هي تلميذة من مدرسة النبوة، فارسة مقاتلة عنيدة تخرجت من
مدرسة لا إله إلا الله، ما كانت لتكون كذلك إلا لأنها عابدة صوامة
قوامة، ما كانت لتفعل تلك الأفعال وتسجل تلك اللحظات إلا
لأنها عابدة صوامة قوامة .
وهي امرأة ليست ككل النساء، تميزت عنهن بالكثير من

الصفات والمواصفات، تربت في البادية العربية مع أبناء قبيلتها
بني أسد، دخلت الإسلام مع من دخل من أبناء العروبة في ذلك
الزمن الأول للإسلام، وشاء الله أن تكون مع الكتائب
الطلائعية المتقدمة للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق .
شاركت بكل قوة وببسالة نادرة بين الرجال وبين النساء
وعلى مر العصور في الكر والفر ،في حمل الرماح ورمي السهام .
ولكثرة ما حكي عنها يظن البعض بأنها شخصية خيالية ..


خولة بنت الأزور ألاسدي


شاعرة, من أشجع النساء في عصرها، أخوها ضرار بن الأزور.
يرتبط تاريخ حياة خولة بنت الأزور بضروب
البطولة التي أبدتها في واقعة أجنادين.
والتي التحم المسلمون بقيادة خالد بن الوليد بالروم بقيادة هرقل، فقد
فاقت ببسالتها وشهامتها ما قام به الرجال، وحاربت
مستخفية لاطلاق سراح أخيها ضرار من الأسر.


بينما خالد بن الوليد يصف صفوف المقاتلين لقتال الروم إذا
بفارس ملثم ذي ثياب سود، قد حزم وسطه بعمامه خضراء، ثم
سحبها على صدره.
سبق هذا الفارس الناس كأنه برق، فقال خالد:
ليت شعري من هذا الفارس؟ وايم الله إنه لفارس شجاع!
ثم تبعه خالد والناس.
وكان هذا الفارس أسبق إلى صفوف المشركين؛ فحمل على عساكر الروم
كأنه النار المحرقة، فزعزع كتائبهم، وحطم مواكبهم، ثم غاب في
وسطهم، ثم خرج وسيفه ملطخ بالدماء وقد قتل رجالاً، وجندل
أبطالاً، وعرض نفسه للهلاك.
ثم اخترق مرة ثانية غير مُكترث ولا خائف ولا مبال،
فقلق عليه المسلمون، وقال رافع بن عميرة :
ليس هذا الفارس الملثم إلا خالد بن الوليد ..
فإذا بـخالد بن الوليد على يمينه قد أشرف عليه، فقال رافع :
من هذا الفارس الذي تقدم أمامك، فلقد بذل نفسه ومهجته؟!
فقال خالد:
والله إني أشد إنكاراً له منكم، ولقد أعجبني ما ظهر منه
من شجاعة، فقال رافع : أيها الأمير!
إنه منغمس في عسكر الروم يطعن يميناً وشمالاً.
فقال خالد:
معاشر المسلمين! احملوا بأجمعكم وساعدوا المحامي عن الدين، فأطلقوا الأعنة، وقوموا الأسنة، والتصق بعضهم ببعض، وخالد أمامهم، ونظر إلى الفارس فوجده كأنه شعلة من نار، كلما لحقت به الروم، لوى
عليهم، وكر وفر، وصال وجال.
فتعجب المسلمون من هذا الفارس الملثم!
ووصل الفارس المذكور إلى جيش المسملين، فتأملوه فرأوه قد تخضب بالدماء، فصاح خالد والمسلمون:
لله درك من فارس، اكشف لنا عن لثامك لنعرف من أنت.
فمال عنهم ولم يخاطبهم، وانغمس في الروم فتصايحت به الروم
من كل جانب، وكذلك المسلمون، وقالوا:
يا أيها الرجل الكريم، يا أيها الفارس الملثم، أميرك يخاطبك
وأنت تعرض عنه؛ اكشف عن اسمك وحسبك لتزداد تعظيماً -يريدون
ما عند الله، بينهم وبين الله أسرار لا يعلمها إلا الله- فلم يرد عليهم
جواباً، فلما ابتعد عن خالد سار إليه خالد بنفسه، وقال له:
ويحك شغلت قلوب الناس، وشغلت قلبي بفعلك،
فمن أنت؟!
فلما ألح عليه خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه بلسان التأنيث، وقال:
إنني يا أمير المؤمنين لم أعرض عنك إلا حياء منك؛ لأنك أمير جليل، وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور! فقال لها خالد:
من أنت بارك الله فيك؟ قالت:
أنا خولة بنت الأزور .


في معركة من معارك الشام وقعت مجموعة من المسلمات في الأسر، من بينهن
فارسنا الملثم خولة بنت الأزور
فقامت تخطب في النساء فقالت:
يا بنات حمير! وبقية تبع! أترضين لأنفسكن
علوج الروم، ويكون أولادكن عبيداً لأهل الروم؟
أين شجاعتكن وبراعتكن التي تتحدث بها عنكن أحياء العرب، وإني
أراكن بمعزل عن ذلك، وإني أرى القتل عليكن أهون من هذه الأغلال.
فأجابتها إحدى تلميذات المدرسة النبوية عفراء بنت عصام الحميرية : صدقت والله يا بنت الأزور!
ونحن والله في الشجاعة كما ذكرت، وفي البراعة كما وصفتِ، وصاحت:
غير أن السيف يحسن فعله في مثل هذا الوقت، وإنما داهمنا العدو
على حين غفلة، وما نحن إلا كالغنم بدون سلاح.
فقالت خولة :
يا بنات التبابعة! أترضين أن تحملن في بطونكن أبناء هؤلاء العلوج؟
كم تشتكي نساء العراق! وهن يقللن بطوناً ملأى بأبناء أحفاد الصليب، ولا حياة لمن تنادي.
فقالت عفراء بنت عصام : والله ما دعوت إلا إلى ما هو أحب إلينا مما ذكرت، ثم تناولت كل واحدة عموداً من أعمدة الخيام، وصحن صيحة واحدة، وألقت خولة على عاتقها عموداً، وسعت من وراءها عفراء
و مسلمة بنت زارع و روعة بنت عملون و سلمة بنت النعمان
وغيرهن، فقالت لهن خولة :
لا ينفك بعضكن عن بعض، وكن كالحلقة الدائرة، لا تفترقن فيقع بكن التشتيت، حطمن رماح القوم، واكسرن سيوفهم
وهجمت خولة ، وهجمت معها النساء، وقاتلن قتالاً شديداً، حتى
أدركهن مجموعة من المسلمين، جاءت في الوقت المناسب
لتخليصهن، فكان الفرج من الله.


توفيت خولة بنت الأزور في أواخر عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه .
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنها ممن قاتل يوم اليرموك مع نساء كثيرات حيث يقول:
وقد قاتل نساء المسلمين في هذا اليوم وقتلوا خلقا كثيراً من الروم، منهن: خولة بنت الأزور, وخولة بنت ثعلبة الأنصارية وكعوب بنت مالك بن عاصم, وسلمى بنت هاشم, ونعم بنت فياض, وهند بنت عتبة بن ربيعة, ولبنى بنت جرير الحميرية, وعفيرة بنت غفار, وسعيدة بنت عاصم الخولاني.




خولة بنت الأزور
قدوة لبنات العرب والمسلمين
قدوة في الشجاعة والبسالة وفي التعاون والتآزر مع الأهل والأخوة