طالما حلم أفلاطون.. ذلك الفيلسوف الإغريقي الشهير... بتأسيس مدينة فاضلة،
أساسها الصدق و الإحترام و الألفة المتبادلة بين القلوب...
مدينة تملأ سماءها ضحكات الأخوّة و أهازيج المحبة...
لكن، للأسف، فالواقع المرير كفيل بأن يبقي ذلك الحلم القديم مجرد أمنية مستحيلة
التحقيق، و أملا صعب المنال.... في طل مجتمع تسوده الصراعات و النزاعات
الدامية... مجتمع أساسه الأول و الوحيد...
النفاق !!!
ذلك الوحش الكاسر الذي يفتك بعلاقاتنا الانسانية النبيلة... و يوشح قلوبنا بسواد
الكره و الانتقام...
ذلك الوباء الذي استفحل في مجتمعنا ... و عجزت أنفسنا عن إيجاد علاج لمخلفاته الوخيمة...
كل صباح،، أخرج لأتجول بين ثنايا هذه الارواح التائهة....
واتفحص في شخوصها المبهمة الضائعة.. املا مني في إيجاد وجه حقيقي
يشع أملا و حياة... وجه غارق بين بحور هاته الاقنعة الزائفة...
ولعل ما عمق نظرتي التشاؤمية هاته... ما رأيته احد الأيام بأم عيني...
إذ صادف يوما أن التقيت مع صديقة لي ( لا أعرف حقا إن كان يجدر بي أن أطلق
عليه لفظة الصديقة في زمن بادت في الصداقة و انتهت..)... جاءت لتحدثني عن
صديقة لها... وللأسف فقد تحدثت عنها بالسوء... رغم انها على فراش المرض
بعد تعرضها لحادث خطير...
" يا لها من فتاة متكبرة... مغرورة.. أحمد الله انها قد اصابها ذلك الحادث..
اسأل الله ان يبقيها معاقة عاجزة بقية عمرها.. حتى تكف عن غرورها
و تباهيها امامنا"
في الحقيقة صدمت من كلام هاته الصديقة.. و استغربته كثيرا لأنني كنت اظنهما
صديقتان حميمتان... لكنني قلت في نفسي لعل تلك الفتاة قد أخطأت في حق صديقتي...
لكن ما أثار صدمتي أكثر، ... اذ بعد هذه الحادثة بأسابيع... التقيت بالصديقتين معا
مجددا... والابتسامة تعلو محياهما...
و اذ بصديقتي تقول للاخرى و الدموع تملأ عيناها... " الحمد لله على سلامتك
أختي الحبيبة...
أقسم لك أن الأيام التي مرت وأنت مريضة لم أذق فيها طعم النوم... و تمنيت ألف مرة
أن أكون أنا من أصابها الحادث مكانك"
تفاجئت كثيرا من ذلك... و قلت في نفسي سبحان مغير الأحوال !!!
يبدو أنهما تصالحتا و لله الحمد...
لكن ما صدمني أكثر بعد ذلك ان صديقتي جاءت لتحدثني ... فعاتبتها كثيرا لأنها
تحدثت يوما بالسوء عن تلك الفتاة...
و جعلتني أسيء الظن بها... لكنها أجابتني بالحرف الواحد و بكل برودة دم " والله
انت مسكينة يا اختي... لانك صدقتيني... لأنه أنا ليس من مصلحتي أن أظهر لتك الفتاة كرهي و حقدي...
لأنها الوحيدة التي اعتمد عليها في الدراسة " !!!
يالها من صدمة !!!! ياإلهي ألهذه الدرجة من النفاق اصبح بعض البشر ؟؟؟؟
نسأل الله المغفرة والرحمة... !!!
أنا شخصيا لم أعد أفهم شيئا من هؤلاء؟؟؟
أين انت أيها الصدق... بين هذه الأكوام من الكذب والخداع؟؟؟
أين لنا أن نبحث عن بسمة بريئة بين هذه الابتسامات المصطنعة البائسة في زمن
أصبح عنوانه الأهم " المظاهر و الخدع"؟؟
كيف لنا أن ننير أبصارنا ونحن نعلم أن بصيرتنا عميت و شلّت عن تحديد ما هو صالح
لحياتنا؟؟
كيف لنا أن نجرؤ على أن نتحدث عن القيم الاسامية النبيلة.. و نحن نضحك في وجه ذلك مرة
ونغتابه في ظهره الاف المرات؟؟
لقد جان الوقت لنعرف جميعا أن النفاق قد قتل بذرة الخير في قلوب البعض...
و أفقدنا الثقة في الكثيرين للأسف...
وقد أصبح عادة دنيئة... خسيسة.. ينقاد خلفها البعض دون أدنى تفكير...
لا لشيء سوى لتحقيق مصالحه و رغباته الشخصية
أو خوفا من الآخرين... اذ يبدو ان نسي حتما أن عليه أولا وأخير أن
خوف الله تعالى.. ونسي قوله الكريم (إن المنافقين في الدرك
الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا).(النساء:145)
فكفانا نفاقا جميعا... و كفانا كذبا و افتراء...
ولنرم هذه الأقنعة السوداء جانبا... و نرمي معها ايضا كل تلك المجاملات الزائفة
والكلمات الخادعة...
ولنكن و لو لمرة ... صادقين... صريحين مع ذاتنا...
فلا شي اجمل من الصدق والصراحة لتحقيق امالنا المنشودة...
و رغم أن مجتمعنا أصبح أسير هذه الآفة الاخلاقية المنتشرة..
إلا أن أملنا مازال كبيرا نظرا لوجود يد طاهرة نقية بإمكانها انتشالنا من الغرق في
مستنقع الضلال و الظلمة... و هي ديننا الإسلامي الحنيف..
. الذي ينص أولا و اخرا على مبدأ الأخوة .. و يرفض كل انواع الكذب و الخداع..
فلنهتدي كلنا بهذا الكنز الزاخر الذي نملكه..
و لننر ابصارنا و عقولنا بعقيدتنا الغراء...
فهي خير منارة تضيء عتمة نفوسنا... و خير بلسم يداوي كل ألم دفين في قلوبنا..
و لنعمل بمقولة رسولنا الأكرم صلى الله عليه و سلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
و لنتحابب في الله...
فكلنا إخوة في الله..
و ما هذه الدنيا سوى درب طويل من الأشواك و الورود..
فلنتعاون جميعا على قطف ورودها... و على رمي أشواكها جانبا..
و لنجعل قلوبنا صافية... بريئة و لنحمها من دنس النفاق و الافتراء...
وأخيرا فلنعلم أن الله يرانا أينما كنا... ومهما فعلنا..
و أختم حديثي بقول الله تعالى (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون)
فلا تجعل نفسك ممن يمقت بهم الله يوم الحساب
وفق الله الجميع
الروابط المفضلة