س171: ما سبب ضلال الجبرية والقدرية في باب القدر ؟
ج171: هذا سؤال مهم جدًا ؛ لأننا إذا عرفنا سبب الضلال حذرناه وابتعدنا عنه. فأقول : اعلم أن القدرية والجبرية كانوا أخوين يمشيان في طريق واحد ، وعندهم قاعدة قد أصلوها واعتمدوها ، وهي أن كل شيء يشاؤه الله فهو يحبه ، فالمشيئة عندهم مرادفة للمحبة ، إلى هنا وهم متفقون ، لكن لما نظروا إلى الأشياء الموجودة في الكون وجدوا فيها الكفر والشرك والبدعة والزنا وشرب الخمور وعقوق الوالدين والسرقة ونحو ذلك من الآثام .
فقالت الجبرية : بما أن هذه الأشياء قد شاءها الله وأوجدها فهو يحبها ونحن مجبورون على فعلها ، فترى الواحد منهم يقارف الذنب ويرى أنه يفعل عين ما يحبه الله تعالى ؛ لأن الله شاءه وكل شيء يشاؤه فهو يحبه .
وأما القدريةفإنهم لما نظروا إلى نتيجة هذه القاعدة وقفوا متحيرين وتعاظموا أن يقولوا إن الله يحب الكفر والزنا واللواط والخمر ونحو ذلك ؛ لأن وجودها في الكون دليل المشيئة لها والمشيئة عندهم مرادفة للمحبة فقالوا : لا حل عندنا إلا أن نقول إن العبد هو الذي يخلق هذه الأفعال وأن الله تعالى لم يشأها منه ولا أرادها أن تقع في الكون ، لكن العبد هو الذي أوجدها بنفسه استقلالاً ، وهم بذلك قد وقعوا في شر مما فروا منه ، فأنت ترى أن سبب ضلال هاتين الفرقتين هو أنهم جعلوا مشيئة الله وإرادته شيئًا واحدًا لا ينقسم وأنها مرادفة للمحبة ولهذا لزم عليهم هذه اللوازم الباطلة .
فالجبرية والقدرية اتفقوا في الأصل والقاعدة ، واختلفوا لما ظهرت نتائجها ، فالجبرية رضيت بها ، وأما القدرية فرفضت هذه النتيجة لكن القدرية لم يتجرءوا على تغيير هذه القاعدة واستطاعوا تحريف كلام الله وكلام رسوله e ليتوافق مع أهوائهم ومذاهبهم ، فنعوذ بالله من أسباب الضلال ونسأله جل وعلا أن يهدينا رشدنا ، والله أعلم .
* * *
س172: ما مذهب أهل السنة في إرادة الله جل وعلا ؟ مع بيان ذلك بالتقسيم والتدليل وبيان وجه الفرق .
ج172: هذا السؤال متمم لما قبله وهو يبين لك كيف هداية الله تعالى لأهل السنة في هذا الباب ، كما هداهم في سائر أمور الاعتقاد ، وبيان ذلك أن يقال :
مذهب أهل السنة والجماعة رفع الله نزلهم في الفردوس الأعلى هو أن إرادة الله تعالى تنقسم إلى قسمين :
الأول : الإرادة الكونية القدرية ، وهي مرادفة للمشيئة وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها شيء ، فالكافر والمسلم تحت هذه الإرادة الكونية سواءً ، فالطاعات والمعاصي كلها داخلة تحت هذه الإرادة ، قال تعالى : }وإذا أراد الله بقومٍ سوءًا فلا مرد له { ، وقال تعالى : }ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون { ، وقال تعالى : }فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصعد في السماء { ، وقال تعالى : }ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد{ ، وغير ذلك .
الثاني : الإرادة الشرعية الأمرية الدينية ، وهي مرادفة للمحبة ، وتتضمن ما يحبه الله ويرضاه ، قال تعالى : }يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر { ، وقال تعالى : }والله يريد أن يتوب عليكم{ ، وقال تعالى : }ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم{ ، وغير ذلك .
فهذا من ناحية التقسيم والتدليل ، وأما من ناحية التفريق بين الإرادتين فاعلم أن أهل العلم قد فرقوا بينهما بثلاثة فروق :
الفرق الأول : أن الإرادة الكونية لا تستلزم المحبة ، وأما الإرادة الشرعية فإنها تستلزم المحبة ، أي أنها ليس كل شيء يخلقه الله كونًا يلزم أن يكون محبوبًا له ، وهذا فيه رد لقاعدة الجبرية والقدرية ، وهي قولهم : كل شيء يشاؤه فهو يحبه ، وهذا الكلام ليس له مطلق الصحة ، وأما الإرادة الشرعية فإن كل شيء أمر الله به شرعًا فإنه يحبه ويرضاه ، فالكونية لا تستلزم المحبة ، والشرعية تستلزم المحبة .
الفرق الثاني : الإرادة الكونية لابد أن تقع ، أي أن كل شيء أراده الله كونًا فإنه لابد أن يقع لا يدفعه شيء أبدًا فالإرادة الكونية لازمة الوقوع ، وأما الإرادة الشرعية فإنها قد تقع وقد لا تقع ، أي قد يريد الله أشياء شرعًا لكنها لا تقع كونًا ، فالله يريد شرعًا من الناس الإسلام والهداية ، لكن هذا لم يقع لأن أكثر الناس في كفرٍ وضلال .
الفرق الثالث : أن الإرادة الكونية مرادة لغيرها لا لذاتها ، وأما الإرادة الشرعية فإنها مرادة لذاتها ، فالكفر الواقع مراد لغيره لا لذاته ، والمعاصي الواقعة مرادة لغيرها لا لذاتها ، وأما الإيمان فإنه مراد لذاته وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر الطاعات ، فإنها مرادة لذاتها .
فمن فهم هذه الفروق فإنه قد هدي في هذا الباب فيما قد ضل به كثير من الناس ، والله أعلم .
* * *
س173: متى تجتمع الإرادتان ومتى تنفرد إحداهما عن الأخرى ؟ مع بيان ذلك بالأمثلة .
ج173: تجتمع الإرادتان في إيمان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهكذا أي في إيمان من قد آمن من الثقلين ، فهو كوني لأنه وقع في الكون ، وشرعي لأن الله يحبه ويرضاه ، وإذا صليت فإن صلاتك هذه قد اجتمعت فيها الإرادتان فيه إرادة كونية لأنها وقعت في الكون وشرعية لأن الله يحبها ويرضاها ، وبالجملة فكل شيء وقع في الكون وهو مما يحبه الله ويرضاه فإنه مما اجتمع فيه الإرادتان .
وتنفرد الإرادة الكونية في الأشياء التي وقعت في الكون وهي ما لا يحبه الله ويرضاه ، ككفر أبي جهل وأبي لهب ، بل وكفر من كفر من الثقلين ويدخل في ذلك سائر الذنوب والمعاصي التي وقعت في الكون ، فإنها من قبيل الإرادة الكونية فقط ؛ لأنها مما لا يحبه الله ويرضاه .
وتنفرد الإرادة الشرعية في الأشياء التي يحبها الله ويرضاها لكنها لم تقع في الكون ، فهي شرعية فقط ، لكن ليست بكونية لأنها ما وقعت ،
والله تعالى أعلم وأعلى .
* * *
الأسئلة التطبيقية:
الروابط المفضلة