انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 15 من 18 الأولىالأولى ... 51112131415161718 الأخيرالأخير
عرض النتائج 141 الى 150 من 172

الموضوع: ๑ تمهــيد || دمــــعة مــــــــوحد -1- || ومــقدمــــــــــــة ๑

  1. #141
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى
    التواب جل جلاله (2)
    * بقلم / خالد بن محمد السليم

    الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أكرم خلقه أجمعين وبعد :
    فمن أعظم آثار هذا الاسم الشريف أن يصبح الإنسان ويمسي معترفا بذنبه مشفقا منه خائفا من ربه تائبا إليه فلا يتناسى ذنبه مهما طال عهده به فالتناسي شأن من لم يعبأ بالذنب ولم يكترث منه ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) بل يجدد توبته كلما ذكر الذنب ولا يتهاون به وإن صغر فلعل في تعظيم حق الله وإجلاله ما يكفر به خطاياه.
    ملحا على مولاه بالتوبة راجيا قبوله لها فلا يكون آخر عهده بالتوبة بُعيد معصيته فلعل قبول التوبة لم يحن بعد , ولربما أخرت توبته ليعلم الله صدقه فيها ؛ فهؤلاء الثلاثة الذين لهم من الحسنات والصحبة والجهاد والنصرة وتمام الطواعية لله ورسوله. حين تخلفوا عن غزوة واحدة فقط , ثم اعترفوا بذنبهم وأنابوا إلى ربهم , وبلغ بهم من عظيم الندم ؛أن ضاق عليهم كل شيء حتى أنفسهم لم يبق فيها متسع لهم , في حال رهيبة من الحزن , مع صدق الالتجاء إلى الله أن يتجاوز عنهم ؛أتراهم تيب عليهم في يومهم أو في أسبوعهم أو في شهرهم ؟!إنها خمسين ليلة من التضرع والبكاء وأحدهم لم يزل باكيا منذ يومه ذاك ليس به حراك إلى شيء , وهم في وجلأن ترد توبتهم ؛ ليعلم العبد بعد ذلك كله أن توبة الله لا تكون إلا للصادقين وحدهم (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)) [التوبة]
    قال الحسن رضي الله عنه :" يا سبحان الله ! والله ما أكلوا مالا حراما ولا أصابوا دما حراما ولا أفسدوا في الأرض غير أنهم أبطأوا عن شيء من الخير والجهاد في سبيل الله وقد - والله - جاهدوا وجاهدوا وجاهدوا فبلغ منهم ما سمعتم فهكذا يبلغ الذنب من المؤمن"[1]
    فليست التوبة كلمات تقال ولا مشاعر عابرة بل هي حال تخالط القلب فتجعله في كل أحواله منيبا أوابا أواها عندئذ ينال ما وعده الله للمنيبين (وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)) [سورة ق]
    ومن أراد صدق توبته فليعمل على البعد عن كل ما يعيده إلى معصيته , وليحرس توبته من أن تطولها يد تفسدها عليه .جاعلا من معصيته حافزا للمسارعة في الخيرات وعمل الصالحات والإكثار من الحسنات فإنهن مذهبات للسيئات ؛فالله سبحانه ذكر أخذ الزكاة من أموالهم في ثنايا الحديث عن التائبين ونبه في معرض كلامه عن قبوله للتوبة أنه يأخذ الصدقات ؛ وفي هذا إشارة ـ والله أعلم ـ أن مما يعين على قبولها أن يبذل معها العبد شيئا من حر ماله برهانا على الصدق فيها (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)) , وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ قَالَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ... ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ))[2]
    وتوبة الصادقين ليست عن ذنوب جنتها أيديهم فقط بل هم يتعاهدونها كلما عرضت لقلوبهم غفلة طلبا لنقائها وحرصا على صفائها ومن ذلك قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي , وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه فِي الْيَوْم مِائَة مَرَّة )[3],وتراهم يتوبون من طاعاتهم يا سبحان الله! أطاعة يتاب منها كيف يحصل ذلك؟ نعم..لأن طاعتهم لا تليق في نظرهم لمقام ربهم فهم أحقر في نفوسهم من أن يبلغوا كمال مراده فهاهم بعد ليل قضوه سجدا وقياما يستغفرونكأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون )
    " فمن عجز عن مسابقة المحبين في ميدان مضمارهم فلا يعجز عن مشاركة المذنبين في استغفارهم و اعتذارهم . صحائف التائبين خدودهم , و مدادهم دموعهم قال بعضهم : إذا بكى الخائفون فقد كاتبوا الله بدموعهم"[4] وأشرف أوقاتها عند نزول التواب إلى السماء الدنيا (( ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأجيب دعوته إلى أن ينفجر الفجر ))[5]
    "نحـن الــذين إذا أتانا سـائل ... نوليه إحسانا و حسن تكرم
    و نقول في الأسحار هل من تائب ... مستغفـر لينـال خير المغنم
    كان بعض الصالحين يقوم الليل فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته يا أيها الركب المعرسون أكل هذا الليل ترقدون ألا تقومون فترحلون فإذا سمع الناس صوته و ثبوا من فرشهم فيسمع من هنا باك , و من هنا داع, و من هنا تال , و من هنا متوضىء فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى
    يا نفس قومي فقد نام الورى ... إن تصنعي الخير فذو العرش يرى
    و أنت يا عين دعي عنك الكرى ... عند الصباح يحمد القوم السرى" [6]
    قال الأحنف بن قيس : عرضت نفسي على القرآن فلم أجدني بآية أشبه مني بهذه الآية (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم)[7]
    ومن صدقت توبته عظمت عند الله محبته (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وكان ساعة إذ من المفلحين (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ (67)) ونال دعوات المقربين من الملائكة وحملة العرش (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(9) ) [غافر] .فأصبح من أهل الجنة الفائزين (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) )
    (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:128]
    ( اللهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَبَارِكْ لَنَا في أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا )[8].

    */ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم . قسم السنة
    16/1/1429
    --------------------------------------
    [1] الدر المنثور 4 /315
    [2] الترمذي في الإيمان ح 2541 قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
    [3] وَالْمُرَاد هُنَا مَا يَتَغَشَّى الْقَلْب , قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : الْمُرَاد الْفَتَرَات وَالْغَفَلَات عَنْ الذِّكْر الَّذِي كَانَ شَأْنه الدَّوَام عَلَيْهِ , فَإِذَا أَفْتَرَ عَنْهُ أَوْ غَفَلَ عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا , وَاسْتَغْفَرَ مِنْهُ
    [4]لطائف المعارف :43
    [5] متفق عليه واللفظ لمسلم
    [6] لطائف المعارف :43
    [7] الدر المنثور 4 / 278
    [8] أبو داود في الصلاة ، باب التشهد 1/254 (969) ، تمام المنة ص225




    التواب جل جلاله

    خالد بن محمد السليم

  2. #142
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى

    التواب جل جلاله (2)

