بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه
إذا وددت أن تعرف..الحالة الإجتماعية والثقافية لأي أمة على وجه الأرض..فانظر إلى القدوات فيها..القدوات التي تبرزها الوسائل الإعلامية وتساندها السلطات والجهات المتنفذة في تلك الأمة.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا..تجد القدوات..هم مطربو الراب ومغنو الروك أند رول ومحترفو الغناء المتهتك بمختلف أنواعه..بالإضافة إلى الممثلين ولاعبي السلة والبيسبول وكرة القدم الأمريكية وغيرهم..
وفي البرازيل والأرجنتين والمكسيك وبقية دول أمريكا اللاتينية..تجد أن أكثر الناس يتعلقون بلاعبي كرة القدم ويعتبرونهم قدوات وأبطال قوميين..ينبغي أن يحتذي الشبيبة أثرهم..
ولا يختلف الحال كثيرا في القارة الأوروبية..والآسيوية..
صحيح..أنه في تلك البلدان..سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا أو دول الشرق كاليابان والصين وكوريا..يجد علماء الطبيعة والفلك والآثار..وغيرها من العلوم..دعما سخيا لا يكون في دول العالم الأخرى..وعلى وجه التحديد والخصوص أقطار الأمة الإسلامية..ولكن رغم هذا..فإن هؤلاء العلماء الذي تبحروا واحترفوا العلوم الدنيوية لا يعتبرون في أمريكا ولا أوروبا قدوات الدرجة الأولى..فالدرجة الأولى..محجوزة للغناء والرياضة والتمثيل..
وحين أضع الأمة الإسلامية على حالها اليوم في الميزان..أرى شيئا عجيبا..
فعلى مستوى الأنظمة الحاكمة في أقطار الأمة المختلفة..أرى دعما ماديا ومعنويا رهيبا..لأهل الطرب والغناء والرقص والتمثيل والرياضة..فالمغني أو المغنية العرب..أو الأجانب..حينما ينزلون في أي قطر إسلامي..لا بد أن تجد من يستقبلهم بالحفاوة والتكريم..والورود الثمينة..والأزهار النادرة..وتوسع لهم الدروب..وتحجز لهم الغرف الراقية في الفنادق الفخمة..وتقام لهم المؤتمرات الصحفية التي تتناقلها القنوات الفضائية العربية..وتقدم لهم الخدمات المخملية التي تضارع إن لم تتفوق على الخدمات التي تقدم للملوك والرؤساء والوزراء والنواب..!!!
وإذا رأيت ثم رأيت..وأحلت ناظريك إلى علماء الأمة الإسلامية وفقهائها وأهل القرآن والحديث وقادة الجهاد..تراهم في غربة..ووحشة..وهجرة دائمة من بلاد إلى بلاد..ومن بلاء إلى بلاء أشد..وإلا..فنحن نتذكر بمرارة تعتصر قلوبنا ألما..وتعتصر مآقينا دمعا ودما..كيف كان إمام الحديث..وفقيه الزمان..وعلامة العصر..الشيخ العلم..محمد ناصر الدين الألباني..يقيم ولمدة تزيد على ثلاثة أشهر بين دول تزعم أن دينها الرسمي الإسلام..يقيم على الحدود المصطنعة التي رسمها اليهود والنصارى بين تلك الدول..يفترش الأرض ويلتحف السماء..بين السعودية..وسوريا..والعراق..والأردن..والإمارات..وكل هذه الدول..نأت عنه واستبعدته..وكان لا يرى جواز الهجرة لبلاد الكفر..وإلا فقد كان بإمكانه ذلك..ولو سافر لوجد سعة في تلك الديار الكافرة..أكثر بألف مرة مما وجده في بلاد شعوبها مسلمة وأنظمتها مستسلمة..
وحتى لا أبتعد كثيرا عما يمكن للقراء تخيله..أضرب لكم مثلا بسيطا..
أنظروا للقنوات الفضائية..فإنكم سترون العجب العجاب..برامج خاصة..تحكي سيرة الممثل الفكاهي الفلاني..أو الممثل الرومانسي العلاني..أو الراقصة..أو المغنية..أو اللاعب..أو غيرهم..سترون أن 90 % من هذه البرامج أو أكثر مخصصة لمن كان أثرهم عكسيا على الأمة..أما العلماء والقادة وأهل البر والفضل..فنصيبهم في تلك القنوات..التجاهل التام..فأي منطق..وبأي عقل..وعلى أي بند يستند القائمون على الإعلام الفضائي الحكومي والخاص في تقديم موادهم الوثائقية وبرامجهم الثقافية..؟!
