22
كان المحل كبير جداً من الداخل ويحوى من الموديلات والألوان المبهجة ما أعجز عن حصره .. كل ثانية تمر علىّ وأنا أتطلع مشدوهة لكل شىء كطفلة تخطو لمدينة الألعاب للمرة الأولى فى حياتها .. وكلما تأملت فيما حولى زاد يقينى أن لا شىء منها سيناسبنى أبداً .. نظرت لرضوى التى تتفحص كل شىء بعين خبيرة .. لاشك أنها ستجد ما يناسبها هنا .. فقوامها ممتلىء قليلاً لكنها ليست ضخمة مثلى أبداً ..
نظرت رضوى حولها قبل أن تسأل موظفة المحل فى ثقة
- أين أثواب السهرة من فضلكِ؟
أشارت لها الفتاة إلى الدور العلوى .. وجدت رضوى تسحبنى من يدى لنصعد سوياً للدور العلوى حيث ملابس السهرة
آية ملابس سهرة! .. هل تمزحين يا رضوى .. أوتظنين أن تلك الملابس قد صُممت لترتديها فاتن!
انقطعت أفكارى وأنا أحدق بصدمة فيما يحويه هذا المكان
تلك الملابس البراقة التى لم أرها إلا على شاشة التلفاز حيث ترتديها نجمات المجتمع وهؤلاء الذين يسكنون الجزء الآخر من العالم ذلك الذى يبعد كثيراً جداً عن عالمى البسيط
- مدام رضوى .. ماذا نفعل هنا؟
- ماذا بكِ يا فاتن .. لدينا حفل كبير ويجب أن نستعد له ونشترى ملابس للسهرة
- لكن يا مدام رضوى تلك الملابس لن تناسبنى .. فأنا .. أعنى كما ترين ... أقصد أ ...
ضحكت رضوى وهى تنظر لى ولارتباكى الواضح
- لا عليكِ حبيبتى .. ليست كل الموديلات للنحيفات فقط .. هناك ما يناسبنا أيضاً
لماذا تجمعينا فى كلمة واحدة يا رضوى أنا وأنتِ لا يمكن نكون فى خانة واحدة فيما يخص المقاسات
- يمكنكِ أن تجدى ما يناسبك بسهولة يا مدام رضوى لكن مستحيل أن أجد أنا ما يناسينى أنا متأكدة من ذلك
لم يبدو على رضوى أنها سمعتنى وهى تمسك بيدها ثوب ما وتضعه بين يدى وهى تشير نحو غرفة تغيير الملابس وتقول
- هيا يا فاتن اذهبى لتجربى هذا الثوب
نظرت للثوب الأنيق فى بلاهة
- هيا يا فاتن هناك الكثير لنشتريه لا تضيعى الوقت
لم أتمكن من الاعتراض ورضوى تدفعنى نحو الغرفة دون أن تمنحنى الفرصة لقول أى شىء حول استحالة دخول جسدى داخل هذا الثوب الجميل .. لن يقبل الثوب بذلك أبداً
وجدتنى داخل الغرفة التى هى عبارة عن مرايا عملاقة تحيطنى من كل إتجاه .. وتعلمون كم أن علاقتى بالمرايا سيئة جداً .. وأننى أكرهها بل أعتقد أنها تكرهنى كذلك .. فكيف بها وهى تحيطنى بهذا الشكل المفزع .. فكرت أن أخرج لرضوى وأخبرها أن هذا الثوب لا يناسب مقاسى لكنى خشيت أن تكشفنى بسهولة كما هى عادتها .. نظرت للثوب .. كان رائعاً فعلاً وما دامت رضوى وجدت أنه يناسبنى فلم لا أجربه؟
أغمضت عينى عن المرآة وأنا أبدل ملابسى حتى لا أرى ما أكره منى .. فتحت نصف عين فقط لأعرف كيف يرتدون مثل هذا الثوب .. حسنا لقد عرفت .. مستحيل .. توقعت أن ينحشر الثوب عند منطقة ما من جسدى لكننى وجدته ينزلق بنعومة حتى يغطى قدمىّ!