    التواب جل جلاله (2)
    * بقلم / خالد بن محمد السليم

    الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أكرم خلقه أجمعين وبعد :
    فمن أعظم آثار هذا الاسم الشريف أن يصبح الإنسان ويمسي معترفا بذنبه مشفقا منه خائفا من ربه تائبا إليه فلا يتناسى ذنبه مهما طال عهده به فالتناسي شأن من لم يعبأ بالذنب ولم يكترث منه ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) بل يجدد توبته كلما ذكر الذنب ولا يتهاون به وإن صغر فلعل في تعظيم حق الله وإجلاله ما يكفر به خطاياه.
    ملحا على مولاه بالتوبة راجيا قبوله لها فلا يكون آخر عهده بالتوبة بُعيد معصيته فلعل قبول التوبة لم يحن بعد , ولربما أخرت توبته ليعلم الله صدقه فيها ؛ فهؤلاء الثلاثة الذين لهم من الحسنات والصحبة والجهاد والنصرة وتمام الطواعية لله ورسوله. حين تخلفوا عن غزوة واحدة فقط , ثم اعترفوا بذنبهم وأنابوا إلى ربهم , وبلغ بهم من عظيم الندم ؛أن ضاق عليهم كل شيء حتى أنفسهم لم يبق فيها متسع لهم , في حال رهيبة من الحزن , مع صدق الالتجاء إلى الله أن يتجاوز عنهم ؛أتراهم تيب عليهم في يومهم أو في أسبوعهم أو في شهرهم ؟!إنها خمسين ليلة من التضرع والبكاء وأحدهم لم يزل باكيا منذ يومه ذاك ليس به حراك إلى شيء , وهم في وجلأن ترد توبتهم ؛ ليعلم العبد بعد ذلك كله أن توبة الله لا تكون إلا للصادقين وحدهم (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)) [التوبة]
    قال الحسن رضي الله عنه :" يا سبحان الله ! والله ما أكلوا مالا حراما ولا أصابوا دما حراما ولا أفسدوا في الأرض غير أنهم أبطأوا عن شيء من الخير والجهاد في سبيل الله وقد - والله - جاهدوا وجاهدوا وجاهدوا فبلغ منهم ما سمعتم فهكذا يبلغ الذنب من المؤمن"[1]
    فليست التوبة كلمات تقال ولا مشاعر عابرة بل هي حال تخالط القلب فتجعله في كل أحواله منيبا أوابا أواها عندئذ ينال ما وعده الله للمنيبين (وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)) [سورة ق]
    ومن أراد صدق توبته فليعمل على البعد عن كل ما يعيده إلى معصيته , وليحرس توبته من أن تطولها يد تفسدها عليه .جاعلا من معصيته حافزا للمسارعة في الخيرات وعمل الصالحات والإكثار من الحسنات فإنهن مذهبات للسيئات ؛فالله سبحانه ذكر أخذ الزكاة من أموالهم في ثنايا الحديث عن التائبين ونبه في معرض كلامه عن قبوله للتوبة أنه يأخذ الصدقات ؛ وفي هذا إشارة ـ والله أعلم ـ أن مما يعين على قبولها أن يبذل معها العبد شيئا من حر ماله برهانا على الصدق فيها (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)) , وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ قَالَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ... ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ))[2]
    وتوبة الصادقين ليست عن ذنوب جنتها أيديهم فقط بل هم يتعاهدونها كلما عرضت لقلوبهم غفلة طلبا لنقائها وحرصا على صفائها ومن ذلك قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي , وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه فِي الْيَوْم مِائَة مَرَّة &nbsp[3],وتراهم يتوبون من طاعاتهم يا سبحان الله! أطاعة يتاب منها كيف يحصل ذلك؟ نعم..لأن طاعتهم لا تليق في نظرهم لمقام ربهم فهم أحقر في نفوسهم من أن يبلغوا كمال مراده فهاهم بعد ليل قضوه سجدا وقياما يستغفرونكأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون )
    " فمن عجز عن مسابقة المحبين في ميدان مضمارهم فلا يعجز عن مشاركة المذنبين في استغفارهم و اعتذارهم . صحائف التائبين خدودهم , و مدادهم دموعهم قال بعضهم : إذا بكى الخائفون فقد كاتبوا الله بدموعهم"[4] وأشرف أوقاتها عند نزول التواب إلى السماء الدنيا (( ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأجيب دعوته إلى أن ينفجر الفجر ))[5]
    "نحـن الــذين إذا أتانا سـائل ... نوليه إحسانا و حسن تكرم
    و نقول في الأسحار هل من تائب ... مستغفـر لينـال خير المغنم
    كان بعض الصالحين يقوم الليل فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته يا أيها الركب المعرسون أكل هذا الليل ترقدون ألا تقومون فترحلون فإذا سمع الناس صوته و ثبوا من فرشهم فيسمع من هنا باك , و من هنا داع, و من هنا تال , و من هنا متوضىء فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى
    يا نفس قومي فقد نام الورى ... إن تصنعي الخير فذو العرش يرى
    و أنت يا عين دعي عنك الكرى ... عند الصباح يحمد القوم السرى" [6]
    قال الأحنف بن قيس : عرضت نفسي على القرآن فلم أجدني بآية أشبه مني بهذه الآية (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم)[7]
    ومن صدقت توبته عظمت عند الله محبته (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وكان ساعة إذ من المفلحين (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ (67)) ونال دعوات المقربين من الملائكة وحملة العرش (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(9) ) [غافر] .فأصبح من أهل الجنة الفائزين (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) )
    (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:128]
    ( اللهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَبَارِكْ لَنَا في أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا )[8].

    */ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم . قسم السنة
    16/1/1429
    --------------------------------------
    [1] الدر المنثور 4 /315
    [2] الترمذي في الإيمان ح 2541 قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
    [3] وَالْمُرَاد هُنَا مَا يَتَغَشَّى الْقَلْب , قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : الْمُرَاد الْفَتَرَات وَالْغَفَلَات عَنْ الذِّكْر الَّذِي كَانَ شَأْنه الدَّوَام عَلَيْهِ , فَإِذَا أَفْتَرَ عَنْهُ أَوْ غَفَلَ عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا , وَاسْتَغْفَرَ مِنْهُ
    [4]لطائف المعارف :43
    [5] متفق عليه واللفظ لمسلم
    [6] لطائف المعارف :43
    [7] الدر المنثور 4 / 278
    [8] أبو داود في الصلاة ، باب التشهد 1/254 (969) ، تمام المنة ص225




    التواب جل جلاله

    خالد بن محمد السليم

  3. #143
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى
    للهم لك الحمدأنت المستعان على كل نائبة ، وأنت المقصود عند كل نازلة ، لك عنت وجوهنا وخشعت لك أصواتنا ، أنت الرب الحق ... وأنت الملك الحق ... وأنت الإله الحق .
    أنت المدعوّ في المهمات ، وإليك المفزع في الملمات ، لا يندفع منها إلا ما دفعت ، ولا ينكشف منها إلا ما كشفت .
    ونصلي ونسلم على أشرف رسلك وخاتم أنبيائك وعلى الآل والصحب ومن تبعهم بإحسان . أما بعد ؛ فإن من حكمة الله أن يبتلى عباده بألوان من الهموم والأمراض والمصائب ؛ ليسألوه ، ويقفوا بين يديه ، فيجدوا رباً غنياً غير فقير ، وقريباً غير بعيد ، وعزيزاً غير ذليل لأن الابتلاء يسوق الإنسان إلى ربه سوقاً ، يتوسل إليه ويدعوه فيجده ربه قريباً مجيباً فيعرف العباد له قدرته وكرمه ورحمته وحكمته . ذلك هو اسم الله المجيب : ( إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) [هود:61] .
    مجيب السائلين حملت ذنبي *** وسرت على الطريق إلى حماكا
    ورحت أدق بابك مستجيراً *** ومعتذراً ... ومنتظراً رضاكا
    دعوتك يا مفرج كل كرب *** ولست ترد مكروباً دعاكـا

