اغتنميها قبل انقضائها

مضى من
الشهر عشرون ولم يبقى إلا
عشراً فالفرصة مازالت أمامك
قائمة والأجور مازالت مُعدة
فإذا كنت قد فرطت فيما مضى من
الأيام فأحرصي على اغتنام هذه
الليالي والأيام فإنما
الأعمال بخولتيمها .

فإذا علمنا
أن شهر رمضان هو أفضل الشهور،
كانت نتيجة ذلك أن نجتهد فيه
اغتناماً لفضله، و إذا علمنا
أن العشر الأواخر هي أفضل
أيامه، و أفضل لياليه، كانت
نتيجة ذلك أن نكثر الاجتهاد
فيها، و ألا نضيع منها وقتاً
في غير منفعة. و هذه الأيام
العشر يستحب فيها أربعة أشياء:
1- إحياؤها كلها. 2- زيادة
الاجتهاد فيها بالأعمال
الأخرى. 3- إظهار النشاط فيها و
القوة. 4- الاعتكاف و اعتزال
الشهوات و الملذات. .

فلقد ورد في
حديث عائشة: “أنه صلى الله
عليه و سلم كان إذا دخل العشر،
أحيا ليله، و أيقظ أهله، و
جَدَّ”. و الجدّ هو: بذل
الجهد في طلب الطاعات، أو في
فعلها، أي: بذل ما يمكنه من
الوسع. و ذلك يستدعي أن يأتي
الطاعة بنشاط، و رغبة، و صدق و
محبة. و يستدعي أن يبعد عن نفسه
الكسل، و الخمول، و التثاقل، و
أسباب ذلك، ففي أي شيء يكون
هذا الجدّ؟

– الجد في
الصلاة؛ فيصلي في الليل و
النهار ما استطاع.
– و الجد في القراءة؛ أن يقرأ
ما تيسر من القرآن بتدبر و
خشوع و قلب حاضر.
-و الجد في الذكر؛ أن يذكر
الله و لا ينساه، و لا زال
لسانه رطباً بذكر الله.
– و الجد في الدعاء؛ أن يدعو
ربه تضرعاً و خفية و أن يكثر
من الدعاء.
– و الجد في الأعمال الخيرية
المتعددة من النصائح
والعبادات، و ما أشبه ذلك.
– و الجد في العلم و التعلم و
ما يتصل بذلك، أي الاجتهاد
في الأعمال كلها.

و يدخل في
ذلك أمر الأهل -و هم الأولاد
والأزواج- بالصلاة، فيستحب
للمسلمة أن توقظ أهلها بهدف
الصلاة، و أن تذكرهم بفضلها. و
كان السلف رحمهم الله يوقظون
أهليهم حتى في غير رمضان. و كان
عمر رضي الله عنه إذا كان آخر
الليل أيقظ أهله كلهم، و أيقظ
كل صغير و كبير يطيق الصلاة، و
كان يقرأ قول الله تعالى: ((و
أمر أهلك بالصلاة و اصطبر
عليها))(طه:132)
فهي ليال محصورة، إنما هي عشر
ليال، أو تسع ليال إذا لم
تكتمل ليالي الشهر إلى ثلاثين
ليلة بأن كان الشهر ناقصاً
يوماً، فلا تفوت على الإنسان
الباحث عن الخير أن يغتنمها، و
يستغل أوقاتها. و عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم أنه قال:
“إذا قام الرجل للصلاة و
أيقظ أهله فصليا كُتبا من
الذاكرين الله كثيراً و
الذاكرات”.

و ثبت عنه
صلى الله عليه و سلم أنه كان في
ليالي العشر يغتسل كل ليلة بين
العشائين أو بعد العشاء، و
القصد من هذا الاغتسال أن يأتي
الصلاة بنشاط بدن، و من نشاط
البدن يأتي نشاط القلب. و من
احترام هذه الليالي و تعظيمها
أن النبي صلى الله عليه و سلم و
صحابته كانوا يتجملون لهذه
الليالي فيلبس أحدهم أحسن
ثيابه، ليكون ذلك أيضاً أنشط
لبدنه، و أنشط لقلبه، حتى إن
كثيراً منهم يتجملون في هذه
الليالي بثياب لا يلبسونها
لغيرها. و مما يفعلونه للنشاط
و القوة استعمالهم للطيب في
البدن، و في الثوب، و في
المساجد، فكانوا يستعملون
النضوح، و النضوح هي: الأطياب
السائلة حتى يكون الإنسان طيب
الريح، و يكون بعيداً عن
الروائح الكريهة لأن الملائكة
تحب الريح الطيب ، و تتأذى مما
يتأذى منه ابن آدم، و كذلك
يطيبون مساجدهم بالنضوح، و
بالدخنة التي هي المجامر. وهذا
خاص للرجال دون النساء حيث
لايجوز خروج المرأة وهي
متعطرة . فمثل هذه مما تكسب
النشاط في البدن، و النشاط في
القلب.و متى كان القلب و البدن
نشيطين لم يملّ الإنسان و لم
يكل، و متى كان البدن كسولاً
ضعف قلبه، و ملّ من العبادة، و
كسل عنها. و كثيراً ما يذم الله
تعالى أهل الكسل، كما ذكر الله
تعالى ذلك في وصفه المنافقين
بقوله تعالى: ((و إذا قاموا إلى
الصلاة قاموا كسالى))(النساء:142).
فالمسلم يأتي بالأعمال التي
تحبب إليه العبادة و تجعله
منشرح القلب، مقبلاً عليها
بكليته، غير غافل و لا ساه،
بعيداً عن كل ما يلهي القلب و
يشغله عن طاعة مولاه عز و جل.
اللهم اجعلنا ممن احيا ليالي
رمضان بالصلاة والقيام
والأعمال الصالحة ايماناً
واحتساباً .

جزء منه لفضيلة
الشيخ / عبدالله بن جبرين

قد يعجبك أيضاً ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *