صار جمال في الخامسة عشر من عمره,لا يعرف إلا أربعة أماكن البيت، المدرسة، المسجد الذي في الحي، ومسجد الشيخ عبد السلام في البلدة، يذهب كل خميس فيستمع إلى درسه، ينتظر بفارغ الصبر لقائه مع شيخه، يطلب من محمود أن يرافقه للمسجد، لكن محمود يرفض متعللاً بضيق الوقت. أما في المدرسة فصداقة حميمة نشأت بين جمال، ضياء، عبادة، اللذان يشعران بأن ألما دفيناً في قلب جمال، يروه ينشد في حصة الفراغ بعيداً عنهم، ويذرف الدموع، حينما يرى ضياء دموع جمال، يرجع حزينا إلى المنزل وحين يسأله أبوه عن السبب، يجيب ضياء، هي دموع جمال التي لا نفهمها.




اقترب جمال من الشيخ عبد السلام وقال:يا شيخي(طأطأ رأسه)إن شبح المستقبل يرعبني، كلما خطوت خطوة، خوفني بأني مقتول لا محالة، فيأمرني بالركون وانتظار القضاء دون عمل،فماذا أفعل؟
الشيخ عبد السلام: ارفع أكف الضراعة، وأخلص في الدعاء، أن يبعد وساوس الشيطان عنك.
جمال: ليست وساوس يا شيخي إنها سهام الغدر، تنتظر اللحظة المناسبة لتنهش جسدي.الشيخ عبد السلام: تردها سهام الليل التي لا تخطئ، فالدعاء يرد القضاء.
ابتسم جمال بألم: تذكرني بدعاء أمي، التي لا تفتأ تدعو الله بأن يرد كيد من أراد بي سوءً إلى نحره..لكني.. مازلت خائفاً مما سيكون.
الشيخ عبد السلام: يا ولدي..إن رباً قد كفاك بالأمس ما كان، سيكفيك بالغد ما سيكون.





كان جمال يغير قميصه في الغرفة،فدخل معتز دون أن يستأذن، فأمسك جمال غطاءه بحركة سريعة ولفه حول جسده وصرخ غاضباً:ألا توجد خصوصية في هذا المنزل.
دخل محمود وسأل بحزم وتسلط:ما الحكاية؟
معتز:يسأل عن الخصوصية، استيقظ يا فتى، إن هذه الغرفة غرفتي وأنت من انتهكت الخصوصية، فالدار داري والغرفة غرفتي.
قام محمود بتأنيب معتز، لكن جمال قال وهو يحاول التخفيف من حدة التوتر:أرجوك يا عم لا تصرخ فيه،ما قال إلا الحق،داري هي الأندلس وسأعود إليها بإذن الله(والتفت إلى معتز)أنا أعتذر، ولكني يا معتز مازلت احمل أسراراً لا أقوى على ذكرها فلا تلح في معرفتها.
وخرج ثم انفجر معتز ضاحكا من منظر جمال عندما لف الغطاء فقال محمود مغتاظا: لو كشف عن صدره، لاكتشفت بأنك قزم.
أحس معتز بالخزي وحقد على جمال..




كان جمال يجلس كعادته قرب الباب يقرأ كتابه، ثم دخل الدكتور رائد إلى الفصل ليتابع دراسة ابنه ضياء مع معلميه، مشى الدكتور إلى المعلم، وكان جمال خلفه، فتوتر جمال وغطى وجهه بالكتاب، وعندما انشغل الدكتور رائد تسلل ليخرج من الفصل، فقال الدكتور لجمال: لا بد أنك الطالب المتميز جمال لمتونه.
توتر الفتى ..استدار ثم استدار الدكتور رائد، بدأ يعدّل نظارته بتوتر وينظر إلى الأرض، مشى الدكتور رائد نحوه و اقترب منه أكثر فأكثر وبدأ يتأمله .. رفع جمال رأسه ونظر إلى الدكتور رائد الذي قال برفق:هل أنت جمال لمتونه الذي يحبه ابني ويذكره بالخير دائماً.
ضياء: أجل يا أبي.. بل كلنا نحبه ونقدره ونحترمه ..ولكنه شخصية حساسة وخجولة.
الدكتور رائد وهو يتأمل جمال:أريد أن أشكر الفتى النبيل الذي قد بدل حال المدرسة إلى كل خير.
جمال يهمس: أمثلك يشكر مثلي!؟
تأمل الدكتور رائد وجه جمال وبدأت الذكريات تطوف حولهما، ابتسم الدكتور رائد وقال له: هل تعرف؟ أن مهنتي طبيب .
ظل جمال متجمداً انحنى الدكتور رائد وضع رأسه على صدر جمال لثواني معدودة ثم رفع رأسه و ابتسم ثم قال مداعباً: سبحان الله! قلبك في صدرك؟!
ضحك كل الطلبة وابتسم فأردف: تحمل قلباً ينبض بالحكمة .
جمال يبتسم بلطف ويهمس:ويشكرك في كل نبضة، ويرجوك بأن لا تكشف سره.
نزلت دمعه من عين جمال..فقال الدكتور رائد برقة: أتسمح بأن أحتضن الفتى الذي يحبه ابني.
هز جمال رأسه بالموافقة..فعانقه الدكتور رائد وهمس:اسمع يا بني إن السر الذي تحمله شرف لك، فلا تخجل منه أو تحزن .