    وفي خضم الحياة المادية يحتاج المؤمن إلى ملجئ يأوي إليه ، ومعين يعتمد عليه ، وقوي جليل يتقوى بقواه ، وعظيم كبير يحتمي بحماه ومفتاح ذلك الدعاء .
    تسقط القوة ، وتعيا الحيلة فليس إلا الدعاء ...
    تضيق الدنيا بأهلها حتى كأنها سم الخياط فليس إلا الدعاء .
    بالدعاء تحل عقد المكاره ، ويفل حد الشدائد ، وبه يلتمس المخرج ، ومعه تفتح أبواب الفرج .
    إن الدعاء معين من الخير لا ينضب ، ومدد من العون لا ينفد ؛ لأنه باب العطاء العظيم والله سبحانه يحب الداعين ولا يخيب السائلين !
    إنه المُجِيب الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء .
    إنه المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه ، ويكشف السوء عن عباده ويرفع البلاء عن أحبائه .
    كل الخلائق مفتقرة إليه ، ولا قوام لحياتها إلا عليه ، لا ملجأ لها منه إلا إليه ،وجميع الخلائق تصمد إليه وتعتمد عليه [1] ، ولكن الله حكيم في إجابته ، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال ، أو يلطف بعبده باختياره الأفضل لواقع الحال ، أو يدخر له ما ينفعه عند المصير والمآل ، لكن الله تعالى يجيب عبده حتماً ولا يخيب ظنه أبداً كما وعد وقال وهو أصدق القائلين (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [البقرة:186] ، وقال : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [غافر:60]
    إنه الإله العظيم القريب المجيب ... يدعى لكشف الضر ؛ فترسل السماء ماءها وتخرج الأرض بركاتها وزهرتها ...
    خرج رجل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فقال يا رسول الله : هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا . قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، فقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا . قال أنس : ولا والله مانرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار . قال : فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت .قال : والله مارأينا الشمس ستاً ، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائماً ، فقال : يارسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل فادع الله يمسكها . قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ثم قال : اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال والآجام والضراب والأودية ومنابت الشجر . قال : فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس ) [2]. )
    وفي كتاب ( الفرح بعد الشدة ) للتنوخي أن امرأة بالبادية ، جاء البرد فذهب بزرع كان لها، فجاء الناس يعزونها ، فرفعت طرفها إلى السماء ، وقالت : اللهم أنت المأمول لأحسن الخلف ، وبيدك التعويض عما تلف ، فافعل بنا ما أنت أهله ، فإن أرزاقنا عليك، وآمالنا مصروفة إليك . قال: فلم أبرح، حتى جاء رجل من الأجلاء ، فحدث بما كان ، فوهب لها خمسمائة دينار .
    إنه الإله العظيم الكريم المجيب ... يدعى ويؤمل لصلاح القلب ، فتذهب عن النفوس شدتها ، وعن القلوب قسوتها، ويبتهل إليه لشفاء السقيم ومغفرة الذنب العظيم ، فيشفى المرض ويغفر الذنب .
    إنه مجيب السائلين صاحب العطايا ، ومنزل البركات ...
    وفي ساعات الاضطرار واليأس من كل قريب ، وانقطاع الأسباب عن كل مجيب فالله هو الذي ( يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (النمل:62) .
    أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب : (( المجابين )) عن الحسن – رحمه الله – أنه قال : كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبا مغلق وكان تاجراً يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق وكان ناسكاً ورعاً فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح . فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك ! قال : فما تريد إلى دمي فشأنك والمال ؟ قال : أما المال فلي ، ولست أريد إلا دمك . قال : أما إذا أبيت فذرني أصلى أربع ركعات قال صلى ما بدا لك فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال : يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعالاً لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام ، وبملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني ، يا مغيث أغثني ، يامغيث أغثني ، يا مغيث أغثني ، فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه ، فقال : قم ، فقال : من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم ، فقال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت فسمعت لأبواب السماء قعقعة ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله . قال الحسن فمن توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب [3]. )
    فإذا كنت في كرب وشدة فإن الفرج موصول بالدعاء فإنه سبحانه نعم المجيب ( ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ) ، ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (الأنبياء:76) .
    وإذا كنت في ضر ومرض وألم فلا تضن على نفسك بالدعاء فبه يكشف الضر وبه يزول : (وأيوب إذ نادى ربه أني مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:84) .
    وإذا دفعت إلى شدة شديدة ، وخوف عظيم ، لا حيلة لك فيها، ، فالجأ إلى الصلاة والدعاء ، وأقبل على التضرع والبكاء ، وأسأل الله عز وجل تعجيل الفرج فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول : ( لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش الكريم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم ) [4] .)
    وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ قال : بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها )[5] . قال ابن مسعود : ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث بالتسبيح (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء:88) )
    وفي كتاب ( الفرج بعد الشدة ) أن الوليد بن عبد الملك بن مروان كتب إلى صالح بن عبد الله المزني، عامله على المدينة، أن أنزل الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فاضربه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسمائة سوط.
    قال: فأخرجه صالح إلى المسجد، ليقرأ عليهم كتاب الوليد بن عبد الملك، ثم ينزل فيضرب الحسن، فبينما هو يقرأ الكتاب، إذ جاء علي بن الحسين عليهما السلام ، مبادراً يريد الحسن، فدخل والناس معه إلى المسجد، واجتمع الناس، حتى انتهى إلى الحسن فقال له: يا ابن عم، ادع بدعاء الكرب . فقال : وما هو يا ابن عم قال: قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين [6]. قال: وانصرف علي، وأقبل الحسن يكررها دفعات كثيرة. فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل عن المنبر، قال للناس: أرى سحنة رجل مظلوم، أخروا أمره حتى أراجع أمير المؤمنين، وأكتب في أمره . ففعل ذلك ، ولم يزل يكاتب ، حتى أطلق . قال: وكان الناس يدعون ، ويكررون هذا الدعاء ، وحفظوه . قال: فما دعونا بهذا الدعاء في شدة إلا فرجها الله عنا بمنه . )
    اللهم إليك نفزع ، وعليك نتوكل ، وإياك نستعين .
    سبحانك لا مغلق لما فتحت ، ولا فاتح لما أغلقت .
    سبحانك لا ميسر لما عسرت ، ولا معسر لما يسرت .
    اللهم اجعل لنا وللمستضعفين من المؤمنين من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ومن كل بلاء عافية . دعوناك كما أمرتنا ، فاستجب لنا كما وعدنا وأنت القريب المجيب ، لا نخيب ونحن لك راجون ، ولا نذل ونحن بابك واقفون ، ولا نفتقر ونحن لك قاصدون .

    */ كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم - الدراسات العليا
    22/2/1429

    -------------------------------
    [1] ينظر : الاعتقاد للبيهقي ص60 ، والأسماء والصفات للرضواني ص88 بتصرف واختصار .
    [2] متفق عليه : رواه البخاري برقم 967 ، ومسلم برقم 898 من حديث أنس رضي الله عنهما .
    [3] قال الإمام ابن القيم في الجواب الكافي ص7 :وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله أو حسنة تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكراًَ لحسنته أو صادف الدعاء وقت إجابة ونحو ذلك فأجيبت دعوته فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء فيأخذه .
    [4] أخرجه البخاري في صحيحه ( 5/ 2336 برقم 5986 ) .
    [5] أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/391 برقم ( 3712)
    [6] يقال في هذا الدعاء مثل ما قاله الإمام ابن القيم في الدعاء السابق فإن الوارد في دعاء الكرب هو الحديث المعروف في حاشية (4) .




    إن ربي قريب مجيب

    ماجد بن أحمد الصغير

  4. #144
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى
    القَابِضُ الباسط جل جلاله (1)

    عظم نورك ربنا فهديت فلك الحمد , وبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد , وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد , والصلاة والسلام على الرحمة المهداة وآله وصحبه , وبعد
    فقد ورد هذان الاسمان في صحيح السنة ففي سنن أبي داود وابن ماجه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني عن أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ : ( قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلاَ السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ ، وإني لأَرْجُو أَنْ أَلْقَي اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ ) [1]
    فالباسِطُ سبحانه : هو الذي يَبْسُط الرزق لعباده بجُوده ورحمته ، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته ، فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته ، والقابِضُ سبحانه : هو الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن العِبادِ بلطفه وحِكمته فيُضَيِّقُ الأسباب على قوم ويُوَسِّع على آخرين ابتلاء وامتحانا ، فإن شاء وسع وإن شاء قتر فهو الباسط القابض ، فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر فإن خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى[2] كما قال تعالى : {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} [الحجر :21] فعطاؤه ومنعه تابع لعلمه بعباده وما يصلحهم وما يفسدهم ,ولذا كثيرا ما يقرن ربنا سبحانه بسط الرزق والتضييق بالعلم والخبرة ؛ كما قال تعالى : (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الشورى:12]،وقال (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) [الإسراء: 30 ]
    وأخبرنا سبحانه عن وجه الحكمة في عدم بسط الرزق والتضييق الذي يقع على العبد أو على الجماعات أحيانا فقال : (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ) [الشورى:27] .
    وقد ظنت يهود أن منع الله لهم بخلاً منه سبحانه أو فقراً تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً فكذبهم ولعنهم , وتوعدهم بالخزي والعذاب ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) [المائدة :64]
    (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) [ آل عمران :181 -182 ]
    وعطاؤه سبحانه وبسطه لعبده في الأرزاق والأموال , والأولاد من أعظم ما يمتحن به عباده ويبتليهم به وقد ظن بعض المعرضين المكذبين للرسل أن ذلك لكرامتهم على الله , وأنه اصطفاء منه لهم فأخبر سبحانه أن عطاءه ليس الدليل على رضاه { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) [سبأ :34ـ 37]
    ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ) [ المؤمنون : 55-56] قال ابن كثير : " يعني: أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا؟! كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم: { نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ:35] ، لقد أخطؤوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجًا وإنظارًا وإملاء؛ ولهذا قال: { بَل لا يَشْعُرُونَ } ، كما قال تعالى: { فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة: 55] "[3]
    والباسط سبحانه أيضا : هو الذي يبسط يده بالتوبة لمن أساء ، وهو الذي يملي لهم فجعلهم بين الخوف والرجاء ، روى مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) [4]
    ومن معاني قبضه : أنه جل وعلا يقبض الأرض بيده كما قال تعالى : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر:67] ، وعن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك ) . وفي لفظ للبخاري : ( أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم ) [5]
    " والله عز وجل يقبض القلوب بإعراضها ويبسطها للإيمان بإقبالها فيقلب للعبد نوازع الخير في قلبه ، قرينه من الملائكة يهتف له بأمر ربه ، حتى يصبح قلبه على أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، وهذا هو البسط الحقيقي والتوفيق الإلهي في بلوغ العبد درجة الإيمان ، فيجد المبسوط نورا يضيء له الجنان وسائر الجوارح والأركان ،ويَقبِضُ الأَرْواحَ عند المَمات بأمره وقدرته وقبضه تعالى وإمساكه وصف حقيقي لا نعلم كيفيته ، نؤمن به على ظاهره وحقيقته ، لا نمثل ولا نكيف ، ولا نعطل ولا نحرف ، وعلى هذا اعتقاد السلف في جميع الصفات والأفعال ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وقد تواتر في السنة مجيء اليد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله ، وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وإبليس ، وأنه سبحانه يقبض الأرض ويطوى السموات بيده اليمنى وأن يداه مبسوطتان ) [6]" [7].

