كانت ساعة الحائط تُشير الى الثامنة مساءاً عندما فرغا من طعام العشاء،اتجه الى غرفة التلفاز
وأخذ يقُلب في المحطات الفضائية واتجهت هي الى غرفتها وألبست ابنتها الصغيرة، تمددت
على اريكة في الصالة وابنتها واقفة بجوارها تتأمل الدموع التي في عينيها قبلتها قائلة:
أمي لماذا تبكين هل اغضبك أبي؟ ..
إكتفت بالنظر اليها لكن الطفلة أخذت تُحملق في وجهها بحيرة، ضمتها على صدرها بهدوء قائلة:
لا يابنتي لم يغضبني لكني ابكي من ألم في رأسي ..
هل أتي لك بالدواء الذي تستعملينه عندما يؤلمك رأسك؟
لا ياحبيبتي سوف أخذ منه فيما بعد
نادى عليها بصوت أجش ورائحة لفافته تتسلل الى الصالة…رابية أين انت هل أتي وأجلس
معك أو تأتي إلي هنا..
لم ترد عليه
رابية الا تسمعيني؟
بل سمعتك ولكن دعني أرجوك
أنت وشأنك، نجلاء تعالي
نظرت الطفلة اليها..هل أذهب؟
نعم أذهبي أليه.. ركضت الطفلة صوب الغرفة المُعبقة برائحة الدخان وقامت بمعانقة ابيها ملتقطة الجهاز من يده وأخذت تُقلب في المحطات، تركها أمام الجهاز واتجه إلى الصالة جلس بجوارها وأخذ يهمس في أذنها..حبيبتي رابية ألا تعترفين أنني احبك
صامته
بالله عليك دعي عنك هذا الاسلوب في الحياة ودعينا نتمتع بحياتنا،أرجوكِ لا تكوني سبباً في تعاسة ابنتنا..
نظرت اليه قائلة: ماالذي تُريد ان اعمله
آه أخيراً تكلمت.أُريد أن يكون أسلوبنا في الحياة واحد
لم أفهم
أنت تعرفين جيدا
إعتدلت في جلستها قائلة له: حسناً أتي اليك لأعيش اسلوبك في الحياة أم تأتي لتعيش معي أسلوب حياتي
ألست تقولين دائماً لتلميذاتك أن على المرأة طاعة زوجها فهو جنتها ونارُها..
ضحكت بعمق قائلة له: أفصح عما تُريد قوله أيها الزوج المُخلص ..
ماذا تقصدين بكلمة مُخلص ..
ماالغرابة في ذلك أقصد أنك مُخلص ..
وهل تشكين في إخلاصي لك؟
لا ياعزيزي لا أشك في ذلك البته.. بل أعترف انك تُحبُني أشد من حُبك للفافة تبغك هذه
أراكِ عدتِ الى أسلوبك الذي اعرفه في الحديث معي، كلما أردت التفاهم معك لوضع
الحلول لحياتنا المزدوجة تُخاطبينني بالألغاز والكلمات المُبهمة.. رابية إرحمي حُبي لك..
إكتفت بالنظر أليه وهي صامته..
رابية حبيبتي الجميلة لا تقتليني بصمتك هذا
وماالفائدة في نقاشنا لهذا الموضوع هل تعرف اننا لكثرة تردادنا له قد اهترئ،هل نسيت اننا نتناقش فيه منذ زواجنا ؟
اصرارك وعنادك هو سبب ذلك كله
هل تصدق ياعامر أنني بدأت اقتنع انني لن أستطيع أن أُغيرك إلا اذا شاء الله، قد تأكد لي أنك مؤمن بأسلوب حياتك الذي تعيشه، كم انت مُعجب بحسن صنعتك
ماهذا الكلام أرحميني أيتها الواعظة الخرقاء ألم أقل لك انه لا يحلو لك الكلام معي إلا بالألغاز والعبارات المُبهمة
حسناً أعدُك انني لن أتناقش معك في هذا الموضوع مرة أخرى.
وضحي كلامك
لن تفهمني ولن أفهمك وهي النتيجة المعروفة مُسبقا كلما طرحنا موضوعنا المهترئ هذا للنقاش
قام من أمامها ممسكاً برأسه راكعاً على ركبتيه أمامها مقترباً بوجهه من وجهها وأخذ يُخاطبها بعنف.. أيتها المرأة الجامدة هل تشعرين بالمتعه وانت ترينني أتعذب معك في حياتي ..
لا أدري من منا يتعذب، أرجوك دعني لوحدي ..
