زود الله سبحانه وتعالى الإنسان بإنفعالات تعينه على الحياة والبقاء ، فهي تساعده على مقاومة المواقف الخطرة ، أو الهروب منها ، أومواصلة البذل والجهد للحصول على الشيء الذي يحتاجه .

إن الانفعالات الإنسانية تمثل القلب بالنسبة للعقل وهي ضرورية لكل أحد للحفاظ على قدرته لأداء مهامه وأدواره في الحياة بشكل سليم .

وهي تعبر عن أفكار الشخص تنشط و تندفع بسلوكه ، وقراراته غالبا ما تتخذ على مستوى انفعالي، فالانفعالات تقوم مشاركة مع الدافع بتوجيه السلوك .

إن الحفاظ على مستوى معين من الانفعالات مطلب ملح لحياة متزنة سعيدة , فإن اختلت وخرجت عن وضعها الطبيعي زيادة أو نقصا كان الاضطراب وقد يكون المرض النفسي ، فمثلاالخوف الطبيعي

انفعال ضروري لدينامية الشخصية وفعاليتها فإن زاد عن حده الطبيعي كان الخوف المرضيأوالرهاب ، والحزن قد يستفحل ويؤدي إلى الاكتئاب والفرح الزائد عن حده الطبيعي

قد يؤدي إلى مرض الهذاء.

فعلى الإنسان تنظيم حياته الانفعالية تنظيما يسهم في تحقيق صحته النفسية وعليه

عدم المغالاة والإسراف في الانفعال بدون مبرر أو فيما لا يتناسب مع الموقف المعاش فإن فعل لك

كان الألم والاضطراب والمرض .


وإن لتلاوة القرآن الكريم

وتعلمه وتدبر معانيه والعمل بما فيه آثارا تربوية ونفسية عظيمة منها ضبط الانفعالات والتحكم فيها والسيطرة عليها بطريقة نموذجية مميزة تنمي
شخصية الإنسان وتسهم في تحقيق صحته النفسية، وليتمتعوا بحياة متزنة الانفعالات سوية

خالية من الأمراض والعلل ،ومن الانحراف والضلال والفرقة والانقسام ، وذلك بإرشادهم إلى

السلوك السوي السليم الذي فيه صلاح الإنسان وخيرالمجتمع، ولتوجيههم إلى الطرق الصحيحة

لتربية النفس وتنشئتها تنشئة سليمة تؤدي بها إلى بلوغ الكمال الإنساني الذي تتحقق به

سعادة الإنسان في الحياة الدنيا وفي الآخرة.قال تعالى :

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَاهُوَشِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [سورةالإسراء الآية :82]


والانفعال يمكن أن يعرف بأنه

اضطراب حاد يشمل الفرد كله ويؤثر في سلوكه وخبرته الشعورية ووظائفه الفسيولوجية الداخلية .

أمثله على الانفعالات :

كتم السر : بعض النفوس لا تستطيع أن تكتم السر، لقد جاء في الشريعة أوامر معينة وتوجيهات إرشادية في مسألة كتم السر، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن المجالس بالأمانة، وأن الرجل إذا حدث بالحديث

ثم التفت فهي أمانة، وأن كتم السر من الإيمان،ومن حسن العهد وحقوق الأخوة الإسلامية وذلك

إذا لم يحدث من كتمه ضررٌ على الإسلام والمسلمين، وإنك لتدهش وتتعجب

من يوسف "عليه السلام"لما جاء إخوته وهم لا يدرون أنه الحاكم في مصرعلى خزائن ا

لأرض،وأراد أن يبقي أخاه عنده، لما جاءه إخوته بأخيهم فعمل حيلة، فجعل اع الملك في رحل أخيه

﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ

مَاذَا تَفْقِدُونَ *قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ[يوسف:70-72]

المهم أنهم نفوا أن يكونوا سرقوا، وقالوا: فتشوا رحالنا، وقبل أن يفتشوا رحالهم قال: ما جزاؤه؟

﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف: 75]

على شريعة يعقوب عليه السلام أن السارق يؤخذ عبداً عند المسروق منه كما قيل، فلما وجد الصواع في رحل بنيامين -إن صح اسمه- وهو أخو يوسف الأصغر، قال إخوة يوسف

﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ [يوسف:77] .

لقد كان هذا الاستفزاز غير المقصود ليوسف كافياً طبعاً لأن يعرف عن نفسه ويقول:

من تتهمون،أتعرفون من تتهمون وعمن تتكلمون إنه أنا، وكان يمكن أن يقول لهم أشياء كثيرة جداً لكنه كتم هذا الأمر﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ[يوسف:77]

لم يأت بعد الوقت المناسب لتوضيح القضية، ولم يأت الوقت المناسب

للكشف عن الحقائق.