    الآثار
    أولا : من اسمه الباسط
    منها: أن على من بسطت له الدنيا أن يعترف بفضل الله ومنته {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) [ يوسف :101]
    و منها: أن يبسط لسانه له بالشكر ويده بالعطاء .
    و منها: أن يعلم أنه مبتلى بهذا المال { قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [ النمل : 40]
    و منها : أن يعلم أن الموازين عند الله ليس بحسب ما بالأرصدة من المبالغ فكم ممن أعطاهم ربهم المال لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا فهذا الوليد بن المغيرة، َجَعَلْ اللَهُ له مَالاً مَمْدُوداً , وَبَنِينَ شُهُوداً, وَمَهَّدْ لَهُ تَمْهِيداً أفكان عظيما عند الله ؟! {كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [ المدثر :16 ,17 ] { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة : 3, 4] (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ) [ الليل :11 ]
    ومنها : أن يخشى أن يكون استدراجاً من الله له وقد جرت سنة الله أن أعظم ما يكون العطاء للكفرة والمكذبين حينما يشتد إعراضهم وكفرهم كما قال تبارك وتعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [الأنعام: 44] وقد كان الصالحون الذين أنعم الله عليهم يخشون أن تكون حسناتهم عجلت لهم فروى البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : ( أنه أُتِىَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ : قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّى ، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ ، إِنْ غُطِّىَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِنْ غُطِّىَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ ، وَأُرَاهُ قَالَ : وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّى ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ ، أَوْ قَالَ : أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِى حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ ) [8] .

    يتبع بإذن الله
    */ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم . قسم السنة
    7/6/1428
    ________________________________________
    [1] الترمذي في كتاب البيوع ، باب ما جاء في التسعير 3/605 (1314) ، وأبو داود في كتاب الإجارة باب في التسعير 3/272 (3451) ، وابن ماجه في كتاب التجارات ، باب من كره أن يسعر 2/741 (2200) ، وأحمد في المسند 3/286 (14089) ، وانظر تصحيح الألباني في غاية المرام ص194(323) .
    [2] شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص241 ، والمقصد الأسنى للغزالي ص82 . وانظر الأسماء الحسنى د/ الرضواني 2/87-88,
    [3] تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 479)
    [4] مسلم في التوبة ، باب قبول التوبة من الذنوب4/2113 (2759) .
    [5] متق عليه
    [6] مجموع الفتاوى 6/363
    [7] انظر الأسماء الحسنى د/ الرضواني 2/87-88,5/122- 123
    [7] البخاري في الجنائز ، باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد 1/428 (1216) .

  5. #145
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى
    القَابِضُ الباسط جل جلاله (2)
    بقلم/ خالد بن محمد السليم

    الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أكرم خلقه أجمعين وبعد :
    فقد تقدم بعض الكلام على معنى هذين الاسمين الشريفين لله وبعض آثار اسم الله الباسط
    وهنا سأتطرق لبعض آثار اسم الله القابض
    فمنها : أن يوقن العبد الذي حرم شيئا من الدنيا,ولم يقدر له مع السعي في تحصيله :
    أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه فكم عطاء كان سببا للشقاء , فلعل الله حرمه لتصفو نفسه لمولاه وتقر عينه بربه كما كان نبيه عليه الصلاة والسلام الذي جعلت قرة عينه في صلاته فلا يجد العبد لذة في سوى مرضاة الله ولا تجد نفسه سعادة ولا نعيم ولا سرور إلا بالقيام بعبوديته سبحانه , فإذا حصل للنفس هذا القدر الجليل فأي فقر يخشى معه , وأي غنى فاتها حتى تلتفت إليه, فالغنى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس) [1]
    وفي القدر خفايا أسرار ولو كشف للعبد قدره لما اختار غير ما يقضيه الله له.
    أوليس قارون قد أوتي من الملك ما كانت مفاتيح خزائنه لا يطيق حملها أشداء الرجال إلا بمشقة فكيف بالخزائن نفسها حتى تمنى السذج من الخلق ما عنده ولم يتفطنوا أن المسألة امتحان صعب عسير . فماذا كانت النتيجة ؟! اغتر قارون بملكه ونسي المنعم حتى بلغ الطغيان حده وخرج في أبهى صورة , فأراد الله أن يبين لهم حال قارون في الدنيا قبل الآخرة وأن ماله وملكه لم يزده من الله إلا بعدا فخسف به الأرض , فحينها علم المغترون عظيم الحكمة الربانية في عدم إعطائهم ما أعطي قارون , قال تعالى : (وَأَصْبَحَ الذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص:82]، "وكلامهم ندم وتوبة ورجاء ، فندموا أن تمنوا مكان قارون وزعموا أنه ذو حظ عظيم ، وتابوا إلى الله عن تمني الدنيا إلا بحقها , وأن الله حكيم في بسطها وقبضها ، وكان رجاءهم في ربهم أن يحفظهم بالإيمان وألا يجعلهم مفتونين كما فتن قارون لما بسط الله له الدنيا "[2]
    ومنها : أن يعلم العبد الذي لم يوسع ربه عليه أن الله زوى الدنيا عن كثير من أوليائه رحمة من الله بهم وحبا لهم ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة الذي لم يجد للضيف يوما في أبياته التسعة طعاما لا تمرا ولا غيره سوى الماء حتى خرج للناس فقال من يضيف ضيف رسول الله ؟!
    و دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ , وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُورًا وَعِنْدَ رَأْسِهِ أُهُبًا مُعَلَّقَةً فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدُّنْيَا وَلَنا الْآخِرَةُ)[3]
    ولم يجد يوما ما يشتري به طعاما لأهله فرهن درعه ومات بأبي هو وأمي يوم مات ولا تزال الدرع مرهونة لم يجد ما يخلص به رهنه! وهو أكرم الخلق على الله الذي لو رغب النبي في الدنيا لأعطاه ( تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) [الفرقان :10 ]
    و الفقراء هم أكثر أهل الجنة فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تَحَاجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتْ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ فَقَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) [4]

    ومنها : أنه إذا كان هذا حال أولياء الله في دنياهم وقد أعطى أعداءه من البسط في دنياهم ما لا يوصف علم حقارة الدنيا وهوانها على الله وتكشفت له على حقيقتها

    وذلك برهان على أن قدرها *** جناح بعوض أو أدق وألأم
    وأعجب من ذا أن أحبابها الألى *** تهين وللأعداء تراعي وتكرم
    وحسبك ما قال الرسول ممثلا *** لها ولدار الخلد والحق يفهم
    كما يدخل الإنسان في اليم إصبعا *** وينزعها منه فما ذاك يغنم
    ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** على حذرمنها وأمري محكم
    ومنها : " أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء والضراء والنعمة والبلاء فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال , فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال , وأما عبد السراء والعافية الذي يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته . فلا ريب أن الإيمان الذي يثبت على محل الابتلاء والعافية هو الإيمان النافع وقت الحاجة , وأما إيمان العافية فلا يكاد يصحب العبد ويبلغه منازل المؤمنين وإنما يصحبه إيمان يثبت على البلاء والعافية, فالابتلاء كير العبد ومحك إيمانه فإما أن يخرج تبرا أحمر وإما أن يخرج زغلا محضا وإما أن يخرج فيه مادتان ذهبية ونحاسية فلا يزال به البلاء حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه ويبقى ذهبا خالصا, فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمة الله عليه في العافية لشغل قلبه بشكره ولسانه اللهم أعني على ذكرك وشكر وحسن عبادتك وكيف لا يشكر من قيض له ما يستخرج خبثه ونحاسه وصيره تبرا خالصا يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره ؟! " [5]

    ومنها : حسن التوكل على الله عز وجل من آثار الإيمان بتوحيده في اسمه القابض ، وسبب في الفرج وسعة الرزق ، فكل ما يناله العبد من الخير والعطاء فهو رزقه في سابق القضاء ، وما كتب له في اللوح سيصله بالتمام ، والمكتوب أزلا لن يكون لغيره من الخلق أبدا ، ومن ثم يصبر عند البلاء ويشكر عند الرخاء ، روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَقُولُ اللهُ تعالى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الْجَنَّةُ ) [6]

    ومنها : أن يوقن أن الذي أعطى غيره لا يعجزه أن يعطيه مثلهم ولا يمتنع عليه ذلك كيف لا وهو الذي بيده سبحانه الملك كله وعلى العبد أن يسعى في دفع الفقر عنه وليبشر ببشارة النبي وليحذر من فتنة الدنيا فليس الفقر هو الذي يخشى على العبد منه ولكنما يخاف العبد من زينة الدنيا ؛ روى لنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللهِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ : أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ قَالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ ) [7]
    قال إبراهيم بن أدهم :" طلبنا الفقر فاستقبلنا الغنى , وطلب الناس الغنى فاستقبلهم الفقر" [8]

    ومنها : أن يثني على ربه في عطائه ومنعه فالعطاء والمنع من موجبات حمده ويلهج بالدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم في أشد أيامه صعوبة وأكثره جراحا : ( لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِي عَلَى رَبِّى، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفاً فَقَالَ : اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، اللهمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ وَلاَ هَادِي لِمَا أَضْلَلْتَ ، وَلاَ مُضِل لِمَنْ هَدَيْتَ وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ ، وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ ، اللهمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ ، اللهمَّ إني أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ ، اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ ، اللهمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ ، اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا ، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ ، اللهمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رَجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ )[9][10]

