أخي الفاضل، ليس الأمر مسألة خلاف شخصي مع الدكتور طارق (حفظه الله)، و لو قال رأيه في مجلس خاص لما تكلمنا عنه فليس من المروءة تتبع أخطاء الناس و زلاتهم، و لكنه - هداه الله - ذكر رأيه غير مرة أمام الملايين من المشاهدين و المشاهدات، فهنا وجب علينا بيان مناقضة كلام الدكتور طارق للهدي النبوي و الراشدي، و وجب علينا الرجوع إلى كلام العلماء في ذلك.
و كنت أظن أن رأي الدكتور طارق (حفظه الله) في هذه المسألة أشهر من أن يسألني أحد أن آتي بدليلي عليه، و ظننت رأيه تواتر في هذه المسألة و سارت به الركبان، فالدكتور قال مرة في برنامج تلفزيوني أن بقاء المرأة في بيتها و انشغالها به فقط شلل لنصف المجتمع، و دلل على عدم تأثير عمل المرأة على تربية الأبناء بتجربته الشخصيه حيث ذكر أن أم أولاده كانت تدير ثلاث شركات و لم تقصر في تربية أبنائها. كما أنه أخذ معه شابّه مع أخيها إلى ماليزيا مشجعاً النساء على العمل في الصناعة لتنهض الأمة كما يقول.
و على أي حال، إن لم تكن سمعت رأي الدكتور طارق، فأنا أرجعك إلى حلقات برنامج "الوسطية" الموجودة في أرشيف البرامج على موقع قناة "الرسالة" لتسمع أرائه بنفسك، و لابد من إبداء ملحوظة هامة، ألا و هي أن الدكتور طارق في برنامج "الوسطية" غير محايد على الإطلاق، فعندما يقول أحد المشاركين رأياً يخالف رأي الدكتور فإنه إما أن يسخر منه و يتهكم برأيه ليضحك الجمهور عليه، أو يجادله، أو يعرض عنه، أما إن قال الضيف قولاً يوافق رأي الدكتور فإنه إما أن يؤكد على رأي الضيف أو يشكره من دون تعليق أو إضافة، و هذا التحيز واضح و ظاهر لكل ذي لبّ، و قد اعترف الدكتور نفسه بذلك حيث قال في حلقة "القوامة تسلط أم مسئوليّة" (تاريخ الإضافة 5 مايو 2008) – التي أباح فيها للزوجة التي ليس لها أولاد الخروج إلى العمل حتى لو رفض زوجها ذلك! - أقول بأنه قال في هذه الحلقة : "أنا عندي آرائي، و إن لم أسمعها من خلالكم (يقصد المشاركين) فسأستخدم حقّي الدكتاتوري في نهاية الحلقة لأفرضها"، كما أنه المتحدّث الرئيس في برنامجه، فهو يأخذ ما يقرب من 80% من وقت البرنامج، فحريّ به أن يغيّر اسم برنامجه من "الوسطيّة" إلى "الطارقيّة" أو "السويدانيّة"!!!
و الآن – أخي الفاضل - ارجع إلى حلقة "تمكين المرأة بين التأييد و الرفض" (تاريخ الإضافة 23 أغسطس 2008):
في هذه الحلقة يدعو الدكتور الحكومات و المجتمع إلى دعم المرأة لتلحق بالرجل في العمل العام و التمكين لها في العمل العام في مناصب الإدارة و رئاسة الشركات و الوزارة و وكالة الوزارات و الاقتصاد و العمل النقابي و الفن و الرياضة، و يقول بأن المرأة لا تأخذ مكانتها الحقيقية في المجتمع إلا إذا عملت في العمل العام، و يدعو إلى مساواة مشاركة المرأة في العمل العام مع الرجل.
و يدعو إلى زيادة نسبة المرأة في الوظائف الحكومية، و يعتبر نسبة 35% من الموظفات في العمل الحكومي في إحدى الدول نسبة ضعيفة، فهو يدعو إلى تساوي النسبة بين الرجل و المرأة في الوظائف!
