الوجه الثاني من الشريط الأول
[frame="7 80"]عبد الله و رسوله [/frame]
فلما قالوا عبد الله خرجوا عن غلوا النصارى و لما قالوا رسوله خرجوا عن تقصي اليهود فوضعوه في المقام الذي ينبغي أن يوضع فيه و هكذا أمرنا رسول الله ـ صلـ الله عليه وسلم ـى ـ ألا نغلوا فيه و إنما ننزله في المقام الذي أنزلهُ فيه ربه نقول : هو عبدُ الله ِ و رسوله صلوات الله و سلامه عليه
و أشرفُ وصفٍ للإنسان أن تصفه بالعبودية لله تبارك وتعالى و هو وصف شرف كما بين الله تبارك و تعالى ذلك بقوله : { سبحان الذي أسري بعبده ليلا } وصف العبودية وصف شرف .
[frame="7 80"]و رسوله [/frame]
الرسول مأخوذ من الرسالة و الرسالة هي السِفارة و الله تبارك وتعالى ضمن الرسالة في كتابه التي أصّل بها هذا النبي الكريم في كتابه و سنة رسوله صلوات الله و سلامه عليه .
[frame="7 80"]المصطفى[/frame]
: مأخوذٌ من الصفوة وهو عليه الصلاة و السلام اصطفاهُ الله عز وجل و اجتباه و اختاره فهو خيارٌ من خيار من خيار
[frame="7 80"]( أما بعد فإنّ بعض إخواني سألني اختصار جملة من أحاديث الأحكام مما اتفق عليه الإمامان ) [/frame]
أما بعد : كلمة يؤتي بها للفصل بين مقدمة الكلام و مضمون الكلام
وأما قائمةٌ مقام مهما و لذلك تدخل الفاء في جواب الشرط فتقول : أما بعد فقد سألني .
و أما بعد قيل إنها فصل الخطاب يقول العلماء : يُفصلُ بها بين المقدمة و المقصد
فالمقدمة هي التي سبق الكلام عنها من الثناء على الله و رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، وأما المقصود هو ما سيشرع في بيانه الآن .
يقول ـ رحمه الله :
[frame="7 80"]( أما بعد فإنّ بعض إخواني سألني اختصار جملة من أحاديث الأحكام ) [/frame]
هذه العبارة بيّن فيها المصنف ـ رحمه الله ـ السبب الذي من أجله كتب هذا الكتاب و هذه العبارة فيها فائدةٌ لطيفة ينبغي لطلاب العلم أن ينتبهوا لها و هذه الفائدة تدلنا ـ على فضل أهل العلم ـ رحمهم الله ـ السابقين ما كان الواحدُ منهم يأتي و يكتبُ التأليف بمحض نفسه ما كانوا يتصدرون للتأليف كان لا يكتب الواحد منهم إلا بعد أن يُطلب منه لأنهم كانوا يحتقرون أنفسهم و كان الزمان ملئٌ بالعلماء و أهل الفضل و الأخيار و كان الواحد إذا كتب فإنه محط النقد فلذلك كان لا يكتب إلا من كان عالماً و أما زماننا هذا فإلي الله المشتكي من الغُثاء .
حتى إن الإنسان لو جاء وتعلم كلمةً أو كلمتين طار بها في المجالس و بُلى بالفتنة و العياذ بالله فأصبح يكتب فيها الكتب و يؤلف فيها المسائل و قد تكون من المسائل التي بُحثت و بينها العلماءُ ـ رحمهم الله ـ و قتلوها بحثا و مع ذلك يأتي ليكتب من حظوظ الرياء و السمعة والفتنة و العياذ بالله بصرف الوجوه إليه
لذلك ينبغي للإنسان أن يتأدب بآدابِ هؤلاءِ الأخيار و لذلك قال بعضُ الحكماء : من ألف فقد عَرَضَ عقلهُ في طبق
الناس ستحكم على عقلية الإنسان بتأليفه و لذلك قالوا : من ألّف فقد استهدف
يعني صار هدفاً إما للمدح أو للذم ، فينبغي للإنسان أن يُسلم نفسه وأن يُسلم غيره و لذلك قالوا : حبُ الظهور قصم الظهور
فالإنسان ينبغي ألا يُبلى بفتنة محبة صرف وجوه الناس إليه و إنما يُقدم على العلم إذا كان من أهله
لا حرج إذا كان من أهل العلم و الفضل و كان أهلاً للكتابة أن يكتب ليس معني ذلك ألا نكتب .. لا إنما تكتب إذا كنت أهلاً ، ولذلك جلس الإمام مالك ـ رحمه الله ـ ذات يوم و جاء رجلٌ يسأله و كان في مجلس فيه بعض طلابه فلما سأل السائلُ سؤاله قال عبد الرحمن بن القاسم العُتقِي و هو من أصحاب مالك ـ رحمه الله ـ قام وأجاب السائل فغضب مالكٌ رحمه الله و قال : لا ينبغي لأحدٍ أن يُفتي حتى يشهد له من هو خيرٌ منه أنه أهلٌ للفتوى و الله ما أفتيتُ الناسَ حتى شهِدَ لي سبعونَ من أهل هذا المسجد ( يعنى مسجد رسول الله ـ صلـ الله عليه وسلم ـى ـ كلهم من أهل العلم و أهل الصلاح و السابقة ) أني أهلٌ للفتوى .
