أجرت مجلة المجتمع الكويتية لقاء مع فضيلة المشرف العام على موقع الإسلام اليوم الشيخ سلمان العودة الأسبوع الماضي ، ونعيد هنا نشر اللقاء لأهمية ماجاء فيه.
س1- ينادي أعداء الإسلام بتغير المناهج التعليمية ؛ بحجة أنها تُفرِّخ الإرهاب .. ، ما تعليقكم ؟
ج1- لمناهج التعليم أثر هائل في صياغة الجيل ، وأيُّ خلل فيها يظهر في الطلاب الذي هم نتاج تلك المناهج .
وتطوير المناهج التعليمية هي قضية سيادة يُحتَكم فيها إلى المصالح العليا للأمة ، ويبتُّ فيها من ائتمنتهم الأمة على عقولها ، وثقافتها ، وتراثها .
ولذا: فإن دخول العامل الخارجي على الخط ليس عاملاً إيجابياً بأي حال ، بل هو عاملُ هدمٍ وإحباط .
وإنني أدعو إلى: تغيير المناهج الدراسية ، وذلك بتكثيف المقرر الشرعي ، وتحويله من متن مختصر ، إلى تقرير مُوسَّع يحول دون نقص الفهم ، ويؤكد على ولاء المسلم لدينه وتاريخه وأمّته وبلاده ، ويعمّق الخصوصية الإسلامية لدى الأجيال ، ويربي على نضج التفكير وسلامة التصور .
كما أدعو إلى: غرس روح الإيمان الصادق في المقررات العلمية ؛ لتحاشي الازدواجية في التعليم ، وبناء العقيدة الصادقة المنبعثة من داخل النفس ، والمنسجمة مع الكون والحياة.
الشيء المدهش أن الأسماء التي يتم تداولها إعلامياً ؛ ليس لها علاقة بالتعليم الشرعي .. فهل سيطالب هؤلاء بإغلاق الجامعات المدنية ، ومنع تدريس الطب أو الهندسة ، أم سيدركون أن التعليم الشرعي السليم هو أهم ضمانة لحماية الأجيال من الاندفاع وراء نوازع النفس ، وتحقيق الوسطية والاعتدال وضبط المسار وفق نظام الشريعة ؟!!
إن الغضب العربي والإسلامي على أمريكا ؛ ليس مُنطَلقه التعليم الديني ، و إلا فلماذا لم يكن هذا الغضب موجهاً ضد الصين أو اليابان -مثلاً- مع أنها بلاد وثنية ، والمسلم يتعلم أن أهل الكتاب أقرب إليه من الوثنيين ؟!! ولكن منطلقه نفاد الصبر من الانحياز الأمريكي لصالح اليهود ، وضد قضايا العرب والمسلمين ، وغمس أمريكا يدها في البلدان الإسلامية بأسلوب متغطرس لا يراعي مشاعر الشعوب ، ولا يقيم لها وزنا ، وها نحن نتربص بالهجمة الأمريكية على العراق من جديد .
س2- هناك هجمةٌ شرسة على الجمعيات الخيرية بالحجة ذاتها ؟
ج2- ما دامت الولايات المتحدة جعلت نفسَها القاضي ، والشاهد والجلاد في الوقت ذاته ؛ فكل شيء ممكن .
وما دام العالم الإسلامي بهذه الحالة من التشرذم والشتات ، والانهماك في الصراعات الداخلية ؛ فلن يكون لديه القوة على المقاومة .
ولقد شهد تاريخ الولايات المتحدة ما كان يعرف بالمكارثية وهو مصطلح يتعلق بتوجيه التهم على نطاق واسع ، والتي شملت الإدارة الأمريكية نفسها ، وشملت الجيش ذاته بتهم تتعلق بمناصرة الشيوعية في وقت الحرب الباردة . ومع أفول نجم الاتحاد السوفيتي ، والتحدي الشيوعي يبدو أن العملية ذاتها صارت تُدار ضد كل ما هو إسلامي وعربي ، والإعلام مسؤول إلى حد كبير عن نشر التهم ، وترويجها دون أدلة أو وثائق ، وفي فترة المكارثية الأولى وضعت لوائح سوداء لأشخاص وهيئات . وها نحن نشهد اليوم الأمر ذاته فيما يتعلق بالعرب والمسلمين .
وإذا كانت المكارثية الآن عاراً يستحي منه الأمريكيون ؛ فإنهم يمارسونها بطريقة مشابهة .. والله وحده يعلم إلى متى يتوجب علينا الانتظار ؛ لتصبح المكارثية الجديدة ، عاراً آخر يلحق بالتاريخ الأمريكي ؟!! وهل ثمت استعداد لمراجعة الجمعيات المنطلقة من الغرب نفسه تحت هذا الشعار !!
إن الجمعيات الإسلامية هي إحدى الواجهات الإنسانية المشرقة التي يتفيّأ ظلالَها مئات الآلاف من الجياع ، والفقراء ، والمتعلمين ، والمعوزين ، وإذا كان الكثير من الجمعيات الغربية معزولة بأنانيتها وعنصريتها عن التجاوب الصادق والبريء مع هؤلاء.. فهل وصل الحال إلى حد حرمان هؤلاء من اليد الحانية التي تواصلهم بالغذاء والكساء والدواء والكتاب ؟!! وبات من الصعب أن نستوعب اعتراف الغرب بالإسلام كدين يحكم شعوباً اختارته ، وصناعة التصنيف التي يتكلم عنها حتى في المشاريع الخيرية ذات الدور الإنساني الضروري .
إن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة يمارس ضد هذه الجمعيات ، وضد الوجود العربي والإسلامي مكارثية جديدة ، ومع الأسف فقد صارت الإدارة الأمريكية وأجهزتها الأمنية والعسكرية سنداً ودعماً لهذا التحيز السافر ، والعدوان المقيت .
س3- بعد أحداث ((11)) سبتمبر , مَارَسَ الغربُ أبشعَ صور التعذيب والسجن للعرب والمسلمين !! بماذا تفسرون ذلك ؟
ج3- الغربُ - وتحديداً الولايات المتحدة - يمارس ما يظنه دفاعاً عن الأمن القومي ، من خلال الاعتداء على الأمن المدني .
وإذا كانت الحرية هي أغلى قيمة يتغنى بها الأمريكيون ؛ فإن ضرورات الأمن المزعومة صادرت هذه الحرية ، وسجن آلاف الأبرياء بغير تهمة ، ورحل الآلاف بغير سبب ، ومارست أجهزة الأمن في المطارات وغيرها عنصرية مكشوفة .
لقد كان يقال عن الولايات المتحدة: إنها بلد الحرية ، ووصفها جون كندي بأنها: ((أمة من المهاجرين )) ، ومعظم الإبداعات والإنجازات قام بها أجانب ، ولهذا اتخذت الإدارة الأمريكية ذاتها عدداً من الوسائل لاستقطابهم ، ومن ذلك السحب العشوائي الذي تقوم به وزارة الخارجية ، وتمنح بموجبه راغبي الإقامة ما يسمي بـ (( البطاقة الخضراء )) .
وها نحن نرى تحولاً خطيراً يصبح بموجبه هؤلاء الأجانب في موضع الشك ، ولا يأمنون على أنفسهم أو ممتلكاتهم ، ويتعرضون للاعتداء والقتل أحياناً .
وانتقل الأمر من مجرد الممارسات الخاصة ، أو الخاطئة ، أو الاستثنائية ؛ ليحظى بدعم الجهات التشريعية , حيث أقر مجلس النواب جملة قوانين تعطي السلطات الفدرالية إمكانيات واسعة للمراقبة والقمع , وخففت القيود على التصنت الهاتفي ، والتوقيف الاحتياطي للأجانب ، وهكذا تطورت الأمور ليكون تحقيق الأمن قائماً على حساب الحريات المدنية ..
ولقد قال جون كندي: إن الأمة التي تقدم أمنها على حريتها لا تستحق البقاء .
س4- مع تقدم العلم ووجود الفضائيات , وشبكة المعلومات الإنترنت هل ترون أن الشريط الإسلامي ، والكتاب انقرض دورهما من الساحة أم أنهما لا زالا يؤديان رسالتيهما ؟
ج4- من المؤكد أن الوسائل لها حكم الغايات كما يقول الأصوليون ، ومن هذا المبدأ يصبح اعتماد أي وسيلة جديدة محتماً إذا كانت فاعلة ومفيدة ، ما لم تكن محرمة في ذاتها.
وقد يتفاوت تأثير وسيلة عن غيرها بين وقت وآخر ، لكن هذا لا يعني العزوف عن القديم ، إن الكتاب من أقدم وسائل الدعوة والتعليم ، وهو يظل اليوم حاضراً على رغم المزاحمة والمنافسة القوية من الإذاعة ، ومن التلفزيون ، ومن الإنترنت ، ومن الصحافة ، وتشهد بهذا معارض الكتب التي تقام في عواصم الدول الإسلامية .
إن دخول عنصر جديد في الميدان لا تستلزم إقصاء غيره ، فإن الواقع المشهود أن للشريط الإسلامي دوره الفاعل , ويكفي أن المادة الواحدة ينسخ منها الآن ملايين الأشرطة ، ويستفيد منها الإنسان في السيارة والمنـزل وغيرهما ، وينتفع منها القارئ وغير القارئ .
ولعل من المفيد أن يكون ثمت تنافساً شريفاً يحدو إلى الإبداع والتجديد والتطوير ، لأن ركود الوسيلة يقلل من ثمرتها وفاعليتها ، وتقديمها للمتلقي بأسهل الطرق وأبخس الأثمان .
س5- يكثر في وسائل الإعلام طرح مصطلح (( التطرف )) ، فما مدى صحة هذا المصطلح ، وما رأيكم في مدلوله ؟
ج5- ربما كانت كلمة (( التطرف )) من أكثر الألفاظ إلحاحاً على ألسن الكتبة والإعلاميين والساسة في هذا الوقت ، وهي كلمة مولدة غير أصيلة ، ويفترض أنها تعني عند من يطلقها: وقوف الإنسان في طرف بعيد عن مركز الوسط .
والتطرف في الإطار الإسلامي:هو تعبير عن فهم منحرف ، أو تطبيق منحرف للتعليمات الشرعية ، وإن كان قد يتكئ على حجج شرعية مفترضة، أو ينطلق من غيرة دينية، كما في أول وأقسى نموذج في التاريخ الإسلامي ، وهو نموذج الخوارج ، الذين لم يقنعوا بمستوى فهم وتطبيق الصحابة حتى انشقوا عن نسيج الأمة ، ووجهوا سهامهم إلى نحورها ، بل كان أصلهم يمت إلى صاحب النفس المريضة الذي اعترض على النبي r في عدله ، وخاطبه قائلاً : اعدل يامحمد ! فكانت تلك نواة الشريحة التي تصطفي نفسها ، وتستشعر صدقها وطهارتها وإخلاصها ، وتزن الآخرين بالجور أو الحيدة عن الصراط السوي .
الروابط المفضلة