أنا ... داخل ... ثوب ... سهرة
سأفقد الوعى قبل أن أرى كيف أبدو .. فتحت عينى لأواجه المرآة .. أغمضتهما من جديد ثم أعدت فتحهما .. ماهذا .. بل من هذه؟ .. تحركت نحو المرآة الكبيرة ونظرت لها بدهشة .. مددت يدى نحو زجاجها اللامع وحركتها على سطحها .. تلك ليست صورة .. إلا لو كانت صورة تتحرك ويصدف أنها ترتدى ذات الثوب الذى اختارته لى رضوى
تراجعت برعب مستحيل هذه ليست أنا .. الثوب ينسدل على جسدى بانسيابية عجيبة .. لا توجد مناطق تبرز بسخافة .. لا تضاريس شاهقة تفسد مظهره .. كيف صنعوا هذا الثوب السحرى .. لقد أخفى جسدى داخله وأظهره بمظهر رائع جداً .. أنا لا أعرفنى وأنا داخله .. أنا لا أصدق .. أسرعت لباب الغرفة وفتحته ببطء وأنا أنادى على رضوى .. جائت رضوى بسرعة .. دخلت وأغلقت الباب وهى تنظر لى بانبهار وتقول
- يا إلهى .. كم تبدين فاتنة يا فاتن
- حقاً يا مدام رضوى .. أنا لا أصدق أننى أرتدى ثوب سهرة .. لم أحلم بهذا من قبل بل لم أجرؤ
- لم يا حبيبتى .. إنه يليق بكِ بشدة
- كيف هذا .. أنا كنت متأكدة أنه لن يناسينى
- أنتِ بحاجة لبعض الثقة فى نفسك عزيزتى .. أنتِ جميلة ومميزة .. ورائعة جداً فى هذا الثوب .. أم هل تجربين آخر ربما ....
- لا يا مدام رضوى .. أنا أحببت هذا الثوب كثيراً
- حسناً بدلى ملابسك وتعال لنكمل مشترياتنا .. هيا
نظرت لنفسى لمرة أخرى وأنا أدور حول نفسى وأضحك كالأطفال .. ثم بدلت الثوب وارتديت ثوبى وحملت الآخر معى إلى الخارج
انتقت رضوى ثوباً رائعاً أيضاً .. كانت بالفعل خبيرة فى تلك الأمور التى أجهل أنا عنها كل شىء .. كنت أنتقى فقط ما يخفى جسدى دون أن أختاره بعناية واهتمام .. لم أفعل ذلك أبدا يوماً ما
انتقلنا بعدها إلى عدة محال .. أصرت رضوى أن تنتقى لى ملابس جديدة للعمل ذات ألوان زاهية لم أرتديها من قبل .. وكلها كانت رائعة جداً ومحتشمة فى ذات الوقت .. لقد تطلعت للمرآة عشرات المرات وأنا ابتسم لها .. دون أن أكرهها أو أكره نفسى أيضاً
الآن نحن داخل أحد محال الأحذية .. ترى هل سيتحقق الحلم القديم .. هل يمكن أن أجد حذاء ذو كعب عال يقبل أن أرتديه أنا .. وجدتنى أسأل رضوى
- هل سأرتدى الكعب العالى؟
- بالطبع يا عزيزتى .. ثوب السهرة لن يكون أنيقاً إلا بالكعب العالى
اخترنا حذاء رائعا من نفس لون ثوب السهرة الخاص بى وقمت بتجربته ببطء وقلبى يخفق خوفاً .. لكن لدهشتى
وجدت قدمى تسكنه بسهولة كبيرة ودون أن تنثنى أصابعى داخله أو يبرز كاحلى منه .. كان الأمر بسيطً جداً إنه مقاسى!!!
اخترت أيضاً ألوان مختلفة لأحذية تناسب ملابسى الجديدة وحقائب يد أيضاً .. وواحدة للسهرة تناسب الثوب والحذاء
كانت تلك هى أكثر لحظات حياتى سعادة .. لم أشعر بتلك السعادة من قبل .. لم أدلل نفسى بهذا القدر من قبل .. كنت أظن أن الطعام وحده هو القادر على منحى تلك السعادة الكبيرة .. ظننته المتعة الباقية لى فى تلك الحياة .. لكننى اكتشفت الآن كم كنت مخطئة .. الاهتمام بالنفس واحتياجاتها أكثر متعة بكثير .. هناك أمر تذكرته .. لقد قلت شهيتى كثيراً فى الفترة الماضية .. لم أعد أذهب للعمل بحقيبة من الشطائر .. ولم أعد أتناول الحلوى كالسابق .. لم أعد ألتهم المسليات وأنا أشاهد التلفاز .. أتناول وجباتى الرئيسية فقط .. لقد أثرت وحدتى علىّ وعلى شهيتى بشكل كبير .. لقد نجحت فى ذلك الذى يسمونه الدايت دون أن أشعر .. هذا يفسر جداً أن الثوب الجميل كان مناسباً لى .. لقد أخفى ثوبى الواسع جداً الذى أرتديه دوماً تلك التغييرات التى طرأت على جسدى ..
كانت جولتى مع مدام رضوى مرهقة جداً ورائعة جداً أيضاً .. لقد اشترينا أشياء كثيرة حتى لم يعد بإمكاننا حمل الأكياس العديدة التى تحوى ما لم يخطر ببالى أن أشتريه يوماً .. وخاصة تلك المنتجات الخاصة بالاهتمام بالبشرة والشعر وبعض أدوات التجميل والإكسسوارات و .... و...
من قال أن التسوق يسبب السعادة هو محق جداً
يالسعادتكِ يا فاتن!!
يُتبع
إن شاء الله
الروابط المفضلة