    */ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم . قسم السنة
    28/6/1428
    ________________________________________
    [1] متفق عليه من حديث أبي هريرة
    [2] زاد المسير لابن الجوزي 6/246 بتصرف . وانظر الأسماء الحسنى د/ الرضواني 5/122ـــ 123
    [3] متفق عليه والقرظ: ما يدبغ به الجلد , والمصبور: المجموع على هيئة الصبرة , والأهب : القرب وهي أوعية الماء
    [4] متفق عليه
    [5] طريق الهجرتين ص417
    [6] البخاري في الرقاق ، باب العمل الذي يبتغي به وجه الله فيه سعد 5/2361 (6060) .
    وانظر الأسماء الحسنى د/ الرضواني 5/122- 123
    [7] البخاري في الجزية ، باب شهود الملائكة بدرا 4/1473 (3791) .
    [8] طريق الهجرتين ص85
    [9] عند أحمد وصححه الألباني من حديث ابن رفاعة الزرقي رضي الله عنه الذي تقدم ذكره في اسم الله القابض وفيه بتمامه أكثر من دعاء بالوصف حيث قال رضي الله عنه أحمد في المسند 3/424 ، وصححه الألباني في الأدب المفرد (699) .
    [10]وانظر الأسماء الحسنى د/ الرضواني 5/122- 123و 4 /116- 117




    القَابِضُ الباسط جل جلاله

    خالد بن محمد السليم

  6. #146
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى
    لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
    فسمى الله بهما نفسه في نص واحد من النصوص القرآنية ، قال تعالى : (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد:3] ، وورد في السنة عند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : (اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شيء وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شيء ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَليْسَ فَوْقَكَ شيء ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَليْسَ دُونَكَ شيء ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ)
    والأول سبحانه هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء ، وأولية الله تقدمه على كل من سواه في الزمان ، ومن حديث عِمْرَانَ رضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال (كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ غيرهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ ، ثُمَّ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ ) [1].
    واسم الله الأول يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعلم ، والمشيئة والقدرة والعلو والغنى والعظمة فهو لا يحتاج إلى غيره في شيء ، وهو المستغني بنفسه عن كل شيء [2]
    ومن الأولية أيضا تقدمه سبحانه على غيره تقدما مطلقا في كل وصف كمال وهذا معنى الكمال في الذات والصفات في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يدانيه ولا يساويه أحد من خلقه لأنه سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله ، والأولية وصف لله وليست لأحد سواه [3]
    كما أن الأولية في الأشياء مرجعيتها إلي الله خلقا وإيجادا وعطاء وإمدادا ، وقال : (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً علينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ )[الأنبياء:104] ، وقال : (قُل يُحْيِيهَا الذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ )[يس:79]
    والآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية فهو الآخر الذي ليس بعده شيء الباقي بعد فناء الخلق (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [سورة القصص 88] الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت كما قال تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) [سورة الرحمن /26] وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل )
    ومن معاني اسم الله الآخر أنه الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها كما ورد عند البخاري من حديث البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ) [4]
    فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر وما من أول إلا والله قبله وما من آخر إلا والله بعده فالأول قدمه والآخر دوامه وبقاؤه , فسبق كل شيء بأوليته , وبقي بعد كل شيء بآخريته فهو الأول في آخريته , والآخر في أوليته[5]

    الآثار
    منها : معرفة العبد غنى الرب من كل وجه بذاته وصفاته ، وأن كمال أوصافه أيضا أوَّلي بأولية ذاته ؛ فلم يكتسب وصفا كان مفقودا أو كمالا لم يكن موجودا ، كما هو الحال بين المخلوقات في اكتساب أوصاف الكمال .

    ومنها : إذا علم المسلم أن أصله من طين وله بداية ونهاية وحياة إلى حين ؛ أيقن أن ما قام به من الحسن مرجعه إلى رب العالمين ، وأن الفرع لا محالة سيرجع إلى أصله كما ذكر الله تعالى في قوله : (إِليْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ليَجْزِيَ الذِينَآمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالحَاتِ بِالقِسْطِ وَالذِينَ كَفَرُوا لهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَليمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ)[يونس:4]، وقال تعالى : ( وَهُوَ الذِي يَبْدأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَليْهِ وَلهُ المَثَل الأَعْلى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)[الروم:27] .

    ومنها : اعتراف العبد أن الفضل كله من الأول والآخر سبحانه وليس من نفسه ولا أحد سواه
    قال ابن القيم : " فعبوديته باسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب أو الالتفات إليها , وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته , وأنه هو المبتدىء بالإحسان من غير وسيلة من العبد إذ لا وسيلة له في العدم قبل وجوده ؛ فأي وسيلة كانت هناك وإنما هو عدم محض وقد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا , ووسمك بسمة الإيمان وجعلك من أهل قبضة اليمين فعصمك عن العبادة للعبيد وأعتقك من التزام الرق لمن له شكل وندية , ثم وجه وجهة قلبك إليه سبحانه دون ما سواه فاضرع إلى الذي عصمك من السجود للصنم وقضى لك بقدم الصدق في القدم أن يتم عليك نعمة هو ابتدأها وكانت أوليتها منه بلا سبب منك , وعليك بالمطالب العالية والمراتب السامية التي لا تنال إلا بطاعة الله فإن الله سبحانه قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد فمن أقبل إليه تلقاه من بعيد , ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد , ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد , ومن أراد مراده الديني أراد ما يريد واقصر حبك وتقربك على من سبق فضله وإحسانه إليك كل سبب منك , بل هو الذي جاد عليك بالأسباب وهيأ لك وصرف عنك موانعها وأوصلك بها إلى غايتك المحمودة , فتوكل عليه وحده وعامله وحده وآثر رضاه وحده واجعل حبه ومرضاته هو كعبة قلبك التي لا تزال طائفا بها مستلما لأركانها واقفا بملتزمها فيا فوزك ويا سعادتك إن اطلع سبحانه على ذلك من قلبك ماذا يفيض عليك من ملابس نعمه وخلع أفضاله , فمن نزل اسمه الأول على هذا المعنى أوجب له فقرا خاصا وعبودية خاصة "[6]

    ومنها: االتحقق بمعرفة اسم الله الآخر يوجب صحة الاضطرار وكمال الافتقار
    يقول ابن القيم :" وعبوديته باسمه الآخر تقتضي أيضا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية ويبقى الدائم الباقي بعدها . فالتعلق بها تعلق بعدم وينقضي , والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول ؛ فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به .كذا نظر العارف إليه بسبق الأولية حيث كان قبل الأسباب كلها وكذلك نظره إليه ببقاء الآخرية حيث يبقى " [7]
    " فكما كان واحدا في إيجادك فاجعله واحدا في تألهك إليه لتصح عبوديتك , وكما ابتدأ وجودك وخلقك منه فاجعله نهاية حبك وإرادتك وتألهك إليه لتصح لك عبوديته باسمه الأول والآخر وأكثر الخلق تعبدوا له باسمه الأول وإنما الشأن في التعبد له باسمه الآخر فهذه عبودية الرسل وأتباعهم فهو رب العالمين وإله المرسلين سبحانه وبحمده "
    وقال "ويجعل المرجعية في فعله إلى ما اختاره لعبده ، لعلمه أن الله عز وجل مالك الإرادات ورب القلوب والنيات ، يصرفها كيف شاء ، فما شاء أن يزيغه منها أزاغه ، وما شاء أن يقيمه منها أقامه ، قال تعالى : (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لنَا مِنْ لدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ)[آل عمران:8] وهو الذي ينجي من قضائه بقضائه ، وهو الذي يعيذ بنفسه من نفسه ، وهو الذي يدفع ما منه بما منه ، وما شاء لم يستطع أن يصرفه إلا مشيئته وما لم يشأ لم يمكن أن يجلبه إلا مشيئته ؛ فسبحان من لا يوصل إليه إلا به ، ولا يطاع إلا بمشيئته ، ولا ينال ما عنده من الكرامة إلا بطاعته ، ولا سبيل إلى طاعته إلا بتوفيقه ومعونته ، فعاد الأمر كله إليه ، كما ابتدأ الأمر كله منه ، فهو الأول والآخر ، والكل مستند إليه إبداعا وإنشاء واختراعا ، وخلقا وإحداثا ، وتكوينا وإيجادا ، وإبداء وإعادة وبعثا ، فله الملك كله ، هو الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده" [8] .

    ومنها : أن يظهر أثر الاسم على سلوك العبد فيظهر من محبة الأولية في طلب الخير ، وطلب الأسبقية في التزام الأمر ، وحرصه على المزيد والمزيد من الأجر ، قال تعالى في وصف عباده الموحدين :
    ( أُولئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لهَا سَابِقُونَ ) [المؤمنون:61] ، وقال سبحانه أيضا : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لنَا خَاشِعِينَ ) [الأنبياء:90]، فتجد توحيد الله في اسمه الأول باديا على العبد عند مداومته على الصلاة في أول الوقت ، عملا بما ورد عند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال : ( الصَّلاَةُ لوَقْتِهَا وَبِرُّ الوَالدَيْنِ ثُمَّ الجِهَادُ في سَبِيل اللهِ) [9] ، وكذلك حرصه على الصف الأول ومجاهدة الآخرين في استباقهم إليه ، فقد ورد عند البخاري من حديث أَبِي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لوْ يَعْلمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّل ثُمَّ لمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَليْهِ لاَسْتَهَمُوا ، وَلوْ يَعْلمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِليْهِ ، وَلوْ يَعْلمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلوْ حَبْوًا ) [10].

