........ كانت الساعة تُشير إلى الثامنة مساءاً عندما انتهت من ارتداء ملابسها واضعة عباءتها على

رأسها ممسكة بيد ابنتها ذات السادسة من العمر، اتجهت إلى غرفة التلفاز..

كان يشاهد أحدى المحطات الفضائية ..

نظرت إليه قائلة: سأذهب ..

لايزال متأملاً الشاشة .. إلى أين؟

ما رأيك لو جدت علينا بنظرة؟

لم يزل شارداًً بنهم في مراقبة محطة فضائية ..

اندفعت بفضول لترى ماذا يشاهد، كان هناك عرض لنساء في ملابس فاضحة، نظرت إليه بغيرة يشوبها غضب قائلة له : أراك تنظر مستمتعاً ..

أجابها وعيناه مازالتا تُراقبان العرض المُثير :.. هل تظنين إنهن يؤثرن علي ..

أجابته باستهزاء.. نعم واضح..

أرادت ابنته الدخول للغرفة لتشاهد التلفاز، لكنها ًقامت بأخذ جهاز التحكم من يده وأطفأته ..

نظر إليها بحنق قائلاً بهدوء..عزيزتي سبق وان تناقشنا في هذا الأمر وانتهينا بالاتفاق على أن يكون لك جهاز تشاهدين فيه محطاتُك وهذا الجهاز لي أشاهد فيه ما أُريد وإن سمحتي

يا حبيبتي لا تتدخلي في شئوني الخاصة واعلمي إنني لا اسمح لك بذلك ..

افعل ما يحلو لك لن أجادلك في شئ فلست راغبة في مشاجرة معك

استدارت مغادرة غرفته المُعبقة برائحة الدُخان..

التفت إلى ابنته قائلاا.. قُبلة.. قُبلة لبابا..انشغلت قليلاً بمشاهدة العرض المُثير ثم انطلقت راكضة صوب أمها قائلة: أمي أمي الكافرات في التلفاز كاشفات عن أجسامهن..

اتجهت صوب الباب الداخلي للمنزل مع ابنتها وصوته من ورائهما سائلاً.. لم تخبريني أين ذاهبة؟

إلى أُمي آخي عاصم ينتظرنا في الخارج

اخذ يتنقل بين المحطات الفضائية بواسطة جهاز التحكم مستمتعاً بما يراه ..

قليلاً ورن جرس الهاتف.. اخذ السماعة.. جاءه صوت ناعم من الطرف الآخر

َمن أنتِ؟

أنت لا تعرفني لكني أعرفك ..

ما سبب اتصالك بي ومن أين لكِ رقم الهاتف؟

لو أردت أن اشرح لك سبب اتصالي بك للزم ذلك مني وقتاً طويلا ..

حسناً لأي غرض كان اتصالك بي؟

للتعرف عليك.. هل هناك مانع؟

حسناً ترغبين في عقد صداقة معي؟

هكذا تقريباً ..

هل تعرفين؟.. صوتك جميل جداً ..

ضاحكة بدلال: .. هل أعجبك؟

جداً

هل تشعر أن الكلفة سقطت بيننا؟

ارجوا ذلك

هل أستطيع أن أسأل سؤالاً آخر؟

ليس قبل أن اعرف نوع الصداقة التي ترغبها

لن أخبرك حتى اطرح عليك سؤالي

تفضل

هل كان اتصالك بي صدفة فأصابت أناملك رقمي؟

ليس كذلك

إذن أنا المقصود بالذات في اتصالك هذا

نعم أنت الرجل الذي أريده

من أين لي معرفة ذلك؟

حسناً ما الذي تريده مني لأثبت لك بالقول القاطع إنك أنت وبعينك تماماً من… اعذرني أن أوضح لك اكثر من ذلك ..

إذن إلي بالبينة على ذلك ..

حسناً أنت عامر وزوجتك رابية ولديك ابنه تبلغ من العمر ست سنوات تقريباً تُدعى نجلاء

آه أيتها الشقية تعرفين كل شئ عني وكأنك تقرئين بطاقتي العائلية ..

ألا تشعر انك بدأت تقسو علي بأن أطلقت جزافاً لقب الشقية ووصمتني به

اقبلي عُذري يا صاحبة اجمل صوت سمعته وارشديني إلى اللقب الذي تُحبين أن أناديك به

إن شئت فنادني بالعاش.! أغلقت خط الهاتف ..

وضع السماعة وتناول جهاز التحكم وأخذ يتنقل بين المحطات..

أفاق من مطاردته للمحطات الفضائية التي استغرقت وقتاً طويلاً على صوت استدارة المفتاح في ثُقب الباب..

أتت إليه ابنته راكضة نحوه وفي يدها لعبة من البلاستيك وحديثُها يسبقها إليه..

آبي انظر ماذا اشترى إلي خالي عاصم.. أخذها مُعانقاً وقام بضمها إلى صدره..

أما هي فأسرعت متجهة إلى غرفتها ملقية بحقيبتها وعباءتها وغطاء رأسها ووجهها على الطاولة واستلقت على السرير وأخذت تُحملق في سقف الغرفة..

كان مستغرقاً في مشاهدة فيلم ناسياً أن ابنته بجانبه حتى أتى مشهداً يشبه تماماً للمشاهد التي يؤديها أي مخلوقين من ذكر وأنثى.. بدءاً بالعصافير ونهاية بالحمير..