قام من أمامها واتجه إلى غرفة النوم مُغلقاً الباب وراءه، إستلقى على السرير وأشعل لفافة تبغ
ركضت الصغيرة صوب أمها وجلست بجوار قدميها ناظرة اليها بعينين ينفذ منهما الحيرة والخوف قائلة لها:أمي لماذا أبي يصرخ هكذا؟..هل انت غاضبة عليه؟
أكتفت بالنظر اليها والشرود يكسو ملامحها ..
أمي هل انت غاضبة عليه لأنه يشرب السيجارة ولا يستعمل الفرشاة ومعجون الأسنان؟
إبتسمت اليها إبتسامة باهتة ولم يزل الحزن مُلقياً بظلاله الكئيبة على وجهها..
فتح باب الغرفة ..خرج ومن خلفه رائحة التبغ،ألقى نظرة عليها وعلى ابنته،جلس بجوار ابنته معطيً أياها صفحة خده لتطبع عليها قُبلة،تأملت خده قائلة له:أبي هُناك شعرات بيضاء..
خاطبها بحنق قائلاً : مالك ولها..قبلة هيا.. طبعت قُبلة باردة على خده
إقترب بوجهه من وجه زوجته مبتسماً ابتسامة عريضة يفوح من خلالها رائحة التبغ، أخذ يُغني لها.. من حبوبي أنا.. رد علي وقول..
نفضت يداه عنها ناظرة اليه بعينين مليئتان بالكراهية والقرف والاشمئزاز واتجهت لغرفة النوم مُغلقة أياها بشدة ...
خيم صمت موحش عليه وعلى ابنته التي أخذت تنكت في الارض بأ صبعها حيناً وناظرة اليه حيناً أخر..
خاطب ابنته قائلاً: ... مارأيك يانجلاء في أمك؟
إكتفت بالنظر أليه وهي في صمتها وحيرتها
قامت بفتح الباب ثم قامت بسحب أبنتها لداخل الغرفة مُغلقة الباب، لم يطل مكوثها داخل الغرفة
غادرتها وقد إرتدت هي وابنتها ملابس الخروج، غادرت المنزل مُغلقة الباب ورائهابعنف..
كانت الساعة تُشير الى العاشرة مساءاً بعد مغادرة زوجته وابنته المنزل بحوالي ساعة
وذلك عندما رن جرس الهاتف، كان مستغرقاً في مشاهدة محطة فضائية..
رفع سماعة الهاتف ناظراً الى الساعة المُعلقة على الحائط أمامه:
دقيقة في المواعيد
هل تُعجبك دقة المواعيد؟
ليس دائماً ولكن معك تعجبني
أنت بمفردك في البيت أليس كذلك؟
هو كذلك أيتها المراقبة الجميلة
رأيتها تخرج منذ ساعة تقريبا ومعها ابنتك
تقصدين من؟
رابية حبيبتك
صامتاً
هل ان اعرف من صمتك انها حبيبتك
نعم أنني أُحبُها
هل تعتقد أنني سوف أغار منها
بدأت أشعر بذلك
أنت مخطئ يجب عليك أن تُحبُها إنها زوجتك
صامتاً ..
أُصارحك القول.. أُقدر فيك إخلاصك لها ..
أتهزئين بي أيتها الشقية؟ ذات الصوت الجميل، سبق وأن عقدت إتفاقاً بيني وبينك وأفهمتك انها حبيبتي وأنت عشيقتي..
لا زلت أذكر ذلك الاتفاق وسوف أحرص علي تنفيذه بكل إخلاص، لكن الا تظن إنك بذلك تُعرض حبك معها للضياع بسبب علاقتي معك؟
كيف؟
وهل تعتقد أنها سوف تكون سعيدة وتطير فرحا إذا عَلِمت بعلاقتك مع إمراة غيرها ؟
اطمئنك انها لن تعرف ذلك ولن تطير فرحا ..
