طويلة اللسان .. أم طويل اللسان
يقولون إن فلانة لسانها طويل ، أو فلان لسانه طويل .. والحقيقة أن اللسان متناسب في طوله لدى كل إنسان ، وإنما هذا الوصف يأتي كناية عن القدرة على الإهانة أو الشتم أو الرد الساخر ، وفي أفضل الأحوال كناية عن النباهة وسرعة البديهة غير أن زيادة تلك النباهة ( حبتين ) تصحب معها إفراطا قد يصل إلى مرحلة التجريح أو الإساءة.
وقد اشتهرت بذلك النساء أكثر من الرجال ،غير أني أميل الى العكس تماما ، وأرى أن الرجال لهم النصيب الوافر من طول اللسان ، لأن المرأة في غالب الأحوال خجولة ورقيقة ودمعتها قريبة حتى ولو كانت دموع تماسيح إلا أنها أهم وأفضل لها من طولة اللسان ، ورغم أني أميل إلى الدفاع عن المرأة إلا أن وزيرة العدل الفرنسية الجديدة العربية الأصل ( رشيدة داتي ) خذلتني، ذلك لأنها دفعت - مؤخرا - مدير مكتبها للتقدم باستقالته ، رافضا التعامل معها بسبب طول لسانها ، فهذا المدير الضحية الذي يبلغ من العمر51 عاما وجد صعوبة شديدة في التكيف مع الأساليب التي تنتهجها الوزيرة ( طويلة اللسان ) , ووجد ان العلاقة بينهما ساءت كثيرا مما اضطره في النهاية إلى تقديم استقالته لعدم قدرته على تحمل الإهانات المستمرة التي توجهها له الوزيرة طوال اليوم.
ومرة أخرى أقول : رغم طول لسان الوزيرة إلا أنني عند رأيي بأن الرجال أطول لسانا من المرأة، وواقعة معالي الوزيرة هي الاستثناء الذي يصحح القاعدة، وشاهدي في ذلك من الهند حيث أجريت جراحة نادرة لتقصير لسان رجل يقال إنه أطول وأعرض لسان في العالم, إذ بلغ طوله13,5 سنتيمتر وعرضه12 سنتيمترا.
وقال الجراح الهندي الذي أجرى العملية ( بحسب الخبر) إن صاحب هذا اللسان الطويل والعريض ظل يعاني29 سنة صعوبة في الكلام ، وصعوبة في إغلاق فمه بصورة طبيعية ، وقد اثبتت هذه الجراحة ( الرجولية ) أن نساء العالم براءة من طول اللسان وربما – براءة من الفصاحة أيضاً , ولقد تبين – أيضاً - أنه لا علاقة بين طول اللسان وكثرة الكلام، حيث أثبت الطب أن طوال اللسان يعانون صعوبة في الكلام ، تماما مثل الذي في فمه ماء ،وفي المثل أن الذي لا يتحدث عندما يكون حديثه منتظرا يسأل .. هل في فمك ماء؟ ، ولكن يبدو أن كثيرا من الرجال لا يتحدثون لأن في أفواههم كومة من اللحم هي الألسنة الطويلة الضخمة التي تعوقهم عن الكلام.
وبالعودة للكناية وهي أحد فروع البلاغة العربية نجد أن طول اللسان كثيرا ما يقود صاحبه إلى عواقب وخيمة ومهلكة، خاصة إذا ما كان الطرف الذي يخاطبه طويل اللسان ضيّق الصدر أو خلقه ضيّق ، فهذا الشاعر العربي (ابن الرومي) لقي حتفه بسبب ذلك ، فمما يروى عنه أنه مات بسبب طول لسانه .. فقد شتم في إحدى قصائده وزيرا ، فدعاه الوزير إلى بيته ، ثم دسّ له السم في كعكة، وبعد أن أكلها شعر بالموت قد دنا، ثم نهض وهو يتطوح ويتلوّى من الألم ..
فسأله الوزير : إلى أين؟
فقال ابن الرومي : الى حيث بعثتني..
فقال الوزير : سلم لي على والدي ..
فأجاب ابن الرومي : ليس طريقي الى النار..
ونلاحظ أن ابن الرومي لم يترك سخريته وتهكمه وطول لسانه حتى وهو يتجه إلى القبر، ولو أنه قصّر لسانه قليلاً لربما نجا ، وذلك أيضا ما حدث للمتنبي الذي قاده طول لسانه إلى حتفه عندما سبّ كافور الإخشيدي ، وبعدها هام على وجهه إلى أن لقيه قطّاع طرق وبادروه الى قوله :
( الخيل والليل والبيداء تعرفني .......... والسيف والرمح والقرطاس والقلم) ، وناجزوه حتى قضوا عليه ، وإن ارتبط طول اللسان بالفصاحة إلا أنه غير محمود في كثير من الأحيان لأن الانزلاق إلى السخرية والشتم وارد في أي كلمة غير موزونة أو ليست في محلها تقع من الطرف الأخر موقعا غير حسن فتوجد ردة فعل سلبية وسيئة وربما قاتلة، وكما قيل في الأمثال) لسانك حصانك إن صنته صانك وإن أهنته أهانك) فإن كان طويلا فالأفضل إجراء جراحة على نحو ما فعل ذلك الهندي ، أو بدون جراحة بإحسان الأدب .
وفي كل الأحوال إن جميع الروايات التي سردتها هنا تؤيد ان الرجل طويل لسان ، ولكنها في المقابل لا تنفي طول لسان المرأة ! .
((منقول))
المصدر جريدة اليوم السعوديه
الروابط المفضلة