المنَاسَبَة: لما ذكر الله تعالى إعراض المشركين عن القرآن وعن الإِيمان بالنبي عليه السلام، ذكر في هذه الآيات السبب في ذلك وهو أن القرآن نور وشفاء يهتدي به المؤمنون، وأما الكافرون فهم بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ولا يستجيبون، ثم ذكر اقتراح المشركين بعض الآيات وشبههم بالصم البكم الذين لا يعقلون.التفسِير: { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } أي إنما يستجيب للإِيمان الذين يسمعون سماع قبول وإصغاء، وهنا تمَّ الكلام ثم ابتدأ فقال { وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } قال ابن كثير: يعني بذلك الكفار لأنهم موتى القلوب فشبههم الله بأموات الأجساد، وهذا من باب التهكم بهم والإِزراء عليهم وقال الطبري: يعني والكفار يبعثهم الله مع الموتى، فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتاً، ولا يعقلون دعاءً، ولا يفقهون قولاً، إذ كانوا لا يتدبرون حجج الله ولا يعتبرون بآياته ولا يتذكرون فينزجرون عن تكذيب رسل الله { ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } أي ثم مرجعهم إلى الله فيجازيهم بأعمالهم { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } أي قال كفار مكة هلاّ نُزّل على محمد معجزة تدل على صدقه كالناقة والعصا والمائدة قال القرطبي وكان هذا منهم تعنتاً بعد ظهور البراهين وإقامة الحجة بالقرآن الذي عجزوا أن يأتوا بسورة من مثله { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً } أي هو تعالى قادرٌ على أن يأتيهم بما اقترحوا { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون أن إنزالها يستجلب لهم البلاء لأنه لو أنزلها وَفْق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السابقة { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي ما من حيوان يمشي على وجه الأرض { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } أي ولا من طائر يطير في الجو بجناحيه { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } أي إلا طوائف مخلوقة مثلكم خلقها الله وقدَّر أحوالها وأرزاقها وآجالها قال البيضاوي: والمقصود من ذلك الدلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره ليكون كالدليل على أنه قادر على أن ينزّل آية { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ } أي ما تركنا وما أغفلنا في القرآن شيئاً من أمر الدين يحتاج الناس إليه في أمورهم إلا بيّناه وقيل: إن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ويكون المعنى: ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئاً فلم نكتبه { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } أي يجمعون فيقضي بينهم قال الزمخشري: يعني الأمم كلها من الدواب والطير فيعوضها وينصف بعضها من بعض كما روي أنه يأخذ للجماء من القرناء { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ } أي والذين كذبوا بالقرآن صمٌ لا يسمعون كلام الله سماع قبول بكمٌ لا ينطقون بالحق خابطون في ظلمات الكفرر قال ابن كثير: وهذا مثل أي مثلهم في جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل أصم وهو الذي لا يسمع، أبكم وهو الذي لا يتكلم، وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر، فكيف يهتدى مثل هذا إلى الطريق أو يخرج مما هو فيه! { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي من يشأ الله إضلاله يضلله ومن يشأ هدايته يرشده إلى الهدى ويوفقه لدين الإِسلام
الروابط المفضلة