    ومنها : التوجه إليه وحده وعدم التفات القلب لغيره فكما أن كل الذوات فانية وزائلة إلا ذاته تعالى وتقدس فكذا لن يبقى إلا ما أريد به وجهه وكل ما كان لغيره يضمحل وهو أحد التفسيرين في قوله (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [سورة القصص 88]
    فكل الأعمال أخبر بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل [11]

    ومنها : أن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه ولا مطلوب لك وراءه ، فكما انتهت إليه الأواخر وكان بعد كل آخر فكذلك اجعل نهايتك إليه ، فإن إلى ربك المنتهى ، انتهت الأسباب والغايات فليس وراءه مرمى ينتهي إليه طريق كما يقول ابن القيم [12] .

    ومنها : أن العبد إذا علم أنه من جملة من كتب الله عليهم الفناء دعاه ذلك إلى أن يبادر بالتوبة قبل أن ينزل به ما لا طاقة له على دفعه ويقوده ذلك إلى التسليم له سبحانه حين يقضي على العبد بفوت صفقة , وخسار تجارة ؛ ويتمثل قول الشاعر :
    نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة ***** فكيف آسى على شيء إذا ذهبا .
    ولا يتسخط على الرب في قضائه حيمنا يقضى على حبيب له بموت قد كتبه على الخلائق أجمعين
    روى ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار كان بن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادى بصوت حزين فيقول أين أهلك ثم يرجع إلى نفسه فيقول ، ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [سورة القصص 88][13]

    ومنها: الدعاء بهما كما ورد عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه قال : ( اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيء ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شيء أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللهمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شيء ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شيء ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيء وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شيء ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ )[14] . [15]

    */ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم . قسم السنة
    3/4/1428

    -------------------------------
    [1] البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده 3/1166 (3019) .
    [2] الأسماء والصفات للبيهقي ص 25 .
    [3] الأسماء والصفات للبيهقي ص24, النهج الأسمى لمحمد الحمود 2/133 ,
    [4] البخاري في الدعوات ، باب فضل من بات على الوضوء 1/97 (244). انظر : أسماء الله الحسنى د محمود الرضواني1/53, 2/24 3/83. قال د محمود الرضواني : وليس بقاء أهل الجنة والنار أبدا متعارضا مع إفراد الله عز وجل بالبقاء وأنه الآخر الذي ليس بعده شيء ، لأن ما سواه باق بإبقائه إن شاء أبقاه وإن شاء أفناه ، فبقاء المخلوقات في الآخرة لا لذاتها ولكن بعطاء من الله لإكرام أهل طاعته وإنفاذ عدله في أهل معصيته ، ومن ثم فإن الله عز وجل هو الأخر الموصوف بالآخرية المطلقة ، والسلف الصالح البقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، فالخلود ليس لذات المخلوق أو طبيعته ، وإنما هو بمدد دائم من الله تعالى وإبقاء مستمر لا ينقطع.
    [5] طريق الهجرتين1/47
    [6] طريق الهجرتين 40 ,بتصرف وإختصار
    [7] طريق الهجرتين 40
    [8] السابق41 ,53 بتصرف .
    [9] البخاري في التوحيد ، باب وسمى النبي الصلاة عملا 6/2740 (7096) .
    [10] البخاري في الأذان ، باب الاستهام في الأذان 1/222 (590) أسماء الله الحسنى د محمود الرضواني 4/55 ,5/52.
    [11] تفسير ابن كثير 3/404
    [12] طريق الهجرتين 1/49 بتصرف .
    [13] تفسير ابن كثير 3/ص404 وانظر : ولله الأسماء الحسنى د يوسف المرعشلي :320-330
    [14] مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم 4/2084 (2713) .
    [15] ينظر كتاب الشيخ الدكتور أسماء الله الحسنى د محمود الرضواني5/52 , النهج الأسمى لمحمد الحمود 2/133.




    الأول والآخِرُ جل جلاله

    خالد بن محمد السليم

  7. #147
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى
    معنى التوحيد ، وأقسامه
    ما هو معنى التوحيد ؟ وما هي أقسامه ؟.

    الحمد لله
    التوحيد في اللغة : مصدر للفعل ( وحَّد ، يوحِّد ) توحيدا فهو موحِّد إذا نسب إلى الله الوحدانية ووصفه بالانفراد عما يشاركه أو يشابهه في ذاته أو صفاته ، والتشديد للمبالغة أي بالغت في وصفه بذلك .
    وتقول العرب : واحد وأحد ، ووحيد ، أي منفرد ، فالله تعالى واحد ، أي منفرد عن الأنداد والأشكال في جميع الأحوال ، فالتوحيد هو العلم بالله واحدا لا نظير له ، فمن لم يعرف الله كذلك ، أو لم يصفه بأنه واحد لا شريك له ، فإنه غير موحد له .
    وأما تعريفه في الاصطلاح فهو : إفراد الله تعالى بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء والصفات .
    ويمكن أن يعرف بأنه : اعتقاد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
    واستخدام هذا المصطلح ( التوحيد ) أو أحد مشتقاته للدلالة على هذا المعنى ثابت مستعمل في الكتاب والسنة . فمن ذلك :
    قوله تعالى : ( قل هو الله أحد ... الخ السورة ) .
    وقوله تعالى : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) البقرة/163
    وقوله : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) المائدة/73 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا
    وفي صحيح البخاري (7372 ) ومسلم ( 19 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ : " إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ "
    وفي صحيح مسلم ( 16 ) عن ابن عمر رضي الله عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةٍ : عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ )
    فالمقصود بالتوحيد في هذه النصوص كلها هو تحقيق معنى شهادة ( أن لا إله إلا اله وأن محمدا رسول الله ) ، الذي هو حقيقة دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بدليل وقوع هذه الكلمات و المصطلحات مترادفة ومتناوبة في الكتاب والسنة ففي بعض ألفاظ حديث معاذ السابق : " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " أخرجه البخاري ( 1496 ) .
    وفي رواية لحديث ابن عمر : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " أخرجه مسلم ( 16 )
    فدل هذا على أن التوحيد هو حقيقة شهادة ( أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) وأن هذا هو الإسلام الذي بعث الله به نبيه إلى جميع الثقلين من الإنس والجن والذي لن يرضى الله من أحد دينا سواه .
    قال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام ) آل عمران/19
    وقال جل شأنه : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85 .
    إذا علم هذا فليعلم أن التوحيد قد قسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام وهي :
    توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات .
    فتوحيد الربوبية : هو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء و الإماتة ، ونحو ذلك .
    وأدلة هذا التوحيد كثيرة جدا في الكتاب والسنة ، ويراجع السؤال ( 13532 ) للتعرف على بعضها .
    فمن اعتقد أن هناك خالقا غير الله ، أو مالكا لهذا الكون متصرفا فيه غير الله فقد أخل بهذا النوع من التوحيد ، وكفر بالله .
    وقد كان الكفار الأوائل يقرون بهذا التوحيد إقرارا إجماليا ، وإن كانوا يخالفون في بعض تفاصيله ، والدليل على أنهم كانوا يقرون به آيات كثيرة في القرآن منها :
    قوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون َ) العنكبوت/61
    وقوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) العنكبوت/63
    وقوله جل شانه : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون َ) الزخرف/87 ، ففي هذه الآيات يبين الله أن الكفار يقرون بأنه سبحانه هو الخالق المالك المدبر ، ومع هذا لم يوحدوه بالعبادة مما يدل على عظيم ظلمهم ، وشدة إفكهم ، وضعف عقلهم . فإن الموصوف بهذه الصفات المنفرد بهذه الأفعال ينبغي ألا يعبد سواه ، ولا يوحد إلا إياه ، سبحانه وبحمده تعالى عما يشركون .
    ولذا فمن أقر بهذا التوحيد إقرارا صحيحا لزمه ضرورة أن يقر بتوحيد الألوهية .
    وتوحيد الألوهية هو : إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولا وعملا ، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله كائنا من كان كما قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) الإسراء/23 ، وقال تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) النساء/36 ، ويمكن أن يعرف بأنه : توحيد الله بأفعال العباد .
    وسمي بتوحيد الألوهية : لأنه مبني على التأله لله وهو التعبد المصاحب للمحبة والتعظيم .
    ويسمى توحيد العبادة لأن العبد يتعبد لله بأداء ما أمره به واجتناب ما نهاه عنه .
    ويسمى توحيد الطلب والقصد والإرادة ؛ لأن العبد لا يطلب ولا يقصد ولا يريد إلا وجه الله سبحانه فيعبد الله مخلصا له الدين .
    وهذا النوع هو الذي وقع فيه الخلل ، ومن أجله بعثت الرسل ، وأنزلت الكتب ، ومن أجله خلق الخلق ، وشرعت الشرائع ، وفيه وقعت الخصومة بين الأنبياء وأقوامهم ، فأهلك المعاندين ونجى المؤمنين .
    فمن أخل به بأن صرف شيئا من العبادة لغير الله فقد خرج من الملة ، ووقع في الفتنة ، وضل عن سواء السبيل . نسأل الله السلامة .
    وأما توحيد الأسماء والصفات فهو : إفراد الله عز وجل بما له من الأسماء والصفات ، فيعتقد العبد أن الله لا مماثل له في أسمائه وصفاته ، وهذا التوحيد يقوم على أساسين :
    الأول : الإثبات : أي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى على وجه يليق بجلال الله وعظمته من غير تحريف لها أو تأويل لمعناها أو تعطيل لحقائقها .أو تكييف لها .
    الثاني : التنزيه : وهو تنزيه الله عن كل عيب ، ونفي ما نفاه عن نفسه من صفات النقص ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فنزه نفسه عن مماثلته لخلقه ، وأثبت لنفسه صفات الكمال على الوجه اللائق به سبحانه .
    ينظر ( الحجة في بيان المحجة 1 / 305 ) و ( لوامع الأنوار البهية 1 / 57 ).


