الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ...

قال تعالى : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً " [ الإسراء : 23 -24 ] .
قال القرطبي : " قَضَى " أَيْ أَمَرَ وَأَلْزَمَ وَأَوْجَبَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة : وَلَيْسَ هَذَا قَضَاء حُكْم بَلْ هُوَ قَضَاء أَمْر ... فَالسَّعِيد الَّذِي يُبَادِر اِغْتِنَام فُرْصَة بِرّهمَا لِئَلَّا تَفُوتهُ بِمَوْتِهِمَا فَيَنْدَم عَلَى ذَلِكَ . وَالشَّقِيّ مَنْ عَقَّهُمَا ، لَا سِيَّمَا مَنْ بَلَغَهُ الْأَمْر بِبِرِّهِمَا " .
وَقَالَ تعالى : " أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك إِلَيَّ الْمَصِير " [ لُقْمَان : 14 ]
قال القرطبي : " قِيلَ : الشُّكْر لِلَّهِ عَلَى نِعْمَة الْإِيمَان , وَلِلْوَالِدَيْنِ عَلَى نِعْمَة التَّرْبِيَة .
وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : مَنْ صَلَّى الصَّلَوَات الْخَمْس فَقَدْ شَكَرَ اللَّه تَعَالَى , وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ فِي أَدْبَار الصَّلَوَات فَقَدْ شَكَرَهُمَا " .
عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيّ الْعَمَل أَحَبّ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : " الصَّلَاة عَلَى وَقْتهَا " قَالَ : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : " ثُمَّ بِرّ الْوَالِدَيْنِ " قَالَ ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : " الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه " .
وفي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ مِنْ الْكَبَائِر شَتْم الرَّجُل وَالِدَيْهِ " قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه ؛ وَهَلْ يَشْتُم الرَّجُل وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ " نَعَمْ . يَسُبّ الرَّجُل أَبَا الرَّجُل فَيَسُبّ أَبَاهُ وَيَسُبّ أُمّه فَيَسُبّ أُمّه " .
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَغِمَ أَنْفه رَغِمَ أَنْفه رَغِمَ أَنْفه " قِيلَ : مَنْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْد الْكِبَر أَحَدهمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُل الْجَنَّة " .
وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْوَالِدَيْنِ ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَغِمَ أَنْف رَجُل ذُكِرْت عِنْده فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ . رَغِمَ أَنْف رَجُل أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْد الْكِبَر أَوْ أَحَدهمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّة . وَرَغِمَ أَنْف رَجُل دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَان ثُمَّ اِنْسَلَخَ قَبْل أَنْ يُغْفَر لَهُ " .

هالني ما قرأته في هذا الإعلان الذي نشر في جريدة " البلاد " - الأحد 18/9/1428هـ الموافق 30/9/2007م عدد رقم (18590) - ، وكدت أبكي من شكوى الأب المكلوم في أبنائه الذين عقوه عند كبره .
إنها حالة غريبة - ربما تحدث لأول مرة في بلادنا - أن يقوم أبٌ بإعلان البراءة من أولاده بسبب عقوقهم له ، لقد سمعنا في هذه الأزمان عن ما أشد من حالة هذا الأب ، فمنهم من طعن أمه ، ومنهم من أحرق أباه ، وغيرها من القصص المحزنة التي قضى فيها أحد الوالدين نحبه على يد فلذة كبده العاق المنكر لحق والديه . اللهم أعنا على البر بالوالدين ، ورد شيء من جميلهما علينا .