أفاق من غلفته منتبهاً على صياح ابنته وهي تركض من جانبه متجهة إلى أمها قائلة: أمي أمي الرجل يُقبل المرأة وينام… وهي…

تنهدت بعصبية والتفت إلى ابنتها آمرة إياها بهدوء بالخروج من الغرفة وان تتركها لوحدها..لكنهاأخذت تشُدها من يدها لتذهب معها لمشاهدة ما يعرض في التلفاز..

نهرت ابنتها بعصبية وأخرجتها من الغرفة وأغلقت الباب ورائها بالمفتاح..

جلست الطفلة بجانب الباب على الأرض بادياً على وجهها الغض الحيرة والذهول ..

غادر غرفة التلفاز مسرعاً إليها في غرفة النوم وفي طريقه تعثر بابنته وكاد أن يسقط ..

رمقته الصغيرة بنظرة حزينة وهي لم تزل جالسة جوارالباب..

طرق الباب طرقتين بهدوء..

قامت فاتحة الباب بعصبية ثم رجعت إلى السرير مُكملة نظراتها القلقة تلك إلى سقف الغرفة..

دلف للغرفة مُغلقاً بابها بالمفتاح،وقف مُحاذاتها مُبتسماً.. رابية يا زوجتي الحبيبة لماذا تقسين

علي هكذا؟!

ألقت عليه نظرة سريعة ثم عادت متأملة سقف الغرفة ..

أخذ يضحك مُقهقهاً مُنفرجاً فمه عن أسنان صفراء يفرق بينها صبغة سوداء من اثر القطران ..

إستمرت في صمتها العميق

قام يجر خصلة من شعرها لكنها إستدارت بكاملها الى جهة الحائط ودموعها تسيل بصمت ..

احس انها تبكي.. جلس على مقعد جوار السرير وقال لها.. هل استطيع معرفة الذنب الذي ارتكبته حتى تعاملينني بهذه القسوة والبرود ؟!..

عندها إستدارت بقوة ناحيتة وجلست على طرف السرير منهية بذلك صمتُها العميق وخاطبته بحدة من وراء عينين حمراوين من البكاء قائلة:ايها الرجل أفق لنفسك استيقظ من سباتك الى متى! هاأنت توشك ان تبلغ الاربعين من العمر ولا زلت تتعثر في خطاياك وذنوبك الا تتقي الله في وفي ابنتك

نهض واقفاً واقترب منها قائلاً بغضب: هل تنكرين انني احبك وأحب ابنتي وأوفر لكما كل ماتريدانه من أجل سعادتكما ؟

عند ذلك قفزت من السرير بخفة واقفة امامه.. أي حُب هذا الذي تتكلم عنه، هل تعتقد انك تعرفه إن كنت تظن انه الحب العاطفي فأنت مُخطئ تماماً، اعلم جيداً انه حب تشترك فيه جميع الكائنات نعم انت تحبنا انا لا انكر ذلك ولكنه حب أناني اتمني ايضاً ان تعلم جيداً حتى الوحوش الكاسرة والحيات الرقطاء والعقارب تُحب ابنائها اتقي الله في وفي ابنتك ..

اشعل لفافته مطيحا براسه الى الوراء ثم نظر اليها:إذن تُشبهين حبي بحب الحيايا والعقارب حبيبتي لا تكوني مُعقدة مارأيك لو تركنا الخلاف جانباً وعشنا سوياً حياة سعيدة

ناظرة اليه بتجهم..ماالذي تقصده!؟

انت تعرفين قصدي جيداً

صامتة

هل يعجبك هذا الاسلوب الذي فرضتيه علينا في البيت وخارجه؟ اصبح كل منا يعيش حياة تختلف عن الاخر..

كن شجاعاً وافصح عما تُريد قوله

حسناً..الايكفيك مااديتيه من دور رابعة العدوية لا اسمع منك سوى هذا لا يجوز ..

ارجوك دعني لوحدي فقد اصبت بالاختناق من جراء لفافتك الخبيثة هذه..

عند ذلك نهض واقفا قائلاً لها بحدة وغضب: اسمعي ايتها الواعظة الخرقاء انني اعرف ربي وديني قبل ان اراك، لست بحاجة الى نصائحك، انتي التي تفهمين الدين بطريقة خاطئة هل لأني استمتع بحياتي بطريقتي الخاصة والله يعلم عن طهارة قلبي وصفاء نيتي يجب ان تعلمي انه لولا ابنتي مارضيت في استمرار الحياة معك، انتي ياحضرة الزوجة المحترمة لا تفهمين ولا تُريدي ان تفهمي في أي عصر نحن نعيش تحملتك كثيرا عند سفرنا للخارج منذ ثلاث سنوات ، هذه حياتي سوف احياها كما اريد لن اغيرها انتي التي يجب عليك ان تتغيري، افيقي من غفلتك وفكري جيدا قبل ان اُجبر على امر لا نرضاه جميعا...

كانت صامتة واضعة رأسها فوق ركبتيها تبكي بصمت..

فتح باب الغرفة وخرج مسرعا متعثرا بابنته الجالسة بجوار الباب تبكي، لكنه هذه المرة سقط على الارض مما جعل ابنته تنقطع عن البكاء وتغرق في نوبة ضحك عميقة، نظر اليها بحنق.. قام واقفا ودخل غرفة التلفاز وأغلق على نفسه الباب ..






يتبع