مقاطعة قريش لبنى هاشم وبنى المطلب
كتابة الصحيفة وما تم فيها
المحرم سنة سبع من البعثة – 617 م
رأت قريش أن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد نزلوا بلدا أصابوا به أمناً واستقراراً ، وأن النجاشى قد منع وحمى من ألجأ إليه ، وأن عمر قد أسلم وأعلن على الناس إسلامه ، ولم يرض عن استخفاء المسلمين
المقاطعه وكتابة الصحيفة
وإزاء ذلك كله فكرت قريش فى طريقة جديدة تفسد بها على محمد وصحبه غايتهم ، وتقضى بها على المسلمين ومن يناصرهم ويتعصب لهم من بنى هاشم وبنى المطلب فاتفقت على مقاطعتهم مقاطعة تامة ، فلا يتزوجون من نسائهم ولا يبيعون لهم شيئا ولا يشترون منهم ولا يخالطونهم , ولا يقبلون منهم صالحا ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للقتل ، وسجلوا هذه القرارات فى صحيفة ختمت بأختام وعلقت فى جوف الكعبة تاكيداً لاحترامها فيكون الخروج عليها أو عدم الوفاء بها بما فيها بمثابة الخروج على العقيدة الموروثة.
وكانوا يعتقدون أن سياسة التجويع والمقاطعة سيكون لها من الأثر ما يحقق أغراضهم ،وإزاء تلك المقاطعة الغاشمة الجائرة انتقل كل بنى هاشم وبنى المطلب ومعهم الرسول إلى شعب كان يطلق عليه " شعب أبى طالب " بظاهر مكة يعانون الحرمان ألوانا حتى بلغ من سوء حالهم أن أكلوا أوراق الأشجار ولم يتخلف من بنى هاشم إلا أبو لهب الذى أسرف فى تعصبه للأصنام ، وفجر فى بغضه للإسلام ، فلم يرع للقرابة حرمة ، ولا للرحم مودة .
واستمرت هذه المقاطعة المروعة ثلاث سنوات متتابعة لم يجرؤ أحد منهم خلالها أن يدخل مكة.
ولقد خفف عن الرسول وصحبه قسوة المقاطعة ، انها لم تنفذ على الأشهر الحرم ثم إنه كانت تصلهم فى بعض الأوقات مساعدات سرية كالتى كان يقوم بها ( حكيم بن حزم ) ابن أخى خديجة إذ كان يحمل إليهم الطعام فى ظلام الليل إلى حيث يقيمون فى شعبهم
وكذلك أحس بعض القرشيون بفظاعة ما أرتكبوه من ظلم وقسوة واتفقوا على نقض حلف المقاطعة ، ومن هؤلاء ( هشام بن عمرة القرشى ) كان يأتى بالبعير محملا بالطعام فيسير به ليلا حتى يدخله الشعب عليهم ، و ( زهير بن أمية ) الذى ذهب فى الصباح إلى الكعبة ، فطاف بالبيت ، ثم نادى فى الناس " يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم وبنو المطلب هلكى ؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة " وأيده فى هذا الرأى بعض العقلاء من القوم ، وجن جنون أبى جهل فى ذلك الوقت وكاد نزاع يقع لولا أن أبا جهل خاف سوء العاقبة فلم يفعل شيئا
ما تم فى الصحيفة
وعلم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن ( الأرضة ) " وهى النمل الأبيض " أكلت الصحيفة ولم يبق منها إلا " باسمك اللهم " واستبشر أبو طالب حيراً مما حصل للصحيفة وعزم على الاستفادة مما حدث لها ، فحرج فى عدد من بنى هاشم إلى الكعبة بين أمل يدفعه ورجاء يترقبه للخلاص من هذا الحصار والتخلص من هذه المحنة ، وهناك خاطب الحاضرين من رؤساء قريش قائلا : ( قد وصلنى أن وثيقتكم قد اكلتها الحشرات ، فاكشفوا عنها حتى إذاتحقق قولى كان عليكم أن تكفوا مقاطعتكم ، وإن لم يتحقق فإنى أعدكم بتسليم ابن أخى ) ، فوافقه الحاضرون من رؤساء قريش على اقتراحه ، وكشفوا عن الوثيقة فوجدوها كما قال أبى طالب قد انمحت كل الكتابة التى كانت عليها هذا ذكر ( باسمك اللهم ) فتهلل وجه أبى طالب بشرا وعمت وجوه المشركين كآبة ، وأخذ كثير منهم يفكلا فى صمت ، وخيم عليهم حزن عميق
ثم دخل أبو طالب بمن معه الكعبه ، وتضرع إلى الله ان يرفع اذى قريش وشرها ، وأن يكشف عن محمد وآله السوء ويخلصهم من تآمر قريش وعنادها ، ثم قفل راجعاً إلى الشعب
وقد تشجع بهذه الحادثة هؤلاء الذين عقدوا النية على نقض الصحيفة ، فذهبوا إلى بنى هاشم وبنى المطلب فى مكان حصارهم وطلبوا منهم أن يرجع كل إلى بيته فى مكة آمناً
وكان رجوعهم فى السنة العاشرة من البعثة وكان رجوعاً عزيزا
إذ به تأييد الرسول أيما تأييد
وشعروا معه ان الله يؤازر محمداً وحزبه ويخذل قريشاً وباطلها
حالة الدعوة فى هذه الفترة
كانت قريش ترجو من وراء هذه المقاطعة أن يعتزل محمد قومه ليصبح وحيدا ويزول خطر دعوته ، ولكن الأمر كان على عكس ما فهموا فلقد ازداد المسلمون إيماناً على إيمانهم وكان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى زمن المقاطعة ينتهز فرصة أشهر الحج فيخرج بين العرب وقبائلها ، مما جعل الإسلام ينتشر ذكره فى شبه الجزيرة العربية بعد أن كان حبيساً بين جبال مكة ، فلقد رجعت وفود الجيج إلى بلادهم تحمل خبر ظهور نبى اسمه محمد يدعو إلى الإسلام وترك عبادة الأصنام
صلى الله عليه وسلم
الروابط المفضلة