نصّ الخطاب
خطاب مفتوح إلى الرئيس الأمريكي أوباما
بقلم/ الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع

بعد التحية:
تعلمون - سيادتكم - أن بني الإنسان مختلفون فيما بينهم في المشارب والمسالك وفي المذاهب والديانات وفي الألوان والألسن وفي المدارك والأفكار، إلا أنهم يجتمعون فيما بينهم في قاسم مشترك هو العنصر البشري وخصائص مكوناته وتكوينه فكلنا معشر البشر من آدم وآدم من تراب. فالأخوة الإنسانية قائمة مهما وجد الاختلاف فيما بيننا. والنفس البشرية مع من أحسن إليها وضد من أساء إليها والله تعالى يقول: «وقولوا للناس حسنا» والشاعر العربي يقول:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم // فطالما استعبد الإنسان إحسانُ
فخامة الرئيس:
لقد تبوأت عرش أمريكا وسكنت في عرين حكمها. فأنت حاكمها. وأنت أول رئيس لأمريكا يعلق عليه الناس أقوى الآمال في استعادة الولايات المتحدة الأمريكية هيبتها ومحبة الناس لها واحترامها وتقديرها والتطلع إلى سيادتها بالحسنى والحق والعدل ومناصرة المظلوم وحماية حقوق الإنسان مهما كان الإنسان، وكذا التطلع إلى تبديل وجه أمريكا من وجه كالح هو محل كراهة وزراية واشمئزاز إلى وجه صداقة ومحبة وحب وتعاون وتبادل مصالح. أقول هذا لأنك يا سيادة الرئيس أتيت إلى البيت الأبيض من عنصر لا يزال محل ازدراء وصغار وذلة ومهانة. أتيت إلى قصور الحكام من كهوف الأكواخ وأنت تعرف ما كان يلاقيه سكان هذه الأكواخ من الذلة والمهانة وسلب الحقوق. ولاشك أن ما كان يلاقيه هؤلاء السكان قد اكتوى به آباؤك وأجدادك وبنو جنسك، والآن وقد جئت إلى الحكم وأنت ممن يفترض فيه أنه أكرم وأقرب إلى العدل والنصف والوقوف مع المظلوم والمكلوم والمعتدى عليه. جئت إلى الحكم من جنس قد اصطلى بنار الظلم والغطرسة والطغيان.
هؤلاء المظلومون داخل الولايات المتحدة وخارجها يعلقون على سيادتكم آمالاً عراضاً في تغيير وجه أمريكا إلى وجه صبوح تنبلج منه أسارير المحبة الإنسانية والتعاطف الإنساني، في بذل النصح للإنسان والعون للإنسان والوقوف مع الإنسان ضد ظلم الإنسان للإنسان فكفى يا سيادة الرئيس ما تعانيه الشعوب في العالم ومنه الشعب الفلسطيني المسلوبة منه حقوقه وأرضه ظلماً وعدواناً. سلبها منه عدو ظالم مؤيَّد بحبل أمريكا ومن ناصر أمريكا.
كفى يا سيادة الرئيس الظلم والطغيان في تشريد ملايين الفلسطينيين من ديارهم بغياً وظلماً وكفى يا سيادة الرئيس إراقة أنهار دماء الفلسطينيين بغياً وعدواناً وكفى يا سيادة الرئيس العبث بالعراق، وبأمن العراق، وبدماء ما لا يقل عن مليون شخص من العراق، وبتدمير البُنيات ذات المستويات المختلفة في العراق، حتى عاد إلى ما قبل مئات السنين تأخراً وانحطاطاً. ومثل ذلك في أفغانستان والشيشان والصومال والسودان وفيتنام، وقبل ذلك اليابان وكوريا والفلبين، وما أمر هيروشيما من ساسة أمريكا ببعيد.
إنني أتمنى أن تعهد يا سيادة الرئيس إلى أحد مراكز البحث والإحصاء بإعداد معادلة تجمع بين سلبيات التدخلات العدوانية من أمريكا وبين إيجابيات ما عاد على أمريكا من مصالح من خلال تدخلاتها العدوانية الخارجية في شؤون العالم وعلى حرمات وحقوق العالم.
