الدعوى المنتنة .. من ينفخ فيها ؟!
بقلم الاستاذ / يحيى البوليني
بعد أن خفتت الأصوات الرعناء التي أرغت وأزبدت في أمر أكبر منها ومن تاريخها بل ومن وجودها كله , وبعد أن سجل الجميع مواقفه ما بين مهيج مثير وطامع مأجور وعاقل منصف ومتزن , آن لنا أن نتبع المنهج الإلهي والنبوي في تقييم الموقف المصري السعودي وفق ما تمليه علينا قواعد شريعتنا الغراء .
ولن ندخل للموضوع مدخلا عاطفيا وإن كانت العاطفة هي المطية التي حاول هؤلاء الموتورون أن يستخدموها ليؤلبوا الشعوب والحكومات , لن نتحدث عن طبيعة العلاقة الاصيلة والقديمة والتاريخية التي تربط البلدين والشعبين والمؤسسات الحاكمة فيهما
ولن ندخل مدخلا مصلحيا نفعيا حيث غننا في زمن تحتم فيه المصالح التقاء الأعداء فضلا عن الأشقاء المحبين , وإن كانت المصلحة أحيانا مدخلا مقبولا لدى الكثيرين ممن يتحدثون عن ضرورة وأد تلك الفتنة !
ولكننا سنبحث في العوامل التي تجمع الشعبين والتي أراد أصحاب هذه الفتنة ضربها في مقتل للخروج بمكاسب جمة من ورائها
فكل العوامل التي تجمع مصر والسعودية تتضاءل أمام عامل أصيل هو البعد الأهم فيها والأكثر قوة ومتانة , والأكثر أيضا تعرضا للخطورة من تلك الفتنة , ألا وهو رابطة العقيدة الإسلامية التي تربط بين البلديين .
فمصر والسعودية أو السعودية ومصر - لا فرق في البدء بأيهما - , منذ ظهور الإسلام ببعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثم بوصول الإسلام إلى مصر , وهما يتحملان معا القيام بواجبهما في نشر الإسلام في العالم , وحملا معا لواء الإسلام السني الصحيح حتى بعد الفترة المظلمة التي تمكن العبيديون الشيعة من احتلال مصر وبناء الأزهر ليكون أداة نشر للفكر الشيعي فاسترده المسلمون – مصريون وعرب وأكراد – ليكون منارة شامخة للإسلام السني ولينتشر علماؤه في أرجاء العالم بمشاركة إخوانهم من أهل الحجاز والشام واليمن وغيرهم .
ولهذا فالقاسم المشترك الأهم والأبرز بين الدولتين هو الإسلام السني الذي يواجه هذه الأيام تحالفا صليبيا شيعيا يسعى لضرب إحدى أكبر نقاط القوة العظمى فيه بضرب علاقة مصر بالسعودية .
إن الأمر لابد وأن يوضع في نصابه الصحيح , ولابد وأن يفهم أنه أكبر من مجرد حادث لفرد ايا كان , فلكل دولة حقها في تفعيل قوانينها على أرضها وسمائها ومياهها الإقليمية , ولكل متهم بأي اتهام – من رعايا أية دولة - الحق الكامل في مطالبة دولته للدولة التي قُبض عليه فيها بإقامة محاكمة عادلة له , وساعتها يُطبق عليه من العقوبات – وفق قانونهم المتبع - إن ثبت خطؤه , ويُفرج عنه مع رد الاعتبار والتعويض عن التشهير إن كان بريئا مما اتهم به , وليس لأي أحد – أيا كان - أن يتاجر بقضية متهم باتهام ولا أن يستغلها لسوء في نفسه لتصفية حسابات خاصة به أو بمن وراءه , وليس لأحد أن يطالب بتغليظ العقوبة على متهم أو معاقبة غيره لمجرد اتهام أو حتى ثبوت تهمة على فرد , فلا عقوبة جماعية لمن لا ذنب له .
دعوها فإنها منتنة
لم يعرف الإسلام يوما عصبية لقبيلة ولا لجماعة ولا لحزب ولا لأية دائرة ضيقة من الأرض , فجنسية المسلم هي عقيدته , وعقيدة المسلم هي جنسيته , بل ويؤكد العلماء أن الإسلام قد جاء ليعلو على تلك الروابط كلها ليجعل من المسلمين لحمة واحدة كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم , بل وشاميهم ويمنيهم وسعوديهم ومصريهم , فالكل سواء .
