بِتُّ لا أعرِفُني ..
قَطّبتُ جبيني في المرآةِ لرؤيَتي ..
سألتُني عَنّي .. فَرَدّدتُ كلماتي كالبلهاءْ ..
صَرَختُ بوجهي .. وعلا صوتي في الفَضاءْ ..
ثمَُّ بَهت وخُسِفَ كملامحي ..
إنّي تائهَةُ .. إنّي حائرةْ ..
إنّي جَرداءُ منَ الذّاكِرةْ ..
في عينيَّ غُيومٌ سَوداءْ ..
وفي شَفَتيَّ ألفُ شكوى ..
وفي عقلي أفكارٌ بكماءْ ....
واللهِ إنّي حائرةْ ..
خَلفي تَمْتَدّ طَريقٌ من أوجاعٍ ، وأمامِيَ طُرُقٌ شتّى ..
ولأنّي أعلَمُني وأعْرِفُني فَقَد حادثتُني وأمسكتُ قلمي ..
أمسكتُه لأبدأ ، أحْتَرتُ ، أسأُكمِلُ أمْ لا ؟!
أأستطيعُ حقّاً؟!
" بِيَدِكِ الخَيارْ ...
بإمكانكِ البَوْحُ بآلامِكِ ، أحْزانكِ ، ذكرياتِكِ ، أحْلامِكِ ، أو تَرْكِها تتراكَمُ كالجِّبالِ فَوقَ قلبكِ فينهارْ "
يا للهول ! مَن ذا قالَ انهيار ؟! هوَ آخِرُ ما أحتاجُ وَرَبّي !
"حسناً ، تخيّلي بَحراً واسِعاً ..."
نَعَمْ ، أزرقَ صافياًً ، فوقَهُ تَدْمى السّماءُ وتَنْثُرُ ذرّاتٍ مِنَ الاحمرارْ ، والشّمسُ تَنْطَفِئ ، تَغْرَقُ في البحرِ ، ويَعُمُّ الظّلام !
(ويَتَرقرَقُ الدَّمعُ !)
" ما هذا ؟! مالَنا ولِغيابِ الشّمسِ والبحارْ ؟!
تخيَّلي نهراً .. "
نَعَمْ بِجانِبِهِ حَقْلٌ منَ الأعشابِ والوُرودِ والأشجارْ ، وصخورٌ في مجرى النّهرِ يَنْحِتُها ، فَتَذوبُ رَمْلاً ، وَيَصُبُّ بعد ذلك عُذوبَتَهُ في أُجاجِ البحارْ .. يا للمِسكينِ !! ماذا كانَ وماذا صارْ؟!
(وَيسيلُ الدّمعُ !)
"يا لِقَلْبِكِ ! ما أرقّه ! أأحزَنَكِ مَصيرُ النّهرِ وهوَ مُذيبٌ للحجار؟! ... حسناً ، فلتَتَخيّلي سَهْلاً .."
أها .. مليءٌ بالنِّعَمْ ، يَمْلؤهُ قَطيعٌ مِن غَنَمْ ، وراعٍ يَجْلِسُ يَعزِفُ بأنبوبِهِ الخَشِبيّ ، وَذِئْبٌ مُفْتَرِسٌ يَتَرَبَّصُ ، يَنتظِرُ الفُرصةَ للحُصولِ على الطّعامِ الشهيّ !
"وتَسْتَبِقينَ الأحداثَ ؟! ، يا للهَمّ !
استَنْزَفتني ، ما بقيَ البوحُ بَوْحاً ، ولا صارَ مُريحاً القلَمْ !
تَخُطّينَ في الأفق شؤماً ، وعلى الأمواجِ همّاً ، وتخلطين الجمالَ بالألم !
ما ضرَّ لو تَركْتِ يأسَكِ ، ومَحوْتِ عن محيّاكِ الأسى ؟!
ما ضرَّ لو خَرجْتِ من مسرحيّتكِ التي تُمثّلينَ فيها الغَمّ ؟!
ليسَ للسّعادةِ أقدامٌ فتأتينا ، كما ليس للحُزنِ فيَغيبُ عنّا ..
لكنّ لكِ عقلاً وقلباً ، يفترض أن يحيا في كَنَفِ الله ،
ولكِ في عقيدَتِكِ تِرْسٌ ، وفي عبادَتكِ سَهْمْ!
تُحاربينَ فيه ما مضى ، فتعيشينَ حياتَكِ دونَ الأسى على ما تمّ !!"
فقلت
(وإن القول لينطق ويقول أنه ليس لي بل للرافعي الفذ-رحمه الله )
(( سبحانَك ،
إن السّاخِطَ على الحياةِ والحياةُ مِنكَ ،
ليسَ إلا كَوَرَقَةٍ في شَجرةٍ قدْ بدا لها
فسِخِطَتْ شَجَرَتها وعَمَلَها ونِظامَها ولَوْنَها
وانتَزَعَتْ نفسها وَهَوَتْ في التّرابِ لتَخْلُقَ أوهامَها
وتَخْرُجَ من نفسِها على ما تُحِبُّ شَجَرَةَ جمالٍ ولونٍ وثَمَر
فإذا هي أهوَنُ على الأرضِ والسّماء
من أن تكونَ إلا وَرَقَةً يابِسَةً قد هَلِكَتْ حُمْقاً ))
وقررتُ
بدايةً جديدةً ..
وصداقةً جديدةً مع نَفْسي ..
وسَعادَةً جديدة تَتَجَدّدُ كلّما جَدَّدْتُ لله عهدي J
الروابط المفضلة