بسم الله الرحمن الرحيم

محمد رشيد العويد


حين تَسلّم ((غافل)) مرتبه وعدّه؛ وجده ستين ديناراً فقط ، بينما هو ستمائة دينار.

عاد ((غافل)) إلى أمين الصندوق وسأله: أين باقي مرتبي؟ قال له أمين الصندوق: هذا هو مرتبك كلّه! قال غافل: لقد أعطيتني ستين ديناراً ومرتبي ستمائة! رد أمين الصندوق:هذا ما هو مدّون في كشف الرواتب أعطيتك إياه .

لم يجد غافل بداً من التوجه إلى مدير الإدارة التي يعمل فيها ، وما إن أذن له بالدخول وصار في غرفة المكتب حتى بث شكواه إلى مديره قائلاً: لقد أعطوني ستين ديناراً من مرتبي البالغ ستمائة ديناراً!
قال له المدير: هذا الذي أخذته هو قيمة ما عملته خلال الشهر!
تساءل غافل: ولكني لم أغب عن عملي في أي يوم!
قال المدير: لم تغب بجسمك.. ولكنك غبت في إنتاجك.
تساءل غافل في حيرة: ماذا تعني؟
قال المدير: لقد أمر مجلس إدارة الشركة بتركيب كاميرات خفية فوق كل موظف، تسجل عليه كل ما يقوم به من عمل، بدءاً من أول الشهر الماضي، وحين عرضنا أشرطة ((الفيديو)) التي سجلت جميع ساعات عملك وجدنا فيها تسعين مكالمة هاتفية خاصة وصلت أوقاتها إلى خمس وستين ساعة، ووجدنا على الأشرطة أيضاً استقبالك زائرين خاصين لا صلة لهم بعملك أمضيت معهم أربعاً وتسعين ساعة، وأحصينا ثلاثين ساعة كنت تقرأ فيها الصحف والمجلات . وبعد أن أنقصنا مجموع هذه الساعات من مجموع ساعات العمل وجدنا أنك لم تعمل سوى عُشْر الوقت الذي ينبغي أن تعمل فيه، فقد أمضيت تسعة أعشار وقتك في المكالمات الهاتفية، ومجالسة الزائرين الخاصين، وقراءة الصحف والمجلات، وفي غيرها مما لا صلة له بعملك. ولهذا لم نصرف لك سوى عشر مرتبك. وما أحسب أننا ظلمناك.

أردت بهذه القصة الرمزية أن أقدم لحديث نبوي رواه الإمام أبو داودفي صحيحه وحسّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير، وهذا نص الحديث: عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الرجل لينصرف وما كُتب له إلا عُشْر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها)) أخرجه أبو داود في صحيحه وأحمد وابن حبان.

إذاً فإن حال الموظف الذي لم يتسلم سوى عشر مرتبه لأنه لم يعمل سوى في عُشْر وقت دوامه؛ يشبه حال المصلي الذي لم يخشع سوى في عشر صلاته. جاء في (( عون المعبود في شرح سنن أبي داود)) : ( إن الرجل لينصرف) أي من صلاته ( وما كتب له إلا عشر صلاته): أي عشر ثوابها لما أخل في الأركان والشرائط والخشوع والخضوع وغير ذلك. ( تسعها، ثمنها، سبعها.. إلخ) بحذف حرف العطف، والمعنى أن الرجل قد ينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا عشر صلاته أو تسعها أو ثمنها بل قد لا يكتب له شيء من صلاته كما ورد في طائفة من المصلين.

ولو عدنا إلى القصة الرمزية وسألنا: كيف سيكون حال الموظف في الشهر التالي وقد علم أن في مكتبه (( كاميرا)) تصور كل شيء وتسجله؟ وأنه سيخصم من مرتبه كل ما يضيعه من وقت في غير عمله المكلف به؟ ألن نجده يعتذر عن استقبال الزيارات الخاصة؟ ويختصر أحاديثه في المكالمات الهاتفية؟ ويتوقف عن قراءة الصحف والمجلات؟

ومثل هذا نرجوه من المسلم بعد أن يقرأ حديثه صلى الله عليه وسلم الذي يخبر فيه أنه لا يكتب له من صلاته إلا ما خشع فيها وأقامه من شروطها وأركانها.

ليدفع المصلي كل خاطر يتسلل إلى نفسه ليشغله به الشيطان عن خشوعه كما يدفع الموظف بعيداً عن كل ما يشغله عن عمله، ليصرف حوائج الدنيا عن تفكيره كما يصرف الموظف زائريه ويعتذر عن استقبالهم أثناء عمله.


مجلة الأسرة - العدد 129