بسم الله الرحمن الرحيم

في ليلة باردة ظلماء هادئة ساقتني قدماي نحو تلك الساقية ..أحث الخطا ذاكرا أيامي الماضية .. فإذا نبور عظيم ملئ البستان وأنار الناحية ..

وقفت قليلاً .. ونظرت طويلاً .. وسألت الله العافية .. أصابني رعب وأصبحت نفسي جازعة .. قلبي يخفق هلعاً والأنفاس في صدري صارت متتالية .. قربت منه والأحرف تتلعثم خوفاً في لهاتيَ .. نظرت إليه فماذا أقول و ماذا أصف وكيف أخبر عن حالية ..

رأيت زهرة الأقحوان تعبق أنفاسها بريح زاكية .. تسلب الألباب والفكر وتحار في وصفها القافية .. فقلت سبحان من أخرج الزهر من أرض قاحلة ..

رفعت رأسها ورمقتني عينها ونطقت بكلمات هادئة .. ثم أطرقت حزناً وسرحت فكراً وهلت دمعتها جارية .. رأيت لوعتاً ورأيت حزناً و حرقتاً ونار في فؤادها كاوية ..

فقلت من أنتي يا أجمل من رأت وتكحلت بها عينية ؟ فقات أنا طهر المسلمة .. أنا حياء العذراء المخدرة أنا قلب الفتاة الناسكة العابدة .. أنا السريرة النقية الطاهرة .. أنا بنت عائشة شبيهة مريم أخت الزهراء فاطمة .. أنا طهر الفتاة المسلمة ..

فقلت لها عجباً !! فلماذا أنت باكية ؟ فزفرت وتنهدت وخرجت منها كلمات معبرة ..

قالت يا فارس ساقه الله مبلغاً آهات ولوعات كانت خافية .. خذها مني صيحة تصل إلى الآفاق الواسعة .. أسمع بها كل وليدة وكل عجوز وكل بنت يافعة .. أسمع بها الثقلين .. أسمع بها كل الأنس و اسمع بها الجن الخافية .. أسمع بها المشرق والمغرب وبين النهرين وفوق التلة العالية ..

لا أبقاني الله لحظة ولا أجرى الدماء في عروقيه .. ولا ألبسني الله ثوب عافية .. ولا تاج صحة ولا أذاقني كأساً هانية .. ولا آراني راحتاً ولا تهنئت ولا سلى قلبي ثانية ..

إن كانت أم المؤمنين وأبنت الصديق زوجة المصطفى زانية ..

يارب ..يا خالق النسمة .. ويا محيي العظام البالية .. تذرف دمعتي وتكثر حسرتي وتظلم في عيني هذه الدنيا الفانية .. أرفعك إليك شكواي وأقص عليك حالتي وأنت تعلم كل خافية ..

تطاول الأوغاد وتكلم كل كاسد وكل عقيم الفكر وعديم الفائدة .. يلوك بلسان شيطان غادر سليط بغي فاجر ينطق بكلمات نابية ..

قل لهم وبلغ عني رسالة الخلد الباقية قل لهم وقل للأجيال القادمة ..

هذه كلمات أخاطب فيها أم المؤمنبن عائشة ..

يا أم المؤمنين ويا ناقلة الأحاديث ومعلمة الصحابة الفقه والفائدة ..

من أنت ؟ بل من أنا ؟ منك أخذت الوصف وبك زانت أيامية ..

أنتي مني بل أنا منك بل أنتي أنا بل أنتي ربة الطهر وأنا عندك جارية ..

أنت المبرئة التي نزلت ببراءتها آيات من الرحمن متتالية .. أخرس الله لسان المنافق الطاغية ..

حزنت من حزنها ..ثم تبسمت مسليا وتاليا لكتاب ربيَ ذكرتها وذكرت نفسي يوم القيامة حيث لا تخفى خافية .. عندها يقتص الله من كل باغ وكل معاند ومتكبر ومن كل طاغية .. كفكفت الدمعة وترسمت البسمة وذكرت الله مزيل كل هم ونقمة ..

فقالت أتدري ما يسليني ويبهج مقلتي ويسعد خاطري ويجعلني ضاحكة ؟ قالت : أن كل كلمة خرجت تطعن في حبيبة أحمد الحميراء عائشة ترفع قدرها وتجزل أجرها وترفعها للمقامات العالية .. ولا يضر السحاب نبح كلاب عاوية ..

وأستغفر الله من كل زلة وكل كلمة كانت خاطئة ..



الميمان النجدي