ونراجع ما فاتنا, ونعوضهما تقصيرنا فى البر والطاعة,
ونقدم لهما ما يستحقانه من الإحسان والرعاية والحب والقول اللين والكلام الطيب,
ونعترف لهما بالفضل والواجب و العرفان بالجميل عند كبرهما...
حتى نصل إلى رضى الله برضاهما,
ولننتبه جيدا من العقوق ونتق الله فى كل حال,
وإن كانا فى ذمة الله فلندعوا لهما ونحاول أن نصل أقاربهما وأحبائهما ,
لأن ثمرات بر الوالدين لا تعد ولا تحصى كما ذكرها لنا علمائنا ومنها:
طاعة لله تعالى وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم ,
وبر الأولاد لمن بر والديه ,
وسبب في حلول البركة في العمر والرزق ,
سبب في قبول الدعاء , ومِن أحب الأعمال إلى الله تعالى .
اللهم اغفر لوالدينا واجعلنا من البارين بهم,
ولا تحرمنا أجر برهما.
ووفقنا جميعا يارب لما تحبه وترضاه ,
اللهم آمين.
الروابط المفضلة