وإذا صوت انفجار مدوي أفزعني، وطار صوابي، فاستيقظت من أحلام اليقظة.... نحن في فصل الشتاء لا الربيع، والبرد قارص، والغيوم لم تكن بيضاء، بل يكسوها السواد، فسقط جسدي ولكني أمسكت بالغصن العالي وتعلّقت به ثم صرخت: النجدة، أبي أنجدني.
حاولت التمسّك بشكل أقوى لكن ذراعي لم تحملاني، الخوف تملكني فصوت الانفجارات يتابع، ويهز الأرض، أما يداي الصغيرتان بدأتا ترتجفان، أغمضت عيني، وقررت السقوط، مهما كانت النتيجة، وسقطت ولكن بين ذراعي أبي، ففرحت وحمدت الله عز وجل، بدأت أمسح وجهي على صدره، أحسست بأني أغسل وجهي في نبع حنان متدفق، ثم صرت أنصت إلى دقات قلبي أبي، مستمتعة بلحظات الأمان رغم قسوة الزمان، ثم التفت إلى أبي، فلم أفهم ملامحه، لأول مرة يحملني دون أن يداعب طفلته ذات الأربع سنوات، أوصلني إلى المنزل، رأيت أمي والخوف قد تسلل إلى قلبها، ولكنها أظهرت الصمود، قبلني أبي قبله وداع، ونظر إلى أمي نظرة مودع فقالت أمي وقد سحّ الدمع من مقلتيها: احذر يا حبيبي.
فأجاب: إن مت مت شهيدا يا وردة وإن عشت عشت عزيزا.
ثم نظر إلي، نظر إلى طفلته وتأمل كأنه يستعرض فيلم الذكريات، حينما كُنت فرحته الأولى، وحينما قلت أول كلمة "بابا"، وحينما مشيت أول خطوة ......
قلت وقد تعلّقت بذراعه: بابا ...لا تتركنا..
مسح دمعة نزلت من مقلتي وقال: أحبك يا فاطمة، ولكنها فلسطين، إنه المسجد الأقصى، إنها الأمة بأسرها..
ثم أردف بكلمات قوية هزت كياني: إنها المعركة الفاصلة يا ابنتي..
ودعته بدموع حزينة..
ومضى..
الروابط المفضلة