    الإسلام سؤال وجواب

  8. #148
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى
    المسألة الأول : تعريف العبادة :
    هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .
    ومن أمثلتها : الصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقة والشكر ونحوها .
    فإن قيل : إذا كان كل ما يحبه الله داخلا في العبادة ، فلماذا عطف عليها غيرها كقوله تعالى : " فاعبده وتوكل عليه"[1] ؟
    قلنا : هذا له نظائر ، فهو كقوله : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى "[2] فإيتاء ذي القربى من العدل والإحسان ، فهو من عطف الخاص على العام .

    المسألة الثانية : أهميتها ومكانتها :
    تظهر أهمية العبادة وفضلها ومكانتها في أنها الغاية التي خلق الله لها الخلق . قال تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "[3] ، وبها أُرسل الرسل كما قال تعالى : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت "[4] ، وبتحقيقها يكمل المخلوق ، وهي الصفة التي وصف الله بها ملائكته وأنبيائه ونعت بها صفوة خلقه ، ووصف بها النبي صلى الله عليه وسلم في أكمل أحواله كحال الإسراء . قال تعالى : "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " [5] ، وجعل ذلك لازما له حتى الموت ، ولذلك فمن توهم أن المخلوق يخرج من العبودية بوجه من الوجوه فهو أضل الخلق وأجهلهم .
    ولو نظرنا لوجدنا أن الدين كله داخل في العبادة كما دل على ذلك حديث جبريل الطويل ، وكذلك فالدين يتضمن الذل والخضوع إضافة إلى أن العبادة في أصل معناها : الذل ، وعبادة الله تشمل الذل والمحبة غايتهما ، فإن الذل بلا محبة أو المحبة بلا ذل لا تسمى عبادة .
    والعبادة أمر اختُص الله به ، فلا يعبد غيره ، فإن جنس المحبة والطاعة الإرضاء والإيتاء لله ورسوله ، أما العبادة وما يناسبها فهي لله وحده .

    المسألة الثالثة : أقسام العباد :
    ولتقسيم العباد طرق كثيرة ، وسيتم تقسيمها باعتبار العبودية :
    1- عبد عبودية كونية : وهو مأخوذ من أن العبد مذلل لله خاضع له داخل في تصرفه ، ويدخل في ذلك الأبرار والفجار ، والمؤمنون والكفار ، سواء أقروا بها أو لا .
    2- عبد عبودية شرعية : وهو مأخوذ من أن العبد عابد لله طائع له متبع لأوامره ، وهذا هو الفرق بين المؤمنين والكفار .
    وقد ضل كثير باعتقاد أن العبادة هي النوع الأول ، وما علموا أن رأس الكفر إبليس كان مقرا بالقسم الأول حيث قال تعالى في قصته عند رفضه السجود لآدم : " رب فأنظرني إلى يوم يبعثون "[6] ، ومع ذلك فلم يدخله ذلك الجنة .

    المسألة الرابعة : الضلال في مسألة العبودية :
    إذا علم ما سبق ، فلنعلم أن للعبد مشيئة خاصة وقدرة يستطيع من خلالها اختيار الخير وعمله وترك الشر والابتعاد عنه ، ويترتب على ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا علم العبد هذا وجب عليه الأمر بالمعروف بفعل الطاعات ، والنهي عن المنكر بترك السيئات ، ثم عليه أن يوالي أولياء الله ، ويعادي أعداء الله .
    وفي هذا الباب ضل كثير من الناس ، فسووا بين الحقيقة الكونية والشرعية ، حتى وصل بهم الأمر إلى أن سووا بين الله وبين الأصنام ، بل آل بهم الأمر إلى أن سووا الله بجميع الموجودات ، وهذا أعظم الكفر والإلجاد ، فقالوا بالحلول والاتحاد حتى جعلوا العبد معبودا والمعبود عبدا ، ولو نظرنا لوجدنا أنه حتى النصارى إنما كفّرهم الله إذ قالوا بالحلول واتحاد الرب بالمسيح خاصة ، فكيف بمن جعل ذلك عاما في كل مخلوق .
    أما الناجون – وهم أهل الكتاب والسنة – فيعلمون أن الله أمر بطاعته ، ونهى عن معصيته ، فيستعينون بالله على ذلك ، ولا يتكلون على القدر ، بل يدفعون القدر بالقدر ، فبذلك نجوا وفازوا .
    وقد ضلت في ذلك فرقتين : فرقة قالت بأن العبد ليست له مشيئة أبدا ، وإنما هو مجبور على كل شيء ، وفرقة قالت : إن العبد له مشيئة مطلقة ، وما يفعله ليس مقدرا ولم يخلقه الله .
    وهذه الأصناف فيها شبه من المشركين فإن المشركين الذين كذبوا الرسول كانوا يترددون بين البدعة المخالفة لشرع الله ، وبين الاحتجاج بالقدر على مخالفة أمر الله ، وهؤلاء مثلهم ؛ لأنهم إما ابتدعوا وإما أن يحتجوا بالقدر ، وإما أن يجمعوا بين الأمرين ، ولم يكتفوا بهذا بل جعلوا ما ابتدعوه من البدع حقيقة قطعية ، وما ورد إليهم من الكتاب والسنة حقائق ظنية ، فنشأ عن هذا جهل وفساد عظيم .
    وهذا هو منشأ الضلال ، فإن أصل ضلال من ضل هو بتقديم قياسه على النص المنزل من عند الله ، وتقديم اتباع الهوى على اتباع أمر الله .
    ثم إن من هؤلاء فرقة عملوا بالطاعات المشهورة ، وتركوا المحرمات المشهورة ، لكنهم ضلوا بتركهم ما أمروا به من الأسباب التي هي عبادة كالدعاء والتوكل ظانين أن هذه من مقامات العامة دون الخاصة ، وأنهم قد وصلوا إلى مقام يشهدون معه القدر وأنه سيكون لا محالة فلا حاجة إلى ذلك .
    وهذا ضلال عظيم فإن الله قدر الأشياء بأسبابها ، فكل ما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عباده ، كما قال تعالى عن التوكل : " فاعبده وتوكل عليه "[7] ، فقرن التوكل بالعبادة .
    ومنهم أيضا طائفة عملوا بالواجبات دون المستحبات ، فنقصوا بقدر ذلك .
    وكل هذه فرق وتوجهات لا ينجو منها العبد إلا بملازمة أمر الله وأمر رسوله في كل وقت ، وهو مع ذلك يتشبث بأصلين : ألا يعبد إلا الله ، وألا يعبده إلا بما شرع .

    المسألة الخامسة : التفاضل بالإيمان :
    تبين لنا مما سبق أن العباد يتفاضلون في عبوديتهم لله تفاضلا عظيما ، ولنعلم أنهم ينقسمون في تلك العبودية إلى عام وخاص ، ولهذا كانت ربوبية الرب لهم فيها عموم وخصوص .
    وهذا يتضح في تعلقات القلب بغير الله من مال وصورة ونحوها ، ومن ذلك : تعلقه بغير الله في طلب حوائجه وقضاء أموره ، وهذا مما يضعف من عبوديته لله تعالى ، فإنه كلما قوي طمع العبد في الله وفضله ورحمته قويت عبوديته له وحريته مما سواه ،كما قيل : ( استغن عمن شئت تكن نظيره ، وأفضل إلى من شئت تكن أميره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره ) ، ولذلك فكل من علق قلبه بالمخلوقين صار عبدا لهم ، وإن كان في الظاهر أميرا أو رئيسا ، لكنه في الحقيقة مملوكا أسيرا ، بل إن ما هو فيه من الأسر أعظم من أسر البدن ، فإن المأسور بدنه مطمئن وقد يحتال للخلاص ، أما هذا فأنى له الخلاص ؟ إضافة إلى أن عبودية القلب وأسره هي التي يترتب عليها العقاب والثواب لا عبودية البدن وأسره ، فالحرية حرية القلب والعبودية عبودية القلب .
    ومن أعظم أسباب تعلق القلب بغير الله : إعراض القلب عن الله ، فإن القلب إذا ذاق طعم عبودية الله والإخلاص له لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك ، ولا ألذ ولا أمتع ولا أطيب .