اشتمل القرآن الكريم على الكثير من الانفعالات التي تشتمل على مظاهر البهجة والسرور

أومظاهر الألم وعدم ارتياح النفس .

ومن تلك الانفعالات ما يلي :

1/ انفعال الحب : لانفعال الحب دور بارز في حياة الإنسان ومن صوره مايلي :

-حب الله تعالى ورسوله .

ذروة الحب وأكثره صفاء ونقاء هو حب الله فهو الرباط الوثيق الذي يربط الإنسان بربه ، وهو الأساس الذي يبني عليه صرح شخصيته ويسمو بأخلاقها ويقّوم مايصدر عنها من سلوك .

قال تعالى :﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[آل عمران:31]

وعليه فإن حب الله ينمي انفعال حب رسوله وهو من لوازم الإيمان بالله والشعور به والاطمئنان،ويتطلب

ذلك أن يتخذ كل مؤمن من الرسول المثل الأعلى وأن يقتدي به في

جميع أقواله وأعماله، ويهتدي بسيرته المباركة, قال تعالى:

﴿ لَقَدْ كَـانَ لَكُمْ فِي رَسُول ِاللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَـةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَاللَّهَ كَثِيرًا ﴾ (الأحزاب:21).

وحب المؤمن لربه يجب أن يفوق أي نوع من أنواع الحب الأخرى قال تعالى :

﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ

تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِن ُتَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ

فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾[التوبة :24]

- انفعال حب الذات.

فكل إنسان يحب الحياة ويحب أن يمتلك كل ما فيه خير وأمن وسعادة لذاته ويسعى لتهيئة سبل الراحة والرفاهية لها قال تعالى :﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِلَشَدِيدٌ﴾[العاديات : 8], ويجنبها ما يسوؤها أو يضرها .

ويؤكد ذلك قول الحق سبحانه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم :

﴿قُل لاَّأَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف :188 ]

-انفعال حب الوالدين :

حب الوالدين انفعال فطري يبدأ مع الإنسان – ذكرا أو أنثى- غير أنه يتركز في البداية نحو أمه باعتبارها المصدر البيولوجي الوحيد لحاجاته العضوية والنفسية ، ثم تتسع دائرة الجانب النفسي للطفل ، فيشعر بمشاركة الأب مع الأم

في إشباع حاجاته النفسية ، فيتركز نحوذات الأب انفعال حب طفله له ، ومع تقدم العمر الزمني للطفل تتسع دائرة انفعال الحب ويتجرد عن مظهر الإشباع البيولوجي لحاجاته .

يمثل هذا الحب النامي المتسامي للعلاقة الوثيقة للإنسان بوالديه استجابة فطرية لقوله تعالى:

﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًاعَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان :14]

وحب الأب والأم لأبنائهما انفعال يدفع الأمو الأب للحنو والعطف عليهم ورعايتهم وإبعادهم عن الأخطار والمهالك.

وقد أشارالقرآن الكريم إلى ذلك في قصة نوح إذ طلب من ابنه أن يركب معه في السفينة لينجو من الغرق قال تعالى :

﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَتَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ [ هود :42]

ويظهر الحب الأبوي جليا في حب يعقوب لابنه يوسف وأخيه الأصغر قال تعالى :

﴿إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌإ ِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍم ُّبِين ٍ﴾ [ يوسف :8 ]

-انفعال حب الناس:

يعتبر هذا الانفعال مطلبا نفسيا واجتماعيا لكي تعم الألفة والانسجام مع الآخرين .

والموازنة بين حب الذات وحب الآخرين والتعاون معهم وتقديم المساعدة والعون لهم .

قال تعالى : ﴿وَاعْتَصِمُواْبِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْنِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمبِ نِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَاحُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِفَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[ عمران :103]

وقد أثنى الله على إيثار الأنصار لإخوانهم المهاجرين إليهم من مكة على أنفسهم قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[ الحشر :9]

من خلال ما سبق نجدأن الحب كانفعال جزء مهم في شخصية الإنسان وموجه لسلوكه لجلب الخير والمنفعة لهودفع الشر والضرر والخطر عنه.

وهنا تبرز أهمية تربية انفعال الحب عند المؤمن وضبطه بغرس حب الله ورسوله في نفسه وتقويته

وتنميته باتباع الأساليب التي تتلاءم مع شخصيته وطبيعته باعتبار أن جميع أنواع الحب الأخرى تتوازن وتتناغم لتسخيرجميع طاقاته الجسدية والنفسية والفكرية لتساعده

في جني ثمار حياته والوصول إلى غايته العظمى بها وهي العبودية الحقة لربه والظفر بالجنة النجاة من النار في الآخرة .