بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله


محمدٌ النبيُّ الأميّ ومن والاه


الحمد لله الذي جعل الموت والحياة ابتلاء..


فإن سألنا كم هي طول الرحلة التي يقطعها الإنسان بين مولده وموته ؟؟


فنجد أنه مهما طالت الحياة أو قصرت


فإنها سوف تنتهي بالموت وكان الموت أمراً مقضيّا


﴿كُلّ‏ُ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾(الرحمن:26).



يعيش الناس أو أكثرهم في غفلة عن نقطة نهاية رحلتهم الدنيوية


والمحطة الأخيرة التي سيصل إليها قطار حياتهم..


فيبقى جُلَّ همُّهم وأكبر هاجسهم هو متاع الحياة وكم حازوا فيها



وكم حققوا فيها من مكاسب وما ارتقوا من درجات


وما كسبوه من مال ووصلوا إليه من غايات..


يقول تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنّ‏َ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

(الأنفال:28)



وما أكثر ما يمرُّ بنا في مشوار حياتنا من وقفاتٍ وومضاتٍ


ما أحوجنا أن نقف عليها وِقْفة العقلاء


ونتفَّكر بها فِكرة الحكماء


﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾(الملك:2).



ولكن..ما يثير الاستغراب أن تلك التحذيرات واللاَّفتات


التي تذكرهم بالموت وتحذرهم منه؛ أثناء حياتهم


يرونها وربما يعيشونها دون مبالاة أو اهتمام..


يصُمّون آذانهم أمام دعوة داعٍ أو موعظة واعظ


فيها أمرٌ بمعروفٍ أو نهيٌ عن مُنْكرٍ..


وربما رأوا الأمراض والبلايا من حولهم تذكِّرهم بضعفهم ووهْن أجسادهم


ولكن دون جدوى..


وهذه تذكرةٌ قويةٌ بموت جارٍ أو قريبٍ تقول لهم:


فما المُعزَّى بباقٍ بعد ميِّته....ولا المُعزِّي ولو عاشا إلى حين


كثيرة هي الإشارات ولكن من ينتبه إليها؟؟


فكم من ملوكٍ وجبابرة ماتوا ..فأُودِعوا التراب دون سلطانهم.. وأموالهم


ولا أملاكهم فالملك يومئذٍ لله الواحد الأحد


"ما أغنى عني ماليه(28) هلك عني سلطانيه)29( "


سورة الحاقة


كثيرة هي الإشارات... ولكن من ينتبه إليها؟؟


فهلاَّ أوجدنا التكامل بين العمل للدنيا والعمل للآخرة؟؟


لتكون التذكرة


فالموت قادمٌ.. قادم.. قادم



يا مـن تمـتع بالدنـيا وزيـنتـها *** ولا تنـام عن اللـذات عيناه


أفنيت عمرك فيما لست تدركه *** تقـول لله مـاذا ؟ حيـن تلـقاه

ماذا ستقولون لربكم..


ماذا جهّزتم للقاء الله تعالى عند العرض عليه.؟؟


وماذا ستقولون له عند السؤال؟


يا من أشركتم بالله.. ويا من استهنتم بالصلاة


ماذا ستقولون لربكم...


يا من قطعتم الأرحام ولم تصلوها..يا من أكلتم الأموال بالباطل..


يا من ضيَّعتم صيام رمضان..تعاملتم بالرشوة والربا وعصيتم أوامر الله ورسوله؟؟


ماذا ستقولون لربكم ..


يا من اعتديتم على الأعراض وقذفتم المحصنات؟


يا من استحببتم الغناء والرقص وعثتم في الأرض فسادا ؟؟


يا من استهنتم بحشمة نسائكم وتركتموهن كاسيات عاريات؟؟


يا من تجبَّرتم على الضعفاء واستعليتم على الحق.؟




ماذا ستقولون لربكم..


يا أهل الغيبة والنميمة والكذب والفساد؟؟


يا من ارتبتم في البعث والقيامة..


والله تعالى يقول وقوله الحق


"أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. (6)"

المطففين



فالله القادر على خلق الإنسان من ماءٍ مهين ؛ قادرٌ على إعادته بعد أن يصبح ترابا


ألا استيقظتم قبل فوات الأوان؟


يامن غرَّتهم الحياة الدنيا بزخرفها وزينتها


هلَّا تذكرتم ساعة اللقاء..؟


ساعة القدوم على الخالق الوهاب


ساعة خروجكم من الدنيا فرادى..


كما دخلتم إليها فرادى..



{ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ..}

الأنعام ( 94 )


إن للموت شدة وسكرات ما نجا منها أحد..


والله لو نجا منها أحد لنجا رسول الله صلى الله عليه وسلم


أشرف الخلق أجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين


عن أنس رضي الله عنه قال:


لما ثقل النبي صلي الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة رضي الله عنهما:


واكرب أبتاه. فقال: (( ليس علي أبيك كرب بعد اليوم)).


فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباه دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه،


يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما قالت فاطمة عليها السلام:


يا انس ، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟(110)

رواه البخاري




أيها المنشغلون بالدنيا عن آخرتكم..


ألا تتذكرون أننا ما خُلِقنا في هذه الدنيا وهي دار عمل


والآخرة هي دار الجزاء؟؟


ألم تقرؤا قوله تعالى:


"َابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا


وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ


إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"


[القصص:77]



أيوجد من هم أشدُّ حمقاً ممن يعرفون أن الموت مصير كل مخلوق


ثم لا يعدّوا له العدة؟


تراهم يتجهزون للدنيا بكل ما أوتوا من جهدٍ


لسفرةٍ بسيطة أو لرحلةٍ قريبة


ولكنهم ينسون السفر الأخير


أفلا يعدوا لهذا السفر عدتهم؟؟



اللهم إني أسألك حسن الخاتمة


والرحمة والمغفرة


والفوز بالجنة والنجاة من النار


اللهم اجعل خير أيامي يوم العرض عليك


اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم


﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ


(النحل:32)



اللهم آآآمين ..آآمين ..آمين


دمتم بحفظ الله ورعايته