ولقد وقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقفة حازمة أمام مثل تلك الدعوات في بداية الإسلام , ووضح موقفه منها أيما توضيح , فلم يجعل لأحد على أحد فضلا ولا تفاضلا إلا بالتقوى والعمل الصالح , ورغم أنه – صلى الله عليه وسلم - نبي عربي النسب والمولد واللغة إلا أنه لم يتحيز للعرب , فلم يكن الإسلام يوما عربي النزعة والتفضيل , وليس في المسلمين جنس أو صنف – حتى العرب- يوصف بأنه شعب الله المختار , فكما صح عنه صلى الله عليه وسلم في آخر وصاياه للأمة يوم حجة الوداع أنه قال " أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد , كلكم لآدم وآدم من تراب , أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى .. "
وحدثت أول بادرة لهذا الشقاق والتنازع والعصبية في صفوف المسلمين بين المهاجرين من جهة والأنصار من جهة أخرى فيقول جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ": كُنَّا فِي جَيْشٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ : يَا لَلأَنْصَارِ ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ "
فأغلق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم باب الشر والشقاق بتسمية تلك الدعوى بدعوى الجاهلية ووصف تلك الدعوى بالمنتنة حتى لا يتمسك بها مسلم , فلا ينتسب انتسابا لغير الإسلام وهو يظن أن ذلك النسب سيرفعه أو سينفعه .
أعداء متربصون يوقدون نيران الفتنة
إننا - أمة الإسلام - نتعرض اليوم لحرب غير مرئية لكثير من الناس , أسلحتها مختلفة , تمضي بانتظام , وتتخذ مظهرا جديدا كل يوم , يقودها تحالف صليبي شيعي لاقتسام الأرض التي يعيش عليها المسلمون السنة , ويعلمون أن أكثر ما يزعجهم ويخيفهم هو اتحاد المسلمين وخاصة في مصر والسعودية .
ولعلنا لا ننسى الصليبي "كرومر" يوم أن وقف وتحدث عن العقبات التي تعترض المشروع الصليبي لالتهام الدول الإسلامية وتنصيرها المسمى تجملا بالتبشير , فقال " "جئت لأمحو ثلاثًا: القرآن، والكعبة، والأزهر" , فالقرآن ككتاب جامع للمسلمين , والكعبة قبلة المسلمين في السعودية , والأزهر - ناشر الدين في أرجاء الأرض - مكانه في مصر , فالثلاثة ظلوا دوما الأغراض المستهدفة لكل سهامهم لكي لا يجتمع المسلمون مرة أخرى .
ولعل الأحداث قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الأفاعي– بفصائلها الثلاثة الشيعي والصليبي والليبرالي- المتربصة بالعلاقات بين المسلمين والتي تسعى دوما لبث الفرقة والعداء بين أبناء الإسلام لم تكن بعيدة عن تداعيات الموقف سواء بالتدبير أو باستغلال الموقف لصالحها ولمصالحها .
الجناح الأول : أصابع النظام الإيراني لم تغب عن المشهد
لم تكن المصالح الشيعية بعيدة عن مشهد الأزمة المصرية السعودية , فقد أعلن المستشار القانوني للسفارة السعودية أنه قد ألقت السلطات المصرية القبض على شبكة إيرانية تتكون من ثلاثة أفراد بتهمة استغلال ذلك الحدث لاغتيال السفير السعودي في القاهرة لإيجاد عداوة لن تنقطع ولتقطيع أواصل الوحدة السنية بين الشعبين والنظامين المصري والسعودي .
ولم تغب المخالب الإيرانية في الخارج عن المشهد بحكم ما اعتادت من كذب وتلفيق وافتراء لتوقع العداوة والبغضاء بين المجتمعين والنظامين السعودي والمصري , فكان تلفيق وكالة فارس الإيرانية لتصريح افترت به على لسان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي قالت فيه : " المعتقلون المصريون سيعودون لبلادهم في توابيت " وأنه" للجندي السعودي في السفارة السعودية الحق في ضرب النار على كل من يحاول المساس بأمن السفارة ", وهو ما نفته وزارة الخارجية السعودية جملة وتفصيلا لأنه ليس من أسلوب الخارجية السعودية في التعامل مع القضايا وخاصة الشائكة منها والخاصة بعلاقات وروابط وثيقة لا تنقطع .
