نردد دائما كلمة مبادئ ..
ونقول : مبدئي في الحياة كذا وكذا ..

ثم تظهر أعمالنا .. فتخالف مبادئنا ..
فنُسأل عن تلك الكلمات والمبادئ التي تبنيناها ..
فنختلق الأعذار لمخالفاتنا ..
فيظهر تخبطنا هنا وهناك ..


نظرت .. فوجدت دائرة كبيرة باللون الأخضر ..
ودائرة أخرى وسطها .. باللون الأحمر ..

حاولت الوصول إلى اللون الأخضر .. إنه بعيد .. بعيد .. بعيد جدا ..
طريقه وعر وشائك وحار وصعب ..
تحيط به جبال شاهقة يصعب الصعود إليها .. والوصول إلى الخط الأخضر دائما إلى
الأعلى .. والصعود دائما صعب ..

ولكن كلما اقتربت من اللون الأحمر ( الدائرة الوسط ) كلما تفسحت عندي الطرقات ..
ورأيت الزهور والورود تنتشر هنا وهناك ..
رأيت الجمال بأنواعه .. رأيت المتع كلها تحيط بذلك المكان ..
ضحك .. وسرور ..
طرق معبدة .. زينة .. وأشجار وارفة .. كأنها الجنان ..

دائما ننجذب إلى المتع ..
تبهرنا حلاوتها .. تجذبنا نحوها كما تجذب الورود النحل إليها ..
ولكن ..

ما إن وصلت إلى الخط الأحمر ..
حتى رأيت واديا عميقا .. ترتفع منه ألسنة اللهب .. يشد الناس من حوله بقوة ..
كان اللون الأحمر .. والزينة كلها جاذبا للموت ..
وكنا كالفراشات .. تجتمع على ألسنة اللهب .. ليكون بها موتها من حيث لا تدري ..

تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
حُفَّتِ الجنة بالمكاره ، وحُفَّتِ النارُ بالشــَّهوات ..

عندما يبدأ الإنسان بالإنزلاق إلى تلك الحفرة .. لا يستطيع الخروج بسهولة أبدا ..
إنها النار الشرهة .. تبتلع الأجساد .. تحتاجهم لتضطرم أكثر وأكثر ..

عندما ينزلق الإنسان .. وتبدأ النار بأكل جسده .. يكون قد فات الأوان على وقت الخروج ..

وقفت مندهشة .. تعقد المفاجأة لساني ..
كلنا .. وصلنا إلى هذه الهوَّة العميقة .. لماذا ؟

ونظرت إلى البعيد .. إلى اللون الأخضر .. فوجدت أفرادا قلة .. يتهادون في مشيتهم ..
إنهم في منأى عن ذلك الجحيم ..

تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ألا وإنَّ لكُلِّ شيءٍ حِمَى ..
ألا وإنَّ حِمى الله .. محارِمُه ..
ألا وإن في الجسد مضغة ..
إذا صَلُحَت .. صَلُحَ الجسدُ كلُّه ..
وإذا فسدت .. فسد الجسد كلُّه ..
إلا وهي القلب ..

ونظرت إلى قلوبنا ..
وسوادها .. وذلك الرين المتكاثف عليها .. يكاد يُخفيها تماما ..
بكيت .. في وقت لا ينفع فيه البكاء ..
وندمت .. حيث لا يُجدي الندم شيئا ..

لماذا وصلنا إلى هنا ؟؟
وكيف وصلنا ؟؟

علمت أنها المبادئ التي كنا نتغنى بها بألسنتنا ..
ونفعل ضدها بأجسادنا .. هي التي أوصلتنا إلى هنا ..
ورأيت كيف ستشهد أيدينا وأرجلنا .. وجلودنا على كل أفعالنا ..

رأيتُ الكتاب الذي لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ..
ورأيت ورأيت ..

أفقت من تلك الغيبة الطويلة .. التي أخذتني معها إلى عالم آخر ..
وإذ بالقارئ يرتل ..
يا أيها الذين أمَنوا .. لِمَ تقولونَ مالا تفعَلون ؟
كَبُرَ مَقتًا عند الله .. أن تقولوا ما لا تفعلون