فلذلك ينبغي للإنسان ألا يتصدر للتدريس و لا للتأليف و لا للفتوى إلا إذا كان شهدَ له من هو أعلمُ منه أنه أهلٌ لذلك
[poem font="Simplified Arabic,4,crimson,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فالعينُ قد تُبصر ما دنى و نئا = و لا ترى ما بها إلا بمرآة [/poem]
إذا كان الغير شهد لك بأنك أهلٌ لذلك فالحمد لله اُكتب و أنفع المسلمين بعلمك و لا حرج في ذلك ، و لكن أن يتصدر للعلم من هو أهلٌ و من ليس أهل هذا هو الذي لا ينبغي .
[frame="7 80"]( مما اتفق عليه الإمامان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري و مُسلم بن الحجاج بن مُسلم القُشيريّ النيسابوريّ )[/frame]
يقول ـ رحمه الله :
[frame="7 80"]( سألني اختصار جملةٍ في أحاديث الأحكام ) [/frame]
قوله الاختصار مأخوذ من الخصر و هو ضد الإسهاب ، الكلام المكتوب و المقروء إما أن يكون موصوفاً بالاختصار أو الإسهاب أو المساواة .
فالاختصار : أن يكون الكلامُ قليلاً و المعنى كثيراً ، هذا الاختصار و هو محمود في البلغاء و يُعد من البلاغة و لذلك ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ـ صلـ الله عليه وسلم ـى ـ قال : " أُوتيتُ جوامع الكَلِمْ "
فكانت الكلمات اليسيرة تحملُ معاني كثيرة تفهم من سنته ـ صلـ الله عليه وسلم ـى ـ هذا الاختصار .
و الإسهاب : ضده ... الكلامُ كثير و المعنى قليل ، يُكرر الإنسان الكلام هذا يُعتبر إسهاب وهو مذمومٌ في الكلام
و المساواة : أن يكون الكلام على قدر المعنى
يقول ـ رحمه الله :
[frame="7 80"]سألني بعض أخواني اختصار جملة من أحاديث الأحكام [/frame]
: من هذا الكلام نفهم أنه لم يجمع جميع أحاديث الأحكام و إنما اقتصر على بعضها كما قلنا وقد كان ـ رحمه الله ـ في اختصاره موفقا لأنه اختار أهم الأحاديث التي دار عليها الخلاف بين أهل العلم ـ رحمهم الله .
[frame="7 80"]( جملةً من أحاديث الأحكام ) [/frame]
: و هي التي تتعلق بالفروع ، لأن الدين منه ما يتعلق بالأصول و العقائد التي يسميها العلماء و اصطلحوا على تسميتها العقيدة لأنها تتعلق بالمُعْتَقد ، ومنها ما يتعلق بالظاهر أحكام الجوارح و هو الذي يسمونه المعاملات كما سبقت الإشارةُ إليه و اصطلحوا على تسميته بأحكام الفروع .
الأول أحكام الأصول و فيها العقائد والثاني أحكام الفروع التي هي مسائلُ الشرع من عبادة ومعاملات
[frame="7 80"]( مما اتفق عليه الإمامان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ) [/frame]
: و هو أمير المؤمنين في الحديث ـ رحمه الله ـ و كتابهُ الجامع الصحيح أصحُ كتابٍ بعد كتابِ الله عز وجل جمع فيه لهذه الأمة من أحاديث رسول الله ـ صلـ الله عليه وسلم ـى ـ الصحيحة خيراً كثيرا و نفع الله به الإسلام قروناً عديدة ، وأما الإمام مُسلم فهو أبو الحُسين مسلم بن الحجاج بن مُسلم القُشَيّريّ النيسابوري ـ رحمه الله ـ و كلاهما يُعتبر ما اتفقا عليه ، اجتمعا على تخريجه يُعتبر من أقوى ما يُروى
أصح ما يُروى ما اتفق عليه الشيخان قال الناظم :
[poem font="Simplified Arabic,4,crimson,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أعلى الصحيح ما عليه اتفقا = فما روى الجعثي فرداً يُنتقى
فمسلمٌ كذاك بالشرطِ عُرِفْ = فما لشرط غيرذين يكْتنف [/poem]
أعلي الصحيح : يعنى أقوى ما يُروى ، ما اتفق البخاري و مسلم على روايته ، ثم يليه ما رواه البُخاري وحده ، ثم يليه ما رواه مُسلم وحده ، ثم يليه ما كان مُخرّجاً عليهما ، ثم يليه ما كان مُخرّجاً على شرط البخاري ثم ما كان مُخرّجاً على شرط مسلم
وما اتفق عليه البخاري ومُسلم على نوعين :
نوعٌ اتفقا على اللفظ و المعنى ( يكون اللفظ و المعنى واحد ) فهذا لا إشكال في اعتباره من المتفق عليه و لا خلاف في اعتباره ولا غبار عليه
و أما النوع الثاني فهو الذي اتفقا على روايته ويكون ذلك بالمعنى تكون الروايات متقاربة في الألفاظ ليت على وتيرةٍ أو نسقٍ واحد فهذا يُعتبر عند بعض العلماء مما اتُّفِقَ عليه و الغالب أن رواية الإمام الحافظ عبد الغنى من الصِنف الأول في أكثر كتابه
الروابط المفضلة