تمام الحمد لمالك الملك و الملكوت الحي الذي لا يموت ، و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين

تشبعت في طفولتي بقصص الأمراء و الأميرات التي كانت تروي نفس النهاية دائما "تزوج الأمير بالأميرة و أنجبوا أطفالا كثيرين و عاشوا سعداء و جميع سكان المملكة" كانت هذه هي صورة السعادة التي رسمتها في مخيلتي …
و تمر السنوات و تكبر الطفلة الحالمة… و كبرت نظرتها للحياة
امتد بصري للغرب و نظرته لهذه الدنيا …همهم أن "يعيشوا" حياتهم في ترف و يشبعون جميع رغباتهم … يبحثون عن جنة "مفقودة" على الأرض … أهكذا السعادة ؟ أهذه هي الراحة التي يبحث عنها كل شخص؟ و لكن دوام الحال من المحال … فهذه سنة الله في خلقه في هذه الدنيا … فمهما أشبعوا رغباتهم فلن يسعدوا … لأن سعادة المرء في إيمانه و في صلة قلبه بربه… و هذه الدنيا دار تعب و نصب ووصب… فهل لنا أن نرتاح؟ !راحة أبدية … نعم … الراحة الأبدية حقيقة لم أجد في وصفها أفضل من قول الله تعالى:
" و سيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (73) و قالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين (74) و ترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم و قضي بينهم بالحق و قيل الحمد لله رب العالمين (57) "(الزمر)

الراحة و النعيم اللذان يبحث عنهما الإنسان بفطرته …حقيقة و ليست وهم … جنة نعيم و راحة و لذة أبديتين ،ظن الكفار إيجادها على الأرض فغرقوا فيما يطيب لهم و يحلو غير مكترثين بخالقهم و عبادته و لو علموا أنهم يبيعون لذة أبدية بتنعم لحظات لما فعلوه ، و لو علموا أن الأرض دار مرور و ليست دار مستقر لما عصوا الله طرفة عين …و لكنهم.. لا يعقلون
يصف ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه "الفوائد" وصفا رائعا هذا الباب فيقول:
الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين ، و ليس لهم حط عن رحالهم إلا في الجنة أو النار. و العاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة و ركوب الأخطار . و من المحال عادة أن يطلب فيه نعيم و لذة و راحة، إنما ذلك بعد انتهاء السفر…

من قرأ كتاب الله ووصف الجنة و حال أهلها ما ازداد إلا شوقا لها، ومن تعمق أكثر في أحوال الجنة بقراءة الكتب التي خصصت لها لما ازداد إلا حرقة للظفر بها، فهي دار وصفت بأسماء كثيرة لا تزيد عارفها إلا تعلقا بها، فهي دار السلام و دار الخلد و دار المقامة و جنة المأوى و دار الحيوان و جنات النعيم و جنات عدن و المقام الأمين و مقعد الصدق و قدم الصدق و جنات الفردوس …نسأل الله أن نكون من أهلها
فهناك و هناك فقط تكتمل اللذة و هنالك …نرتاح
و طريق الجنة سهل لمن أعد لها و استعد و كان من أصحاب الهمم العالية و النفوس القوية ، همة عالية بعمل الصالحات و نفس قوية بالصبر على المحرمات و الابتلاءات و المحن و الإيمان غذاؤهما.
و تتحقق همة العمل بمعرفة مقدار الأجر الذي سيناله المرء ،فالحسنة بعشر أمثالها و الله يضاعف لمن يشاء ففضل ربي جزيل.
و الصبر على المحرمات و على ما تكره النفس يتحقق بمعرفة أجر الصابرين وأجر الصابرين بغير حساب فلن نستطيع أبدا تصور مقدار هذا الأجر ! ! ! و من أراد أن يكبر صبره و يستقر في نفسه فعليه أن يعرف قدر ربه فيكون ممن يقولون قلبا و لسانا:" إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" …

و كون السعادة الأبدية في الجنة لا يعني أن الإنسان لا يسعد في الدنيا فالطيبات جعلها الله لعباده الصالحين، فليسعد بنو آدم في الدنيا لكن بما يرضي الله …
"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون(32)" (الأعراف)
و قمة اللذة و السعادة في هذه الدنيا الإيمان الذي يتمكن من القلب فيستشعر المؤمن حلاوة العبادات و يأنس بمعية الله جل و علا فتطمئن نفسه و يطيب عيشه مهما كانت مصاعب حياته.
كم أشتاق إلى الجنة و نعيم الجنة ، هل تشتاقون إليها مثلي ؟ لعلي أشتاق إليها شوق من ابتعد عن موطنه الأصلي … فهي فعلا موطننا الأصلي
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من الفائزين بجنات النعيم… فهناك نرتاح..


كل الحقوق محفوظة "زهرة الحديقة ~منتدى لكِ" (و إن كنت قد كتبت الموضوع في منتدى آخر و أجريت عليه بعض التغييرات)