تزكية النفس وأثرها فى صلاح المجتمع

[اللهم ارض عنا]

تزكية النفس وأثرها فى صلاح المجتمع

مما لا شك فيه أن تزكية النفس من أجل وأهم الوسائل

التى يصلح بها المجتمع ككل,وتزكية النفس هى تطهيرها وتخليصها

من أدرانها وأوساخها,ثم تحليتها بالأداب الرفيعه وتهذيبها بالأخلاق

الحميده ,وهى من الأهمية بمكان ,فسيدنا ابراهيم قد دعا بها

للعالمين فى قوله تعالى: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك

ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ( 129 ) )

البقره ,وكانت استجابة الله له فى الايه الكريمه :"هُوَ الَّذِي

بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ

الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ",ولكن مع اختلاف بسيط أنه قدم تزكية النفس على

سائر الاعمال,نعم لأنه سبحانه وتعالى يعلم أن النفس هى ألد عدو

للإنسان ,أفلح من زكاها وخاب من تركها بأضغانها لتهلكهه,ومما لا

شك فيه أن تزكية النفس لها اثر كبير فى سلامة المجتمع

ككل ,فمجتمع ممتلئ بالصالحين أفضل بكثير من مجتمع يرتع فيه

العصاة والحاقدون,ومنهج القرءان فى تزكية النفس وتطهيرها هو

منهج فريد لا يرقى إليه أى منهج بشرى وذلك لأن الذى وضعه هو

خالق البشر الذى يدرى أكثر منهم بالصالح لهم.

تبدأ تزكية النفس بالتخلية,ومعناها إزالة أدران وأوساخ

النفس ,فلم يترك الإسلام مرضا من أمراض النفس إلا وعالجه:عالج

التكبر الذى يزرع الكراهيه فى النفوس :"لا يدخل الجنه من كان فى

قلبه مقدار ذرة من كبر" ,"إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

ودفع الشماته وحب الشر للغير"لا تشمت فى أخيك فيعافيه الله

ويبتليك",وحذر من الغيبه والنميمه "لا يدخل الجنة قتات","ولا يغتب

بعضكم بعضا",أنت لا تستطيع أن تضع الماء فى كوب ممتلء ,لابد من

إخلائه أولا ,كذا القلب لابد من تخليته من ضغائنه وأمراضه أولا حتى

تستطيع أن تغرس فيه حب الخير للبشر.

حتى إذا أزلت ما به من درن ,جاء ميعاد التحلي’,يقول الحق سبحانه

وتعالى"قد أفلح من تزكى -وذكر اسم ربه فصلى"فسبحانه وتعالى

قد فرض على بنى آدم خمس صلوات فى أوقات متفرقه من اليوم

تبدأ بالوضوء وهو طهور الجسد وتهيئه للإنسان بإخراجه من أى حالة

كان عليها قبل الصلاة ,ثم يدخل فى الصلاة فإذا أداها بخشوع خرج

منها وليس عليه ذنب :"الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما" وتأملوا

معى تفرق أوقات الصلاة على مدار اليوم لتشمل جميع حالات

الانسان ,فى عمله وفى بيته وفى أي مكان يذهب اليه حتى إذا طرأ

عليه مشكلة ما مع البشر لجأ إلى مليكه ليضع الأمر بين يديه فتصفو

نفسه ويعود إلى الحياة بصدر رحب ممتلئ بالرضا,كما أن صلاة

الجماعة بما فيها من التحام بأخيك المسلم تغرس فى النفس وحدة

الصف وعدم التكبر ,فالكل أمام الله سواسيه ,تتنزل عليهم السكينة

والرحمة فى بيت الله فتزكو النفس وتنتهى عن أى شر قد خطر
لهاقبل الصلاة.