أخشي ان تُصبح يوماً عشيقتك بدلاً من حبيبتك
وهل سيأتي ذلك اليوم
وماالذي يجعلك تظن انه لن يأتي
كم حاولت أن أجعل ذلك ولكني فشلت
لعل العيب فيك
بل منها
كيف؟
هُناك عقبة كؤود تقف في طريقنا
ألم تستطيعان تجاوزها؟
كانت اكبر مني ومنها
هل لي أن أعرف صفة هذه العقبة الكؤود
ومالكِ انت وهذه العقبات، هذه الأمور تخص حبيبتي ولا دخل لعشيقتي فيها..بالله عليك متى يجمع اللقاء بيننا؟
لن أقول لك حتى تخبرني عن هذه العقبة الكؤود
الا ترين أنكِ بأسئلتك هذه تُنغصين علينا حُبنا؟
إذا لم تُخبرني لن أستمر في حُبي معك ولن تراني
حسناً هي تصر على التعامل معي بأسلوب قديم لا يناسب العصر
لم أفهم
يكفيك هذه المعلومة ودعينا نتحدث في أمور أخرى تهمنا
تقصد أنها متزمتة ومُعقدة
تقريباً
أما حاولت أن تعيش معها في أسلوبها هذا؟
هل تمزحين!؟
إني جادة
هل أعجبكِ أسلوبها هذا الذي تعيشه
أي أسلوب؟
أن تكوني مطوعة مثلها
ياساتر إنني أحب الأنطلاق والتمتع بمباهج الحياة ولذائذها
هل هذا الذي دفعك لأقامة صداقة معي؟
نعم
وكيف عرفت أنني أتقمص طبيعتك
عند لقائنا سوف أخبرك.. دعنا نعود إلى رابية ألم تُحاول أن تغير من طبائعها؟
لم أستطع
هل سافرت معك للخارج؟
مرة واحدة تشاجرنا فيها سويا
أنت أم هي سبب ذلك
وماالذي يهمك في ذلك؟
أريد أن أعرف؟
بالله عليك دعينا من ذلك
ها، هي أم أنت؟
إن ظللت على أسلوبك هذا سأغلق الخط
أعدك أنه أخر سؤال
وعد..
وعد
هي السبب لأنني أعرف كيف أعيش حياتي وأتمتع بها
حسناً سافي بوعدي ولن أسألك عنها بعد ذلك
ها متى نلتقي؟
متى شئت أنا حاضرة
أين؟
هل تحب السفر؟
جداً جداً
مارأيك أن نلتقي في الخارج..هل تُحب البحر؟
وماعلاقة البحر بذلك؟
أجبني أولا.. هل تُحب البحر؟
ليس كثيرا أجمل منظر له عندي عندما أراه من بعيد
أيها الجبان سأجعله تحت قدميك مباشرة
وكيف سيكون ذلك أيتها الشقية؟
حسناً سأوضح لك ذلك..كم كنت أتمنى أن أعيش قصة حب وأنا في سفينة تشق مياه البحر الزرقاء أستمتع بساعات حُبي مع من أُحبه ونقف ليلاً على سطحها نستمتع ببريق النجوم وظلمة الكون من حولنا(لم تستطع أن تُكمل من البكاء)..
نعم نعم ماالذي يبكيك أيتها العشيقة الحالمة!؟
أنا أسفة ولكنها كانت أمنيتي منذ زمن بعيد لم أستطع أن أُحققها.. أعدك أني لن أفعل ذلك ثانية ..
أصارحك القول أيتها العشيقة الباكية أنه قد ازداد غموضك لي
أعدك أنني لن أكون هكذا مرة أخرى وسأغرقك بصراحتي وجرأتي وذكائي..
لكني أخشى أن تغرقيني في البحر قبل ذلك ..
أسمع جيداً أيها العاشق هناك عبارة فخمة ستبدأ أول رحلة لها بعد يومين من مرفأ جدة متجهة إلي مرفأ ضباء وسوف تتوقف هناك لساعات قليلة ثم تُكمل رحلتها إلى الغردقة سأكون أنا على متنها. ..
قاطعها قائلاً: إنتظري إنتظري أيتها العاشقة البحرية لم أستوعب ماقلتيه
أفهم من ذلك أنك لن تحقق لي حلمي الجميل إذن لتكن هذه أخر مكالمة بيننا وسأغلق الخط
بالله عليك إنتظري هذا الكلام الذي تقولينه أسطورة
ماذا تقصد؟
أقصد أولاً أنني أخاف من البحر ثانياً لم أفكر يوماً أن أمتطي ظهره بالرغم من حب رابية له والحاحها الدائم لي ان نسافر في رحلة بحرية وذلك لشدة خوفي من ركوب البحر ..
هل أفهم من ذلك أنك لن تحقق لي أمنيتي هذه ؟..
هل أنت جادة فيما تقولين؟
إعلم أن لم توافق على ذلك فستكون هذه أخر مكالمة بيننا
حسناً دعيني أُفكر
بدون تفكير
ولماذا البحر؟ الطائرة أسرع وأجمل
بل البحر أمتع وأجمل
هل ستحقق لي أمنيتي هذه أم أُغلق الخط
أمري إلى الله البحر البحر
شكراً أيها العاشق الولهان
عفواً أيتها العاشقة الجبارة..هل أن أعرف كيف سنلتقي؟
إسمعني جيداً السفينة ستغادر مرفأ جدة بعد غد إلي مرفأ ظباء وبعد توقفها ساعات قليلة سوف تُغادر متجهة إلى مدينة الغردقة عندها سوف تراني وأراك ويحدث أمتع لقاء ..
حلو مخططك هذا ولكن كيف لي أن أعرفك؟
يتبع
الروابط المفضلة