و في نفس الحلقة قالت إحدى الحاضرات بأن المرأة ليست كالرجل فمهمة المرأة في الحياة هي تربية أبنائها و رعاية زوجها و بيتها و دعم زوجها في الوصول للنجاح، و قالت بأن المرأة لو أرادت النجاح في العمل العام فستقدر على ذلك إلا أن هذا ليس دورها لأن مهمتها الكبرى هي رعاية الأسرة و الأبناء و الزوج ، فسخر من كلامها الدكتور و تحول سريعاً إلى واحدة أخرى فلما قالت بأن سبب ضعف مشاركة المرأة في الحياة العامة هو الأعراف الإجتماعية شكرها الدكتور على رأيها و لم يعلق عليه!! ثم ألمح إلى أن أحد أسباب ضعف تمكين المرأة في العمل العام هو ضعف طموح الكثير من النساء و أن طموحن لا يتعدّى الزواج و الأولاد فقط! تخيّلوا أنّه يعد قيام المرأة بمهمتها الرئيسة في الحياة و تفرّغها لها بأنه ضعف فيها!!!
و أقول ردّاً عليه بأنّ الله سبحانه خلق الرجل و المرأة مختلفين ليكمّل كلّ منهما الآخر، فإذا سعى أحدهما ليؤدي عمل الطرف الآخر ستنهار الحياة و يعم البؤس، و لن يتذاكى مجتمع على الفطرة إلا أصيب بالغم و الهم و الانهيار و الانحطاط.
و ارجع إلى حلقة "فقر الرموز النسائية" (تاريخ الإضافة 18 يونيو 2008):
في هذه الحلقة يدعو الدكتور إلى إبراز قائدات للمجتمع.
كما أنه أخذ بالاستهزاء و السخرية من رأي أحد الشباب الذي قال بأن المرأة تكون رمزاً إذا اهتمت بأسرتها و أولادها!
و في هذه الحلقة قال شاب آخر بأن دور المرأة ألا تكون رمزاً و إنما صانعة الرموز كما صنعت أم الشافعي ابنها، فما كان من الدكتور إلا أن سخر من رأيه، و تحول إلى مشاركة أخرى قالت أن سبب فقر الرموز النسائية هو اهتمام المرأة بعمل البيت تحت تأثير زوجها، و اعتبرت أن انشغالها بأمور البيت انشغال بأمور هامشيّة، فلم يعلق الدكتور على كلامها و لم يسخر منها كما يفعل عادةً مع من يختلفون معه في رأيه!
و قالت إحدى الدكتورات المشاركات في الندوة (و هي مذيعة في قناة الرسالة) بأن سبب فقر الرموز النسائية هو تنشئة البنات على أن مهتهنّ في الحياة هي رعاية الأسرة، و أقرها الدكتور على ذلك و لم يسخر منها و لم يتهكم بكلامها كما يفعل مع من يخالفونه الرأي في برنامجه!
و في نهاية الحلقة يدعو الدكتور الفتيات لاختيار مجال و التركيز عليه و التخطيط و العمل له، أي أن كل فتاة يجب أن تعمل في العمل العام، و طلب هذا من كل الفتيات!
فمن سيقوم بالاهتمام ببيوتهن و أزواجهن و أولادهنّ و هن مركزات على تحقيق أهدافهن في العمل العام يا ترى؟!
و ردّاً على هذا الكلام أقول بأنّ المرأة تكون رمزاً ببنائها لأسرتها و ليس ببروزها و قيادتها للمجتمع، و انظروا إلى القرآن الكريم كم رمزاً أظهر لنا، لقد أظهر القرآن خمسةً و عشرين رمزاً من الرجال ألا و هم الأنبياء (عليهم السلام) و لم يذكر لنا رمزاً من النساء باسمه إلا مريم (عليها السلام)، ليس انتقاصاً من شأن المرأة، و إنما بياناً لاختلاف بروز دور الرجل في الحياة عن استتار دور المرأة فيها، فدور الرجل يختلف عن دور المرأة فهما كالعين و الأذن، كلاهما دوره مهم في سعادة الإنسان و لكن لا ينبغي للعين أن تقوم بدور الأذن و لا للأذن أن تقوم بدور العين، أليس كذلك؟
فالمرأة ليس دورها أن تبرز و تظهر في المجتمع و إنّما دورها أن تبني أجيال الأمّة و تحافظ على سلامة المجتمع من انهيار القيم التي تسبب بها ترك المرأة لوظيفتها الأساسيّة و انشغالها بوظائف الرجال، و عندما تقوم بهذه المهمة - و ما أصعبها من مهمة - فعليها أن تحتسب أجرها من الله و ليس عليها بعد أن يبرز اسمها في المجتمع أو لا يبرز، و السلام ختام.
تعليق