وعلى أي حال فلو أحصي ما أنفقته أمريكا في دعم الظلم والعدوان وما جلب لها من الكراهة العالمية من أصدقائها وأعدائها، وما عاد عليها وعلى مصالحها الخاصة من نقص وخسارة وتناقص في الإنتاج والاحترام وكساد الاقتصاد. لو علم حجم ذلك الإنفاق وأنفق نسبة قليلة منه في سبيل المساعدات الإنسانية العالمية والوقوف مع العدل والحفاظ على الحقوق العالمية العامة لكان هذا من أعظم الأسباب لسيادة أمريكا ولمحبة الناس لأمريكا وللتعاون مع أمريكا ولإيثار أمريكا على غيرها في تبادل المصالح والمنافع.. فيا سيادة الرئيس يجب أن تكون مصلحة أمريكا في أوليات حكمك وفوق كل اعتبار من غير أن تكون هذه المصلحة على حساب مصالح الآخرين. ولكي تحقق لأمريكا احترامها واعتراف العالم بسيادتها فيجب أن تعيد النظر في مقاييس تعامل أمريكا مع العالم لتدرك ما ينفع أمريكا فتأخذ به وما يضرها فتجتنبه. وأن تحسن إلى الإنسان في كل مكان لتستعبد قلبه، فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.
سيادة الرئيس: إنني أقدرك وأقدر مواهبك التي أوصلتك إلى مقر الحكم في أمريكا وأقدر الوجه الصبوح للديمقراطية التي اعترفت للمواهب بحقها وهيأت لصاحب الحق الحصول على حقه والوصول إليه وأرجو أن يقضي هذا الوجه المشرق على وجوهها المظلمة كما أرحمك يا سيادة الرئيس لأنك ورثت تركة مثقلة بالمشاكل الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وأرجو أن تتاح لك بطانة صالحة تدرك مصلحة أمريكا وأنها فوق كل اعتبار مهما كان ذلك الاعتبار ومهما كان الضغط على السلطة لتقديم ذلك الاعتبار. ما لم يتعارض ذلك الاعتبار مع العدل والنصف واحترام حقوق الآخرين.
وأختم خطابي إليك يا سيادة الرئيس بواقعة هي صورة من صور واقع أمريكا في العالم:
كنتُ قبل عام في أحد المصاعد لأحد الفنادق في الرياض وقد جمعنا المصعد بأمريكيين ومعهما أحد الإخوة السعوديين فانطلق لساني بكلمات سب وشتم لأمريكا وأهل أمريكا.
فقام الأخ السعودي بترجمة كلمات السب والشتم إليهما فقالا إننا نعذر الأستاذ على ما قال. ونحن معشر الأمريكيين نستحق هذه الكلمات وأكثر منها ولقد سمعنا في بلدان أخرى أكثر من هذه الكلمات كلها تنم عن كراهية وبغض لأمريكا وأهل أمريكا. ولقد كنا في السابق نفخر أن ننتسب إلى أمريكا واليوم نجد الغضاضة وعدم الارتياح إلى الانتساب إليها وقد يكون من واحدنا اختيار الانتساب إلى كندا مثلاً كل ذلك بفعل السياسة الأثيمة من ساسة أمريكا حينما وقعوا تحت تأثير العنصر السامي وأخذوا منه مبدأ الظلم والعدوان - ليس علينا في الأميين سبيل -.
يا سيادة الرئيس:
لقد جربت أمريكا عنصر التعامل مع الآخرين بالعنف والاستخفاف بالحقوق ورأت آثار ذلك في وجه أمريكا الكالح فلتجرب التعامل مع الآخرين بعنصر العطف والرحمة والعدل والإحسان لتستطيع تغيير وجه أمريكا إلى وجه صبوح مشرق.
أسأل الله أن يعينك ويهديك إلى صراطه المستقيم.
أخوك في الإنسانية وأرجو أن تكون أخاً في الإسلام