السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كريم الشاذلي
الآن ظهر خطؤك..
أعتقد أنك قد أحسست بحجم الكارثة التي ارتكبتها.
لم يعد لك حجة لقد خسرت..
يجب أن تعترف بخطئك حالاً
هذه العبارات النارية، تؤكد أنك قد فزت في معركتك على محاورك.
و لكن....! ! !
ترى.. هل تعني كذلك فوزك بقلبه و صفائه نحوك؟؟؟!
لا أظن؟؟؟
إن من تمام ذكاء المحاور، أن يجعل للطرف الآخر فرجة يخرج منها إذا أحس بخطأ منطقه كي يحفظ ماء وجهه.
فالطامح في كسب قلوب الآخرين لا يبحث عن الضربة القاضية، و لا يدفع محاوره إلى ركن الحلبة كي يضيق عليه الحصار، بل يترك له مساحات تساعده في أن يعود إلى الصواب، بدون أن يشعر بالحرج و الإحباط.
إن الشخص عندما يدرك أن ظهور خطئه سيجعله عرضة للسخرية و التهكم، و سيظهره بمظهر الضعيف المتخاذل، يصر على تبني وجهة النظر الخاطئة، و يدافع عنها بإلحاح شديد، و يرفض النزول على الرأي الصواب الذي سيظهره بمظهر شائن.
كالجندي في المعركة الذي ما إن يرى نفسه محاصراً، إلا و يهرب من ذل الأسر و الخنوع إلى الموت.
فيحمل سلاحه و يحارب في شراسة.. و قد يقتل و يجرح.
و إذا كان قانون الحرب يطالب بحصار العدو.. فقانون الحب يطالب بفتح الثغرات، كي ينفذ منها المرء محافظاً على ماء وجهه، حتى و إن ظن أن تلك الثغرة باب رحب و بأنه فتحها بذكائه، و حسن تدبيره!!
ذات يوم و الإمام البنا – رحمه الله – يلقي على أبناء فكرته درساً إيمانياً قام الأستاذ التلمساني – رحمه الله-، و قال له: يا شيخ، إن الحديث الذي قلته آنفاً حديث ضعيف، فقال له الأستاذ: سأبحث عنه إن شاء الله لأقف على مدى صحته، جزاك الله خيراً، يقول الأستاذ عمر- رحمه الله-: و اكتشفت و أنا أقرأ ذات يوم أن الحديث قد ورد في صحيح البخاري، و عرفت وقتها أن الشيخ لم يشأ أن يخطِّأني حتى لا يجرح كبريائي أمام نفسي و أمام إخواني.
إن القلوب العظيمة تتغافل حيناً، بل و تتغابى إذا لزم الأمر، يقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- " لا زال التغافل من شيم الكرام".
و يقول الشاعر:
ليس الغبي بسيد قومه لكن سيد قومه المتغابي
إن الواحد منا، لا يحب أن يظهر ضعفه و خطأه أمام الناس، و يحاول الهروب يمنة و يسرة عن مصيدة الخطأ و الزلة، و يكون أكثر استعداداً لقبول الحق ما دام أن هذا الحق لم يبنى على أطلال كرامته و كبريائه.
لا بأس إذن في أن نمنح للآخرين باباً يخرجون منه إذا شعروا بالخطأ..
إن منطقة الكرامة في النفس الإنسانية منطقة شديدة الحذر، يجب التعامل معها برحابة صدر كبيرة.
و الآخرون يحفظون لأصحاب هذا الفهم حسن صنيعهم، و يحملون لهم مشاعر الحب و التقدير و الامتنان.
الروابط المفضلة