أذكر ونحن صغار (أيام الأتجرافات) .. أني كنت إذا أعطيت إحدى صديقاتي (طبعاً في الابتدائي) ذلك الدفتر .. يكتبون لي كلام واحداً معهود (ويبدو أنه لازال قائماً معتليا على جميع العبارات) :
اكتب لك بالمقلوب علامة .... وأكتب لك باللأحمر وأكتب لك بالأزرق والأصفر والـ..........
وأهم شيء لابد أن يذيل (الخطاب) بـ(I love you )
ولم يكن مهما أن تكون الإملاء صحيحا أو العبارة مرتبطة ببعضها .. المهم أن كلمة ( love) لم يكن أحد منا يخطأ في كتابتها ..
حتى أني كنت أعلم أن المعنى هو (أحبك) لكن لو سألني أحد ما معنى I أو you لأجبت بكل سهولة بهز الأكتاف..
وطبعاً كان يعد من يعرف بعض الكلمات الإنجليزية (إنسان خطير) عند السطحيين .. فيُغرس ذلك في النفوس ، ويتسابق هؤلاء لتعليم أبناءهم أكبر قدر ممكن من الكلمات (الرطناء)!!!
فتحية أطفالهم (hi) وكفارة مجالسهم (see you) و (bye)
وكل ما تقدم السن كل ماازدادت المصصطلحات ..
ومن أكبر المحاسن على هؤلاء أنهم أصبحوا أكثر ذوقاً وأفضل تعاملاً .. لأنهم يحاكون الشعوب (المهذبة المؤدبة)بـ ( excuse me ) و(thank you) و (sorry)
وكأن إسلامنا لم يربنا على الاستئذان والاعتذار و (جزاك الله خيرا)
حتى وصلت ألسنتهم إلى حالة (يرثى) لها
فلاهم بالعرب المتمسكون بلغة قرآنهم ، ولاهم عجم متسمكون باعجميتهم ..
أذكر كنت أتحدث مع إحدى الأخوات اللاتي مسخت ألسنتهن ، وقلت لها : يبدو أن حصيلتك من هذه الكلمات كبيرة ، ثم ابتسمت وقلت لها: يبدو أن المادة الإنجليزية لاتمثل لك عائق في دراستك ، ضحكت وقالت لي : تصدقين يا عذبة الروح أني كل مستوى (أحمل) مادة الإنجليزي!! ودخلت بعد عبارتها معها في نقاش طويل ..
استفدت منه بأن خرجت منه ببعض الأسباب التي أدت إلى انتشار (الرطانة) في مجتمعاتنا .. وأهمها:
1- الانهزامية في الشخصية .. والشعور بالنقص
2- الاعتقاد السائد بأنها لغة العصر ، وأن من لا يتحدثها لايستطيع التأقلم مع المجتمعات الأخرى ، خاصة وأنها لغة الأسواق والمطاعم والمطارات …
3- الجهل بمكانة اللغة العربية ، وأنها شعار للإسلام ولغة القرآن كما يقول ابن تيمية -رحمه الله-.
4- غياب المعنى والهدف الأسمى من تعلم اللغات الأجنبية ((الدعوة إلى الله )) أو حتى الإفادة منها بما ينفع الأمة باعتبارها وسيلة لمخاطبة الدول الغربية لمن يتعامل معهم ..
5- الانبهار بالحضارة الغربية والانجذاب إليها .
6- التبعية للمجتمعات الغربية وحب التقليد
7- أثر الاحتلال الغربي بسكان بعض الدول العربية الإسلامية التي نشأت تحت وطأته .
وقد أحسن شيخنا الفاضل الدكتور ناصر العقل حين قال:
((فإن طلاب المدارس التي تفرض فيها اللغات الأجنبية اليوم ، هم أضعف في اللغة العربية ، في حين أنهم لم يكتسبوا من اللغات الأخرى شيئاً يذكر ، فهم كالمنبتِّ : لاظهراً أبقى ولا أرضاً قطع ، كما أنها تشكل عبئاً ثقيلاً ، وشبحاً مخيفاً أمام أغلب الطلبة))
وتأملوا معي تعليقه شيخ الإسلام ابن تيمية على موضوع الرطانة الذي تحدث عنه في كتابه اقتضاء الصراط المسقيم فقال :
(أما التكلم بغير العربية لغير الضرورة فإن السلف كانوا يكرهونه أشد الكراهية ، وينهون عنه ، ولهم في ذلك أقوال معروفة .. وكانوا يرون أن العربة من مستلزمات الدين ، وغيرها من [b]شعارات النفاق لذلك لما فتحوا الأمصار سارعوا إلى تعليم أهلها العربية حتى سرت سريان النور في الظلام ، رغم صعوبة ذلك ومشقته.)
و يكفينا نهي عمر رضي الله عنه حين قال : (إياكم ورطانة الأعاجم)
هذا مالدي حالياً
ولي عودة لبقية الأسباب والعلاج ..
ولا نستغني عن آرائكم .. لأنها في الحقيقة مشكلة نواجهها في كثير من المجتمعات ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الروابط المفضلة