ولم تغب أيضا عن المشهد كل العناصر التي ترتبط ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بالشيعة في إذكاء نار الفتنة , مثلما فعلت من تدعى بالناشطة نوارة نجم التي تطاولت على الشعب السعودي كله وسلطاته الحاكمة , فلا يجب أن نفصل بين موقفها وميول والدتها صافيناز كاظم القريبة من التشيع والتي تملا بيتها بصور الخميني , وأيضا ميول والدها الذي لا يصلي ويرفض أن يذهب لأداء فريضة الحج ويرحب فقط بالذهاب للارتماء في أحضان صديقه حسن نصر الله في لبنان
الجناح الثاني الصليبي : ينفخ في النيران لتزداد اشتعالا
ولم يتوان الجناح الصليبي الذي لا يهمه شأن المصريين المسلمين في قليل أو كثير والذي يعتبر - بحسب تصريحاتهم المتكررة - أن المسلمين على أرض مصر ليسوا إلا عربا غزاة ينبغي ترحيلهم إلى السعودية وفلسطين وأنها موطنهم الاصلي , وذلك عبر آلاف التصريحات والمقالات التي كتبوها لتعبر عن أفكارهم , سارعوا إلى سكب الزيت على النار , لتزداد الهوة بين الشعبين , فشكك أحدهم – وهو مايكل منير مثير أحد قيادات نصارى المهجر - في ملابسات القبض على الجيزاوي واظهر اعتراضه على ذلك .
وعامة لا يحق لأي أبناء جنسية ما الاعتراض على عملية القبض على أحدهم ولا يحق لهم تنظيم الاحتجاجات والوقفات , ولكن الذي يحق لهم – كأي أبناء جنسية - أن يطالبوا سفارتهم ودبلوماسييهم الاهتمام بالقضية والحصول على ضمانات بمحاكمة عادلة لمتهمهم بحضور محامين من سفارة بلده.
ولكن الذي يُظهر ما في داخل النفوس هو تدخل مايكل منير الصليبي بقوله " إن المملكة لم تسحب سفيرها من الدانمارك عندما نشرت الرسوم المسيئة للرسول، فلماذا تسحب سفيرها الآن " , فبأي حق يتساءل وعن أي رسول يتحدث ؟! , نحن نستنكر عليه تدخله في أمر ليس له به شأن , ونوقن تماما أن هذه الكلمة ما قصد منها إلا تأليب الأشقاء أعضاء الجسد الواحد على بعضهم البعض لتتحقق أهداف المشروعين الصليبي والشيعي على حد سواء .
الجناح الثالث : الليبرالي
فصيل كبير ممن يدعون أنفسهم بالنخبة المثقفة والتنويريين والحداثيين , قد لا ينتمي عدد منهم فكريا لأي من الجناحيين الماضيين , ولكنهم يلتقون جميعا في كرههم وبغضهم وسعيهم لإسقاط أي مسعى لإبراز المشروع الإسلامي السني .
ولهم على الفضائيات المشبوهة مذيعون ومذيعات ببرامج ثابتة تلقى بعض القبول الجماهيري , ولهم ضيوف ذوو وجوه صدئة لا يتغيرون , يتنقلون بين القنوات ليكتمل النظم بينهم في التفريق وإشاعة الكراهية والبغضاء بين أبناء الأمة الإسلامية , وساهموا مساهمة كبيرة في إذكاء وإشعال نار الفتنة بأراجيفهم وكذبهم .
ولكل من الأجنحة الثلاثة أعوان مموَّلون أو مخدوعون يعملون بهمة بالغة على الصفحات الاجتماعية لنشر بذور أفكارهم بين الشباب ولإشعار غيرهم أن ما يقولون يمثل رأيا عاما شعبيا في كلا البلدين .
وهؤلاء جميعا بإعلامهم الموجه والمأجور ينبغي الحذر منهم , فهم أعداء المشروع الإسلامي في كلا البلدين , وهم لا يتحملون رؤية الإسلاميين ولا سماع أخبارهم بغضا فيهم , ولا يتحملون شبح وجود تقارب عربي مسلم سني - وخاصة بعد وجود أنباء عن قرب تفعيل مشروع الجسر البحري بين مصر والسعودية – لذا ساهموا بالنفخ في كير العداء والشقاق بين البلدين والشعبين مستغلين تلك الحادثة كما فعلوها مسبقا في الوقيعة بين بلاد إسلامية عديدة !
الروابط المفضلة