ومن أهم الاعمال التى يتزكى بها الانسان هو تعيين النيه قبل أي عمل:"إنما الاعمال

بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى", تخيل معى رجلا لا يخرج من بيته إلا بنية

صالحه :هل يؤذى أحدا ؟لا بالطبع فجميع أعماله صالحه وسلوكه انما هو مثال لطاعة

الله فى الأرض:كنت أرى جارى الشيخ دائما مبتسما طلق المحيا وكنت والله لا أراه

إلاّ منطلقا لعمل صالح إما لعمله كمربى فاضل أو لاتباع جنازه أو لزيارة مريض,وكنت

أتعجب له واتسائل دائما عن حاله ,وتمر الايام وتوفي هذا الرجل الصالح لأستمع إلى

زوجته التى كانت تحكى عنه قائلة "والله ما خرج من بيته يوما إلا بنية صالحه" رحم الله الشيخ .

والآن بعد أن استحضرتم النية قبل الخروج ,وبالتأكيد هى نية صالحه بإذن

الله ,تأملوا معى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم"ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه

تحاببتم ؟"افشوا السلام بينكم" صدقت يا حبيبى يا رسول الله,نعم هو يقطع الطريق على

الشيطان ,فعند أول لقاء لك بأخيك المسلم فى العمل أو فى الشارع أو فى المسجد

يكون القاء السلام هو أول دعامة للمحبه والأمان بين الأخوان ,فإذا تبسم "تبسمك فى

وجه أخيك صدقه"سقط الخوف والتوجس بينهما وانفتحت أبواب القلوب المغلقه.

لقد كان السلف الصالح أعلاما يقتدى بها فى تزكية أنفسهم وصهرها بنار الإخبات

وتدريبها على حب الخير,أحد السلف سار يوما فى السوق واشتهى فاكهه فقال

لنفسه :أو كلما إشتهيتى إشتريتى؟,منعها عن المباح قليلا حتى لا تشتهى ما فى أيدى

الناس غدا.ولما نذهب بعيدا؟ انظر حولك تجد من زكى نفسه هو علم الخير فى كل

مكان ,فالذى قد ترك حب النفس وابتغى الخير لغيره تجده يسعى للخير فى كل

مكان ,لا زلت أتذكرشباب وشابات فى عمر الزهور خلوا أنفسهم من أدرانها وكونوا

جمعية لمساعدة الفقراء ,لم يبخلوا بمالهم أو وقتهم أو جهدهم وانطلقوا فى كل مكان

يساعدون هذا ويمسحون دمعة هذه ويواسون المكلوم ويساندوا المحتاج,نعم الشباب

والله وأحسبهم على خير.

ومن أجل العبادات التى تزكى النفس وتطهرها :قراءة القرءان,يقول عثمان بن عفان

رضى الله عنه :"لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربى",تخيل رجلا مصحفه دائما

فى جيبه فهو يدفع عن نفسه حب النظر بالقراءة فى المصحف فيبتعد عن نظرة

محرمة قد تفتن قلبه ,كذا يبتعد عن النظر لما فى أيدى الناس فلا يحسد غيره على رزقه.

متى كانت آخر مره زرت فيها مريضا؟,نعم زيارة المرضى ترقق القلوب فهى تذكر

بالنعم التى يرتع فيها كل منا دون حساب ,وأهمها نعمة الصحة ,جرب أن تزور

مستشفى من المستشفيات التى تمتلئ بها بلادنا,ارسم بسمه على شفتيك وتقدم إلى

إخوانك على الأسرة البيضاء,الآن اخرج من المستشفى واختبر شعورا غريبا بالحمد على كل نعمة نسيت أن تشكر ربك عليها.

كذلك زيارة القبور فهى تذكر بالآخرة كما علمنا رسول الله صلى الله عليه

وسلم ,وتذكر الإنسان أنه مهما طغى وتكبر فالتراب هو مثواه الأخير.

إن النفس كالمارد, إن لم تقيد بضوابط الشرع وتهذب بفنون الأدب والأخلاق ,ظلمت

صاحبها وألقت به فى غياهب الظلمات ,وأنما شرع الله لنا تزكية النفس حتى ترقى أنفسنا وتخرج من شرنقة المعاصى.

وفى النهايه اذكر نفسى وإياكم بقوله تعالى"ونفس وما سواها ,فألهمها فجورها

وتقواها,قد أفلح من زكاها ,وقد خاب من دساها", اللهم أت نفوسنا تقواها زكها أنت

خير من زكاها أنت وليها ومولاها.اللهم آمين.

[CENTER]