أولا :يقصد القارئ من قرأته التدبر والتفكر وأن يخشع قلبه ويهتدي بنور القرآن لأن تدبر القرآن هو الغاية من إنزاله والمقصد من تلاوته , قال تعالى ((كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب )) وكان هذا هو هديه صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال صلى الله عليه وسلم ("اقرأ علي" قال فقرأت النساء حتى إذا بلغت ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بكـ على هؤلاء شهيدا)) قال لي "حسبك" فالتفت إليه فإذا عينيه تذرفان )

ثانيا : يعظم القارئ القرآن ويستحضر جلالة قدره وعلو منزلته وجزيل إنعام الله على من قرأه فيتهيب لكلام الله بالوجل والخوف والرجاء والفرح به عسى أن يظفر بالمقصود من إنزاله وليتهيأ لذلك ظاهرا وباطنا , قال تعالى (( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين * قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) فمن فاته تدبر القرآن فاتته كنوزه ولم يظفر ببركاته العظيمة .قال ابن رجب رحمه الله: (النصح لكتاب الله : شدة حبه ، وتعظيم قدره ، وشدة الرغبة في فهمه ، وشدة العناية بتدبره ، والوقوف عند تلاوته ) .

ثالثا : يستعيذ بالله من كيد الشيطان فإن الشيطان يسعى جهده لصد القارئ عن تدبر كلام الله والتأثر به فإن خشع وتأثر سعى لمنعه من الانتفاع بالقرآن والعمل به بالأعذار والأماني فيجعل تأثره به لا يتجاوز وقت القراءة فليعتصم القارئ بالله من كيد الشيطان ومكره .

رابعا : يحذر القارئ من هجر التدبر وترك الخشوع لأنه سبب لقسوة القلب . قال تعالى (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم ا؟لأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )) ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه لاتهذوا القرآن هذوا الشعر ،ولا تنثروه نثر الدقل قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ) ويق
خامسا : يرتل القرآن ترتيلا و يترسل بلا عجله همته عرض المعاني على القلب عسى أن يتأثر أو يخشع كالباحث عن معنى يخفى بالقرأة السريعة ليست همته متى يختم ؟ فهو لا يرضى لنفسه أن يقرأ آيات أم يعرف المقصود منها أو قصة لم يقف عند عبرها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان ( يقرأ مترسلا لا يمر بآية فيها تسبيح إلا سبح ولا يمر بآية رحمة إ لا وقف فسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ) رواه مسلم وقد (قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح والآية (( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )) )ولذلك قال ابن قدامه رحمه الله ( التدبر هو المقصود من القرأة وإن لم يحصل التدبر إلا بترديد الآية فليرددها ) وإن لم يحصل إلا بقراءة تفسيرها والبحث عن معناها فليوقف القراءة لذلك .

سادسا : يطيل النظر في مقصود الآيات ووجوه تأثيرها على نفسه فإذا مر بآيات فيها ثناء لأعمال الصالحين علم أنه مخاطب بذلك وأن تأثره مقصود و اقتداؤه مطلوب وإذا مر بآيات فيها ذم لأعمال العصاة علم أنه مخاطب بذلك وأن تأثره مقصود وحذره مطلوب ومما يعينه على ذلك تصور ما وقع في نفوس الصحابة من اليقين بالله والثقة بوعده والعزة بدينه حين سمعوا الآيات فالمتدبر للقرآن لا تلك الآيات حتى تنطبع تلك المعاني في قلبه وينشرح بها صدره .

سابعا : يتدارس القرآن مع أهل العلم .يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ) وفي الحديث ( ما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ).

ثامنا :يعلم أن تدبره وتأمله خير له من كثرة القراءة بدونهما ولذلك قال ابن حجر رحمه الله : ( من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة واحدة ثمينة ) وقال ابن القيم رحمه الله ( إذا قرأ بتفكر حتى إذا مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمه بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة الإيمان ). ول الحسن البصري رحمه الله يابن آدم كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر السورة ).