الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى وأمر ونهى

وأشهد أن الله هو الإله الحق لا إله لنا غيره ولا نعبد إلا إياه ،

وأشهد ان محمدا رسول الله الذي بيَّن الأحكام والآداب والأخلاق الشرعية

بقوله وفعله ،صلى الله عليه وسلم وآله وصحابته ومن سار على نهجه واتبع هديه.

حسن الظن عبادة قلبية جليلة لم يدرك حقها كثير من المسلمين

فإنها تدل على سلامة العقيدة وسلامة الفطرة

وتدعم روابط الألفة والاخوة بين أبناء المجتمع

فلا تحمل القلوب غلاًّ ولا حقدًا

ولقد أوجب الاسلام على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين

فلا يحل لأحد منهم أن يتهم غيره بفحش أو ينسب إليه الفجور

أو يسند إليه الإخلال بالواجب أو النقص في الدين أو المروءة

أو أي فعل من شأنه أن ينقص من قدره أو يحط من مكانته،

بل قد أمر الله بالتثبت؛ ونهى عن تصديق الوهم والأخذ بالحدس والظن والتعليل بالتحليل،

فقال ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )

الاسراء 36

وعن أبي هريرة قال نصر بن علي : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

{ حسن الظن حسن العبادة } رواه أحمد



دعونا نتعرف على الأسباب المعينة على التحلي بـ حسن الطن

1- الدعاء

2- إنزال النفس منزلة الخير

3- حمل الكلام على أحسن المحامل

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه

" لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراًً وأنت تجد لها في الخير محملاً "

4- إلتماس الاعذار للآخرين

ولـ ننظر الى هذا المثال الرائع من حياة الإمام الشافعي رحمه الله

حين مرض الإمام الشافعي رحمه الله واتاه إخوانه يعوده فقال للشافعي قوى الله ضعفك

قال الشافعي لو قوي ضعفي لقتلتني قال والله ما أردت إلا الخير فقال الإمام

أعلم انك لو سببتني ما أردت لي إلا الخير

5- تجنب الحكم على النيات

" وهذه مهمة جدا لان النية محلها القلب و يعلمها إلا الله عز وجل "

6- استحضار آفات سوء الظن وعدم تزكية النفس

لأن من نتائج سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين

مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس

التي نهى الله عنها في كتابه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}

النجم:32




وعلى العكس فإذا قدمنا سوء الظن فإن النفوس تتحطم

والبيوت تتهدم والاسر تتشرد وتتقطع الاوصال

والاعراض تتهم وتشوه صور مضيئة

وتتردى مجتمعات والسبب سوء الظن بأخيك المسلم و المسلمة


سوء الظن مهلكة

وبلاء لا يكاد الناس يسلمون منه

فسوء الظن داء خفي

له دافع من خير ودافع من شر

فهذا يسيء الظن بقصد الشر والفتنة وذلك يسيء بقصد الخير والعافية

وكلاهما في الحقيقة سيء الظن ولو أن القاصد للخير ما قصد إلا الخير

إلا أن إساءته الظن بأخيه المسلم لربما كان أشد وطئا وفتنة ممكن أساء الظن قاصدا للنشر والوقيعة



وقد تعرض لمثل هذا النبي صلى الله عليه وسلم

في زوجه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها

والقصة تبدأ وجيش المسلمين قافل من غزوة بني المصطلق
حصل أن عائشة ذهبت لقضاء الحاجة، فلما عادت فقدت عقدها،

فرجعت تبحث عنه، فجاء الذين يحملون هودجها،

فحملوه ووضعوه على ظهر الناقة وهم يظنون أن عائشة فيه، وكانت جارية حديثة السن لم تثقل

وسار الجيش

وجدت عائشة العقد وعادت فلم تر للجيش أثرا فمكثت في مكانها، وهي تظن أنهم سيفقدونها ثم يعودون إليها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع في مؤخرة الجيش رجلا يكون عينا

وحافظا، وكان صفوان بن المعطل، فجاء فرأى عائشة رضي الله عنها

فاسترجع، ثم أرخى لها الدابة، وما كلمها، فركبت، وسار بها، حتى دخل المدينة ظهرا، على مرأى من الناس فوقع بعض الناس فيهما بالإفك وكان الذي تولى كبره المنافق عبد الله بن أبي بن سلول

وهلك من هلك، وتناولوا عائشة بما هي بريئة منه، ومكثوا على هذا شهرا، لا ينزل الوحي

ولنا أن نتصور كيف يكون حال النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة في هذه المدة

لقد كانت مأساة كبرى حيث لم يكن المنافق ابن سلول وحده الخائض في هذا الإفك، بل بعض الصحابة

أيضا كحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بن جحش

لقد بلغ بالنبي صلى الله عليه وسلم أن صار يستشير أصحابه في فراق أهله

وأسامة بن زيد يقول: " يا رسول الله! أهلك، وما نعلم إلا خيرا "

وأما علي فيقول :" يا رسول الله ! لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير"

وعائشة تبكي الأيام لا يرقأ لها دمع، ولا تكتحل بنوم، ويقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

في الناس مستعذرا يقول

"من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا

ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا"

حتى إذا طال البلاء قال لعائشة " يا عائشة! فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله

وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله، تاب الله عليه "

فأجابت :" إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث، حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة

لتصدقني، والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف، قال: فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون"

فأنزل الله تعالى براءة عائشة عائشة رضي الله عنها من الإفك:" إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امريء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم "

لقد كانت حادثة الإفك درسا كبيرا لكل من يقدم سوء الظن على حسن الظن