باهتة تمر الأيام..
يسيطر علينا ذلك الشعور المموّه الضبابي.
شعور أشبه بمن نهض من على سريره بتثاقل بعد محاولات طويلة لاستجلاب النعاس إلى عينيه، بلا فائدة تذكر.
ثم حاول تبديد ذلك الشعور بقراءة كتاب اشتراه منذ أمد قريب، بنى عليه آمالا عظيمة، ليكتشف أنه مجرد كتلة كبيرة من المصطلحات المبتذلة الخالية من المضمون.
أتراه السأم الذي بات يحيطنا بتلك الهالة العجيبة من اللامبالاة تجاه كل شيء؟
أم ترانا اعتدنا على الألم حتى فقد معناه في نفوسنا؟
أيًا كان الأمر، لا يهم..
تمضي بنا الأيام، نستيقظ كل صباح، محملين بعشرات المهام التي يجب علينا إنجازها..
يحيطنا ذات الشعور الرمادي الباهت، ننجز مهامنا بسرعة، أو ببطء، لم يعد الأمر مهما في الواقع، ففي كل الحالات نشعر كما لو أن متعة القيام بتلك المهمات قد انتزعت من قلوبنا!
نشعر كمن يتناول طعاما شهيا في أشد مراحل زكامه قسوة، أي لذةٍ تلك التي يبحث عنها؟
تماماً كذلك المسكين، نبحث عن الدواء، بلا جدوى.
نفتح التلفاز، أو نتصفح الجرائد، فتصفعنا بأخبارها كعادتها، تخوننا كعادتها، تنتزع منّا إنسانيتنا شيئا فشيئا.
تصفعنا كل يوم بالدماء، والقتل، والشهداء، والخلافات، والنزاعات..
وتمتص منّا الإحساس بالمصائب.
تمنحنا السأم، وتسحب منا الحياة ببطء، رويدا رويدا.
فما عدنا نتعامل مع أخبار البشر الذين يقتلون، بل مع أخبار الأرقام التي تقتل.
نتعرض للأخبار يوميا، بقصد أو بغير قصد، لنتعذب أكثر، ولنفقد الإحساس بالألم في الوقت ذاته!
كلما سمعنا الأخبار، أو قرأناها، شعرنا بالضعف أكثر، وبالحيرة أكثر.
وكلما تركناها، اغتالنا شعور التأنيب والذنب.
تائهون نحن، نقف على حوافّ الأشياء، نأخذ من كل شيء نصفه..
نأخذ من الألم نصفه، لأننا نراه عبر الشاشات، ونقرأه في الصفحات، ثم إذا ما حاولنا أن نمنحنه اهتمام أكثر لنقنع أنفسنا أننا نؤدي ما علينا..
انتزعنا منه نصف الانشغال..
فنؤدي ما علينا بسأم، بنصف تركيز ونصف اهتمام، لنعود إلى نصف الألم، أو ربما نصف فرح في بعض الأيام.
نكتشف في كل يوم أننا نفقد الإحساس،
تقتلنا أنصاف الأشياء..
ترهقنا نصف حياة.
الروابط المفضلة