بوركت جهودكم و في ميزان حسناتكم
أنّ سبّ الصحابة، أو الانتقاص منهم، أو بغضهم هو أشدُّ حرمةً من سبّ أي مسلم، فإنّ سبّ المسلم كبيرة من الكبائر، قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([82]) ؛ فسباب الصحابة أشدّ عند الله -عزَّ وجل- وأعظم حرمةً من سبِّ أي مسلم، والله -تبارك وتعالى- يقول: {إنَّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً} [الأحزاب:57]، وقال -تعالى- في الحديث القدسيّ: «من عادى لي وليَّاً فقد بارزني بالحرب»([83]) ، والصحابة أولياء الله بشهادة الأمّة، ومن عادى الصحابة فقد بارز الله بالمحاربة، وجزاء المحاربة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- القتل.
وفي الحديث الصحيح قال -عليه الصلاة والسلام-: «لعن المؤمن كقتله»([84]) ، واللعن، والسبُّ، والشتمُ من كبائر الذنوب، ومما يبغضه الله -سبحانه-، ويبغض فاعليه، فسبّ الصحابة من الإفساد في الأرض، ومن الطغيان، والكفر، والنفاق.
أتي عمر بن عبدالعزيز برجلٍ سبَّ عثمان -أمير المؤمنين-، فقال له عمر ابن عبدالعزيز: ما حملك على أن سببته؟ قال: أبغضه، فقال له عمر: وإن بغضت رجلاً سببته؟! فأمر به فجُلِدَ ثلاثين جلدة.
وقال إسحاق بن راهويه -وهو من شيوخ الإمام البخاري-: «من شتم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يعاقب، ويحبس» ، وقال الإمام مالك: «من شتم أحداً من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر، وعمر، ومعاوية، وعمرو بن العاص، فإن قال: كانوا على ضلال، أو كانوا على كفرٍ قتل».
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبُّوا أصحابي، فإنَّ أحدكم لو أنفق مثل أحدٍ([85]) ذهباً ما أدرك مدَّ([86]) أحدهم ولا نصيفه»([87]).
قيل لعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: إنَّ أناساً يتناولون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أبا بكر وعمر! -لم يسلم من السب والطعن الشيخان- فقالت عائشة: «وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل، فأحبَّ الله أن لا يقطع عنهم الأجر» ، فهم يؤجرون في قبورهم، ولا يقدح ذلك فيهم، بل ينطبق على الذين ينتقصونهم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتدرون من المفلس؟»([88])، فالذين يسبونهم هم المفلسون.
قال الإمام ابن كثيرٍ -رحمه الله-: «وقد أجمع العلماء -رحمهم الله قاطبةً- على أنَّ من سبّ عائشةَ بعد برائتها، ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية؛ فإنّه كافر، معاند للقرآن» ([89]).
وفي بقيَّة أمَّهات المؤمنين قولان: أصحهما: أنهنّ كَهِيَ([90]) والله أعلم.
سبّ الصحابة طعن في الدين، وحبهم دين وإيمان، وإحسان، فلنحرص على أن نصون ألسنتنا عن سبّ أصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
وإني لأعجب من كلام الروافض، إذا قيل لليهود من خير ملَّتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملَّتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة الشيعة: من شرّ أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيهم من هم خيرٌ ممن استثنوهم بأضعافٍ مضاعة.
فلعنة الله على من يسبون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم أمّة مخذولة لن ينصرها الله أبداً.
نسأل الله أن يعلي كلمة الحقّ والدين، وأن يرفع الذين ينتسبون إلى صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحمد لله ربّ العالمين.
الروابط المفضلة