**
أقبلَت إليها ، ودُمُوعُها على خَدَّيْها . ألقتَ عليها السَّلامَ ،
ومَدَّت يَدَها إليها ؛ لِتُصافِحَها . فأعرضَت عنها ، ولم تَرُدّ
عليها . فزادت الدُّمُوعُ في عينيها ، و قالت : إنْ كان إلقاءُ
السَّلامِ سُنَّةٌ ، فرَدُّهُ فَرْضٌ ، فلا تحرِمي نَفسكِ الأجرَ .
ومَدَّت إليها يَدَها ثانيةً ، فلم تنظُر إليها .
وفاء : ما الذي جرى يا صديقتي ؟!
سماح : ألَا تذكُرين ما فعلتيه معي مُنذُ شهرٍ أو أكثر ؟!
أنسيتِ بهذه السُّرعة ؟!
وفاء : وماذا فعلتُ ؟!
سماح : أنسيتِ خِلافَكِ معي حول الأمر الذي كُنَّا نتناقشُ فيه ،
وإصراركِ على رأيكِ ، وعدم اقتناعكِ برأيي ؟
وفاء : يا لقلبكِ صديقتي !! لقد نسيتُه ؛ لأنِّي لم أُعِرهُ
اهتمامًا كبيرًا مِثلما فعلتِ ، واعتبرتُه خِلافًا عادِيًّا في الرأي
قد يَحدُثُ بين أيِّ شخصين ، لكنِّي لم أكُن أتوقَّعُ أن يكونَ
هذا الخِلافُ سببًا في إعراضِكِ عَنِّي ، وقَطع عِلاقتِكِ بي .
فهو ليس خِلافًا في العقيدةِ ، والأمرُ سهلٌ هَيِّنٌ مقبول .
سماح : سهلٌ هَيِّنٌ عليكِ ، لكنَّه صعبٌ عليَّ . كم أثَّرَ في
نفسي وأتعبني !
وفاء : ولماذا لم تُخبريني حِينها يا سماح ؟!
سماح : لا أُريدُ مزيدًا من الكلام الذي يُتعِبُني .
وفاء : صديقتي الحبيبة ، أبهذه السهولةِ تذهبُ الصَّداقاتُ ،
وتُقطَعُ العِلاقاتُ ؟! ألِأَجلِ أُمُورٍ دُنيويَّةٍ تنسينَ أُخُوَّتنا في
الله ؟! أَلِأَجلِ خِلافٍ صغيرٍ تنسينَ الحُبَّ في اللهِ الذي
اجتمعنا عليه ؟!
سماح : كفَى يا وفاء . احتفِظي بنصائِحِكِ لِنفسِكِ .
وفاء : لكنَّ رمضانَ أقبَلَ يا حبيبة ، ولا أُحِبُّ أن يكونَ بيني
وبينكِ خُصُومةٌ أو قطيعة .
سماح : معذرةً ، لم أعُد أتحمَّلُ المَزيد . سأذهبُ الآن .
وفاء : سماح ، سماح .
فذهبت ، ولم ترُدّ عليها .
وعادت وفاء إلى بيتِها ، والألَمُ يملأ قلبَها ، والدُّمُوعُ لم تُفارِق
عينيها ، ورَفعت يَديها إلى السَّماءِ ، و قالت : اللهم اهدِ قلبَ
صديقتي ، وألِّف بيني وبينها ، فإنَّنا لم نجتمِع إلَّا على طاعتِكَ .
وتمُرُّ الأيَّامُ ، وينتهي شهرُ رمضان ، ويأتي العِيدُ . وتُفكِّرُ
وفاء في الاتِّصالِ بصديقتِها سماح ، لكنَّها تتردَّدُ قليلاً ،
وتستشيرُ أُمَّها .
وفاء : أُمِّي ، تعرفين صديقتي سماح ، وما حَدَثَ بيني وبينها ،
وأُريدُ أن أتَّصِلَ عليها ، علَّ قلبَها يَلِينُ ، وتعُودُ الأُخُوَّةُ بيننا
كما كانت .
الأُمُّ : لكنِّي أخشى يا بُنيَّتي أن لا ترُدّ عليكِ ، أو أن تُضايقكِ
بكلامِها . أنصحُكِ ألَّا تُعاوِدي الحَديثَ معها ثانيةً ، فمِثلُها
لا يُصاحَب .
وفاء : لكنْ ...
الأبُ : بل اتَّصِلي عليها يا وفاء ، فصديقتُكِ سماح مِن أُسرةٍ
طيِّبةٍ ، وأنا أعرِفُ أباها ، فهو يُصلِّي معنا بالمَسجِد . لعلَّ
الشيطانَ تدخَّلَ في أمرِكما ، وأراد أن يُفسِدَ الأُخُوَّةَ بينكما ،
فلا تمنحيه فُرصةَ الإيقاعِ بينكما ، ولا تجعليه ينتصِرُ عليكما .
وفاء : حسنًا يا أبي ، سأتَّصِلُ عليها إن شاء الله .
وتَتَّصِلُ وفاء على صديقتِها سماح .
وفاء : السَّلامُ عليكم .
سماح : وعليكم السَّلام . مَن أنتِ ؟
وفاء : أنا صديقتُكِ وفاء .
سماح : ليس عِندي صديقاتٌ بهذا الاسم .
وتُغلِقُ الهاتِف .
أخَذَت وفاء تبكي ، و تقولُ لِنفسِها : حتَّى في يَوم العِيدِ
يا صديقتي لا يَزالُ قلبُكِ مُتغيِّرًا عليَّ !! آهٍ ثُمَّ آهٍ لِتلكَ
الآلامِ التي تملأ قلبي : " (.
وتمُرُّ الأيَّامُ ، و وفاء لم تنسى صديقتَها سماح مِن الدُّعاءِ .
وبعد أشهُرٍ تُفيقُ سماح ، وتتذكَّرُ كُلَّ ما حَدَثَ ، وترى الأمرَ
أصغرَ مِن أن يُوجِدَ بينها وبين صديقتِها التي أحبَّتها خِلافًا ،
وتندمُ على ما فعلت . فتُقرِّرُ الاتِّصالَ على صديقتِها وفاء ؛
تمهيدًا لزيارتِها ، ولتطلُب منها أن تُسامِحَها على القسوةِ
التي تعاملَت بها معها . وتَتَّصِلُ عليها ، فترُدُّ أُمُّها .
سماح : السَّلامُ عليكم .
الأُمُّ : وعليكم السَّلام .
سماح : كيف حالُكِ يا خالة ؟
الأُمُّ : بخيرٍ وللهِ الحَمد . مَن أنتِ ؟
سماح : أنا سماح ، صديقةُ وفاء .
الأُمُّ : رَحِمَها اللهُ ، كم كانت تُحِبُّكِ !
وأخذت الأُمُّ تبكي .
سماح : أين وفاء يا خالة ؟!
الأُمُّ : وفاء ! لقد ماتت مُنذُ أُسبوعين تقريبًا . وكانت تُحِبُّكِ ،
وتُكثِرُ مِن الدُّعاءِ لكِ .
فبكَت سماح ، وبدأت تستعيدُ ذِكرياتِها مع صديقتِها ، والدُّمُوعُ
تنزِلُ بغَزراةٍ مِن عينيها ، والحَسرةُ والألَمُ يملآن قلبَها .
رَحِمَكِ اللهُ يا رفيقةَ الخير ، يا مَن كُنتِ تُذكِّرينني دائِمًا باللهِ ،
يا مَن كُنتِ تتعاونينَ معي على البِرِّ ، يا مَن كُنتِ تُبادِرينَ
بالاعتذارِ إليَّ ، وطلَبِ مُسامحتي وإنْ كُنتُ أنا المُخطِئة ،
يا مَن أحببتِني في اللهِ ، ولم تنسينني حتَّى وأنا بعيدةٌ عنكِ ،
يا مَن كُنتِ تذكُرينني في دُعائِكِ رغم عِنادي وبُعدي . رَحِمَكِ
اللهُ يا حبيبتي () .
آهٍ ثُمَّ آهٍ على ذاكَ القلب !
أَلِأَجلِ خِلافٍ صغيرٍ أهجُرُكِ !!
أَلِأَجلِ دُنيا فانيةٍ أقطعُكِ !!
أَلِأَجلِ نَفسي أبتعِدُ عنكِ !!
أَلِأَجلِ تفاهاتٍ أُضيِّعُ مِن يَدي
( ورِجُلانِ تحابَّا في اللهِ ،
اجتمعا عليه ، وتفرَّقا عليه ) مُتَّفقٌ عليه !!
أهذا هو التَّأسِّي برسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، واتِّباعُ سُنَّتِهِ !!
أين التَّسامُحُ والعَفو والصَّفحُ الذي حَثَّنا عليه دِينُنا ، وكان
خُلُقًا لِنبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم !!
رَبَّاهُ ، أشعُرُ بغُصَّةٍ في حَلْقِي ، وجُرْحٍ في قلبي .
أشعُرُ أنَّ قدماي لا تكادُ تحمِلاني ، وأنَّ جوارحي
كُلَّها تُؤلِمُني .
رَبِّ اهدِ قلبي ، وأصلِح حالي ، وارحَم صديقتي ،
واجمعني بها في الفِردوس الأعلى .
**
بقلم / الساعية إلى الجنة
صباح الثلاثاء
30 شعبان 1434 هــ / 9 يوليو 2013 م
**
الروابط المفضلة