    ومتطلبات العبد نوعان :
    1- ما يحتاج إليه العبد ، فهذا يطلبه من الله ، ويكون المال عنده فيستعمله وقت حاجته .
    2- ما لا يحتاج إليه العبد ، فهذا لا ينبغي أن يعلق قلبه به ، فإذا علق قلبه به صار مستعبدا له ، وربما صار معتمدا على غير الله فلا يبقى معه حقيقة العبادة لله .
    ولذلك فإن العبد إذا علق قلبه بالله أحب كل ما يحبه الله ووالاه ؛ لأن ذلك من مقتضى المحبة ، ثم كان لازما عليه تنفيذ ما أمره به محبوبه حتى يتحقق كمال المحبة ، ولذلك جعل الله لأهل محبته علامتين : اتباع الرسول ، والجهاد في سبيل الله ، ومعلوم أن الحب يحرك إرادة القلب ، فكلما قويت المحبة قويت الإرادة فحصل العمل والتنفيذ ، ولذلك فالمحبون للرئاسة والصور والمال لا ينالون مطالبهم إلا بضرر يلحقهم في الدنيا ، ومع ذلك هان عليهم الضرر في سبيل تحقيق مطلوبهم .
    ولنعلم أن القلب فقير بالذات إلى الله من جهتين :
    من جهة العبادة ، ومن جهة التوكل والاستعانة ، فالعبد مهما حصل له من الملذات لم يطمئن حتى يسكن بعبوديته إلى ربه وخالقه ، وهذا لا يحصل إلا بإعانة الله له ، ولذلك فهو يدعو دائما : إياك نعبد وإياك نستعين ، وهو مستسلم لله وحده منقاد له .
    ومن فطرة الإنسان أنه يتحرك بالإرادة ، فلا بد له من شيء يحبه ويتوجه إليه ويعبده ، فإذا لم يعبد الله فلا بد أن يعبد غيره، ومن عبد غيره كان مشركا ، وإذا أخلص العبادة لله تبرأ وابتعد عن الشرك وسبله ، وحقق العبودية التامة لله ، وهي العبودية التي أسلمت لها جميع الكائنات طوعا أو كرها ، وهي منهاج إبراهيم عليه السلام الذي أمر البشر باتباعه والاقتداء به ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى مراتب المحبة لله وهي الخلة ، وذلك أنه حقق عبودية الله حقاً ، ولكن لنعلم أنه لابد مع المحبة من الخوف والرجاء ، ولذلك قال بعض السلف : ( من عبد الله بالحب فهو زنديق ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبده بالخوف وحد فهو حروري ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد ) .
    وليست محبة الله مجرد كلام كما يقوله البعض ، بل قد امتحن الله من ادعى محبته بآية الامتحان ، فقال :" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم "[8] ، فعلّق المحبة بالاتباع ، وقد فهم ذلك أصحاب البي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا أكمل الأمة ، فمن كان بهم أشبه كان في ذلك أكمل .
    أما من زعم المحبة وهو واقع في المحرمات ، ومنغمس في البدع المضلات فقد كذّب نفسه ، ودعواه هذه من جنس دعوى اليهود والنصارى حين قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، بل ربما أشر .
    والله سبحانه يبغض الكافرين ، ويحب من يحبه ، فيحب العبد بقدر محبته له وإن كان جزاؤه لعبده أعظم ، وكلما ازداد العبد طاعة لله ازدادت محبة الله له ، وعلى العكس فكل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل ، وكل محبة ليست لله فهي باطلة ، فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها خلا ذكر الله وما والاه [9] .
    ولذلك فإن أجمل ما في الدنيا محبة الله ، فإن العبد إذا ذاق محبة الله انجذب إليه ، فأصبح منيبا خاشعا خائفا ، وأعرض عن معاصيه فصُرف عنه السوء والفحشاء ، وهدي طريق الحق والصواب .

    المسألة السادسة : في الفرق بين الخالق والمخلوق :
    بالغ بعض أهل البدع في موضوع المحبة حتى سووا بين الخالق والمخلوق ، فوقعوا في أبطل الباطل ، وسموا ذلك : (الفناء) ، والفناء ثلاثة أنواع : نوع للكاملين من الأنبياء والأولياء ، ونوع للقاصدين من الأولياء والصالحين ، ونوع للمنافقين الملحدين .
    فأما النوع الأول : فهو الفناء عن إرادة ما سوى الله ، فلا يحب إلا الله ، ولا يعبد إلا إياه ،ولا يتوكل إلا عليه ، وهذا هو الإسلام حقا .
    وأما النوع الثاني : فهو الفناء عن شهود السوى ، وذلك يحصل لكثير من السالكين ، فيتعلق بالله حتى لا يخطر بقلوبهم غيره ، فيصبح القلب فارغا من سوى الله ، بل ربما يقوى حتى يضطرب في تمييزه ، وهذا الفناء كله فيه نقص ، فإن أكابر الأولياء كأبي بكر وعمر لم يقعوا في مثل هذا الفناء فضلا عمن فوقهم من الأنبياء ، وإنما وقع شيء من هذا بعد الصحابة .
    وأما النوع الثالث : فهو أن يشهد ألا موجود غير الله ، وأن وجود الخالق هو وجود المخلوق ، وهذا يبرأ منه المشايخ إذا قال أحدهم : ما أرى غير الله ، فهو يقصد ما أرى إلها غير الله ، أما أن يكون يرى بوحدة الوجود فهو اعتقاد فرعون وآله ومن تبعهم من القرامطة والمتصوفة ، وقد نشأ عن أولائك كثير من البدع والمعتقدات الفاسدة كمعتقدهم في تقسيم الخلق إلى عامة وخاصة وخاصة الخاصة ، وأن توحيد العامة : لا إله إلا الله ، وأما الخاصة فأن يقول اللفظ المجرد : الله ، وأما خاصة الخاصة فأن يقول الاسم المضمر : هو ، وغيرها من البدع مما لم ينزل الله بها من سلطان .

    والخلاصة : أن العبد في سيره وعبوديته لله لا يفلح إلا بتحقيق أمرين :
    الأول : الإخلاص لله ، وإفراده بالعبادة .
    الثاني : أن تكون العبادة وفق ما شرعه الله سبحانه وتعالى .
    فإذا تحقق الأمران فقد استقام العبد على الطريق الصحيح الموصل إلى الجنة والفلاح بإذن الله .

    ---------------------------------
    [1] سورة هود . آية : 123 .
    [2] سورة النحل . آية : 90 .
    [3] سورة الذاريات . آية : 56 .
    [4] سورة النحل . آية :36 .
    [5] سورة الإسراء . آية : 1 .
    [6] سورة الحجر . آية : 36 .
    [7] سورة هود . آية : 123 ..
    [8] سورة آل عمران. آية : 31 .
    [9] وقد صح هذا المعنى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . رواه الترمذي وابن ماجه .


    اختصار كتاب العبودية
    أبو زيد

  9. #149
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    الموقع
    في ابتسامة من حولي
    الردود
    223
    الجنس
    امرأة



    تسلمو الله يجزاكم خير

  10. #150
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الموقع
    الجزائر
    الردود
    822
    الجنس
    أنثى
    مجيب السائلين حملت ذنبي *** وسرت على الطريق إلى حماكا
    ورحت أدق بابك مستجيراً *** ومعتذراً ... ومنتظراً رضاكا
    دعوتك يا مفرج كل كرب *** ولست ترد مكروباً دعاكـا

مواضيع مشابهه

  1. الردود: 89
    اخر موضوع: 02-03-2010, 01:05 PM
  2. ๑ صلوات مشروعة || دمــــعة مــــــــوحد -7- || وسنن أجورها مرفوعة ๑ نسخ
    بواسطة فقيرة لربي في مواضيع روضة السعداء المتميزة
    الردود: 89
    اخر موضوع: 02-03-2010, 01:05 PM
  3. ๑الركن الرابع || دمــــعة مــــــــوحد -9- || الصوم نسخ๑
    بواسطة سمو الحياة في مواضيع روضة السعداء المتميزة
    الردود: 52
    اخر موضوع: 11-01-2010, 10:36 PM
  4. الردود: 56
    اخر موضوع: 29-12-2009, 01:07 PM
  5. ๑الركن الخامس || دمــــعة مــــــــوحد -10- || ومعالم التوحيد فيه ๑ نسخ
    بواسطة فقيرة لربي في مواضيع روضة السعداء المتميزة
    الردود: 56
    اخر موضوع: 29-12-2009, 01:07 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