حضرت الكثير من الإجتماعات..والندوات..والجلسات التي تجمع المفكرين والمثقفين والأطباء ورجال الإقتصاد والتجارة والإدارة وأساتذة الجامعات..وكنت أجلس مستمعا لأحاديثهم..فوالله الذي لا إله إلا هو..قد رأيت الهزيمة في نبرات أصواتهم..وفي حركاتهم..وسكناتهم..فهذا يستشهد بنظريات ( آدم سميث ) الإدارية..وذاك يناقش قوانين ( نيوتن ) الطبيعية..وذاك ينظر لفلسفات ( جوتاما بوذا ) و ( كونفوشيوس ) و ( أفلاطون ) و ( أرسطو طاليس )..!!!
ثم يستدرك أحد متابعي الساحة السياسية..المجلس بالحديث..عن تاريخ السياسة في العالم..ويستفهم عن بعض مفردات قالها ( هنيبعل بن هملقار القرطاجي ) و ( أرمينيوس الجرماني ) و ( الإسكندر المقدوني ) وصولا إلى ( نابليون بونابرت ) و ( أدولف هتلر )..وغيرهم..
ولم أجد في أغلب هذه الإجتماعات..التي يكون حضورها في سوادهم الأعظم مسلمين..من يتحدث عن آية في كتاب الله عز وجل..أو حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم..أو من يستفهم عن قصة من سير أعلام النبلاء..أو يناقش قضية من قضايا الأمة من منظور إسلامي ويقرنها بقال الله عز وجل وقال رسوله صلى الله عليه وسلم..ويسعى جاهدا ليقوم بواجبه تجاه أمته..!!!
أين هؤلاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال ( أيما قوم جلسوا مجلسا ثم قاموا لم يذكروا الله عز وجل إلا كانوا كمن قام عن جيفة حمار ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام..؟!
يا أيها الأحبة..أمتنا أمة منصورة..ولكننا مهزومون..إننا نستحيي أن نقول في الجموع اللاهية..كلمات الحق..نستحيي..أن نقول..( إتقوا الله )..ونستحيي أن نذكر آية أو حديثا في إجتماعاتنا الإقتصادية والإدارية التي تجمعنا بأهل الوجاهة والتجارة والإقتصاد..
نحن نستحيي أن نقرن بين حادثة طبيعية كزلزال أو بركان أو فيضان أو سواه بغضب الله عز وجل وسخطه..فحينما يحدث زلزال أو إنزلاق أرضي مثلا..نرجع ذلك إلى العوامل الطبيعية وتهتك الطبقات الأرضية والتشققات الصخرية..ونتجاهل تماما النظر إلى هذه الأحداث بالمنظار الحقيقي الإلهي..الذي إعتمده رسول الله صلى الله عليه وسلم..في تغير لونه عليه الصلاة والسلام حين رأى الغيمة عليهم مقبلة..لأنه يدرك سنن الله عز وجل وآياته..وحين يصلي في كسوف الشمس أو خسوف القمر..تقربا لله وسعيا منه صلى الله عليه وسلم لإطفاء غضبه تبارك وتقدس..ولكننا اليوم..ننتظر كسوف الشمس ونشتري النظارات الشمسية لمتابعة الكسوف وكأنه من أفلام الإثارة والمتعة والتشويق..!!!
أتعرفون لم هذا..؟
إنه بسبب ضياع القدوة..فالقدوة موجودة في رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسل..حين قال الله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) وقال تعالى ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ).
تركنا القدوة التي أوصى الله باتباعها..واتجهنا..إلى قدوات لا حظ لها ولا خلاق ولا قدر لها عند الله عز وجل..فضللنا وما كنا مهتدين..وكنا أعزة بدين الله عز وجل..وأعزة بالإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح..وأعزة بالإحتكام إلى شرع الله والذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم..وقطع الألسن والرؤوس والأذناب التي تتخطى حدود الأدب مع دين الله عز وجل وشعائره..فلما ضيعنا هذا كله..أذلنا الله عز وجل..وسلط علينا أضعف وأجبن وأسفل خلقه..وأبدلنا بالقوة ضعفا..وأضحينا بعد الملك مماليك..تتلاعب بنا الأمم الكافرة..ونتسول الرضا منها..سرا وجهرا..
اللهم إنا نسألك أن تعيد الأمة إليك عودا حميدا جميلا..تنتصر به بعد هزيمة..وتعز به بعد ذلة..وتفوز بعد خسران..يا رحيم يا منان..
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
( إنتهى الجزء الثاني )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم
الروابط المفضلة