د. أحمد صالح الزهراني
الحياة الاجتماعية بتشابكاتها الاقتصادية أصبحت تستدعي بعض الضبط في باب المعاملات، وهذا من السياسة الشرعية، وهو أمر لا يتعارض مع الشريعة بقدر ما هو تفاعل مع المستجدات، واستجابة لحاجات الناس، ومن أهمّ وأخطر هذه المعاملات عقد النكاح، الّذي يصارع العقلاء، وبكل قوة لكي لا يفقد قدسيته واحترامه،
ورقيّه الّذي أكسبه إيّاه الإسلام، وهو صراع ضد شريحتين إحداها رقّقته وتلاعبت به حتّى أصبح مجرد ستار لا يستر للممارسة الجنسية غير المشروعة، وشريحة أخرى غلّظته وشدّدت فيه حتّى أصبح عذابًا على كثير ممّن تزوّجوا وفق هذا التصوّر. أعود للقول إنّ من الأمور الّتي فرضها واقع الحياة المعاصرة مسألة تعلّم الفتاة وعملها ومسكنها، فنحن نعلم أنّه لا يكاد يخلو عقد نكاح من شروط معينة مثل: البيت المستقل، وحق الزوجة في العلم، والعمل، وعدم تدخل الزوج في مالها، وكم امتلأت المحاكم من قضايا سببها هذه الأمور، وكثيرًا ما تكون المرأة هي الطرف الأضعف، خاصة إذا كان وليّها عند العقد كريمًا، ولم يشترط لها شيئًا من ذلك، إمّا حياءً وخجلا من الزوج، وإمّا أنّه لا يعترف بها أصلاً، وما إن يحدث شيء من الخلاف حتّى تكون هذه المسائل من أوّل ما يحدث حوله النزاع، فيلجأ القاضي لعقد الزواج لينظر هل اشترطت المرأة سكنًا مستقلاً، أو أن تعمل، أو تتعلم، وهنا مربط الفرس كما يُقال، إذ قد آن الأوان لاعتبار هذه الأمور حقوقًا ثابتة لا تحتاج المرأة إلى اشتراطها، بل تعتبر جزءًا لا يتجزأ من أي عقد نكاح، سواء بطباعتها في عقود النكاح لتكون جزءًا منه، أو بتعميد الجهات القضائية اعتمادها بدون الحاجة لكتابتها لتكون عرفًا قضائيًّا لازمًا، بمعنى أن الزوج هو الذي يحتاج إلى الاشتراط إذا كان لديه تحفظ على شيء من هذه الأمور، فإن وافقت المرأة فالمسلمون عند شروطهم، نعم هناك حالات طارئة قد يكون فيها إضرار بالزوج إذا أصرّت الزوجة على حقوقها تلك، كأن يكون عمل الزوجة أو تعلّمها يحتاج إلى سفر، لكن هذه الحالات الطارئة تقدر بقدرها، أتمنى من الجهة المخوّلة النّظر في مثل هذا الأمر، والكف عن تكليف المرأة المطالبة بحقوق مشروعة أصلاً لها، خصوصًا إذا فقدت الولي الصالح الذي يقف معها، ويدافع عن حقوقها، وقد تسكت المرأة، أو وليّها عن اشتراط هذه الشروط حياءً من الزوج الّذي قد يكون في غاية اللطف والوداعة عند الخطبة، فمن يضمن لها حقها بعد أن يتزوّج ثمّ ينكل بوعوده، ويقلب لهم ظهر المجنّ، أقول: إذا تساهل الناس في حقوقهم غفلةً وحياءً فعلى المشرّع أن يمنعهم من ذلك، والله الموفق
الروابط المفضلة